مؤخرا راجت أُطروحة، أراها ضبابية و مشوشة، على السّاحة السّياسيّة العراقية و العربية، و مفاد هذه الأُطروحة '' ذات المضمون المبطّن،، أنّ الولايات المتحدة تسبّبت فيما يُعانيه العراقيون الآن من عمليّات إرهابية و قتل و تدمير للبشر و للبُنية التحتيّة و مرافق الحياة الضرورية، بحُجّة أنّ الولايات المتحدة (( خطّطت )) عن سبق إصرار و ترصُد لجعل هذا البلد ـ العراق ـ و قبلهُ أفغانستان، ساحة لمعركتها و حربها ضد الإرهاب، و ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع، ما نشره أحد الكُتاب العراقيين في إحدى الصُحُف العراقية ـ و لا حاجة لذكر اسمه ـ من تعقيب على مقال للسيد '' شاكر النابلسي ـ الكاتب المعروف،، و كان هذا الكاتب العراقي الذي كتب التعقيب يردُّ أو يُعقّب، بمرارة، لكون السيد النابلسي '' حسب رؤية الكاتب العراقي،، يبرّر أو يمتدح الحرب الأمريكية على الإرهاب و ما ستجلبه من منافع ـ نسب هذا القول للسيد النابلسي ـ على الدول العربية و الإسلامية من تحرُر و تغييرات نحو الديمقراطية و تغيير الثقافة الشرقية نحو العقلانية، ثم عاد الكاتب العراقي ليطرح تلك النظرية، التي حدّثناكم عنها في بداية المقال، إن هذا الكاتب العراقي لهُ الحق كُلّ الحق في انتقاد ما يشاء و ما يُريد و من يختارهُ للنقد، كما أن السيد شاكر النابلسي لهُ الحق نفسه في الردّ، لكن ما يهمني هنا هو أن الصحافة العراقية (( الجديدة )) لا تزال تحمل في أحشاءها كل سيئات و سلبيات و نظريات (( النظام المقبور ))، فبين كاتب يحمل ثقافة و عقل عصر (( أبو عدّاي )) ينشر كُل ما يكتبه ـ كما كان أيام البعث ـ مستغلاّ علاقاته و أساليبه القديمة و القذرة، إلى الصُحُف و المجلاّت (( الحزبية )) و (( الطائفية ))، بين هذا و ذاك يسهُل على '' البعثجية و السلفجية،، ترويج و إعادة تصنيع الثقافة القديمة و البالية القائمة على نظريات المؤامرة و المخططات الخارجية و الكراهية تجاه كُل ما ليس بعربي أو مُسـلم أو شرقي، فباستطاعة المثقف الحذق و الذكي و الحر أن يتعرّف على هؤلاء ـ ورثة صدّام ـ من خلال أُطروحاتهم، فجُلُّ همّهم أن يوجّهوا نيرانهم نحو الخارج و تبرئة (( مُجرمي الداخل )) بطرق إلتفافية مُتقنة، فصدام المجرم الطاغية الأرعن، كان مخدوعا، حسب هذا الكاتب و من على شاكلته، و ما حل بالعراق كان مخططا لهُ مسبقا في الخارج، و لربما كان الكاتب سيصنّف دفاعا ممتازا عن الطاغية المحبوس، لو لا معرفته مقدّما رفض الشارع العراقي و الصحافة الرسمية لهكذا مقالات، و من الطبيعي أن يضيع الكُتّاب الأحرار و المحبّون للديمقراطية و السلام وسط هذا الكم الهائل من الصحفيين '' الببغائيين،، و الذين يعتبرون الصحافة '' مهنة،، لا أخلاق أو مباديء فيها، فكُل ما يحرصون عليه هو تمشية الأمور و الكتابة في ظل أي نظام كان و جباية الراتب و العلاوات، الكاتب الصحفي الحقيقي هو ذلك الذي يستطيع أن ينقُد كل شيء في ظل الحرية و الديمقراطية و لكنه لا يكتب حرفا واحدا في ظل المستبدين الذين لا يقبلون إلا كيل المديح و تصنيف المواضيع على أنها صنفان : الممنوعات و غير المسموح و أخيرا حيّز صغير لتحريك القلم..".

نعود إلى النظرية التي تعتبر أن أمريكا اختارت عن عمد و قصد أن تجعل العراق أرضا للمعركة ضد الإرهاب، إن كون العراق ساحة حرب ليس اختيارا أمريكيا أو حتى عراقيا أو عربيا، لقد كان العراق و منذ عهد الإمام علي عليه السلام مكانا للحرب على الإرهاب، فكم مرّة قام منافقون و انتهازيّون برفض مشاريع الإسلام الحقيقي المحمدّي العلوي ـ و كما يفعلون الآن تماما ضد المشروع الديمقراطي الأمريكي ـ فهل كان قتال عليّ في الجمل ـ إختيارا مُتعمّدا ـ و كذلك في صفـّين و النهروان ؟!! و قتل الإمام الحسين و من معه ثم حزُّ رأسه و أخذه إلى الشام و حرب التوّابين ضد إبن زياد المجرم و ثورة العراقيين ضد الحجّاج السفّاح و.. و.. إلخ " هل كل هذا كان مخطّطا لهُ مسبقا، إن الإنطلاق عبر النظريات و العقائد الجبرية ـ و هو ما يجمع الماركسي اللينيني الشيوعي بالسُّني السلفي الوهّابي ـ هو ما يُسـهّل عملية خداع الجمهور و جعله يصدّق بنظريات المؤامرة.

E-Mail: [email protected]