الكثير يجدون بولاية الفقيه تهديدا حقيقيا للديمقراطية وخطرا على العراق والمنطقة، وقد وصل الأمر إلى حد التطير من قبل البعض، وآخرون حملوا حقائبهم وهرعوا نحو أمريكا طالبين النجدة من هذا القادم المخيف، وهناك من راح يرسم سيناريوهات مرعبة عن أمر هذه الجماعة. أنا شخصيا لست من مؤيدي ولاية الفقيه، بل أقف على طرف النقيض من هذا التيار، ولكن لا أجد به أي تهديد للديمقراطية في العراق ولا يمثل خطرا على أحد، بل أجد به قوة سوف تخلق التوازن الحقيقي في المشهد السياسي العراقي، ويغني العملية السياسية بأكثر من معنى.

في هذا التحليل، أحاول أن اصل إلى طريقة لقياس تأثير هذا التيار كمَا، وليس كيفا، على البرلمان العراقي وبالتالي على صياغة الدستور العراقي الجديد.

التقييم سيكون على أساس كمَي، بالرغم من أنه مبني على أساس من التخمينات، ولكن سنحاول أن يكون واقعيا قدر الإمكان. معتمدا بذلك على المشهد السياسي في الوقت الحالي، حيث مازالت الحملات الانتخابية لم تنطلق لحد الآن، وكما نعرف إن الحملات الانتخابية لها أثر كبير على مزاج الناخب وقناعته النهائية، وهذا ما سوف يبدل من النسب التي سوف نتحدث عنها ولكن ليس بشكل كبير، حيث أن التأثر سوف يكون باتجاهين بالنسبة لأية قائمة، سلبا أو إيجابا، وبالتالي سوف لن يكون أثره كبيرا على النتائج النهائية.

قائمة الائتلاف الوطني، أو القائمة الشيعية، أو القائمة التي تدعمها المرجعية الدينية في النجف، وهذا ما نفته الأخيرة قطعا، حيث قال ممثلين عن آية الله السيد على السيستاني إن السيد لا يدعم جهة على حساب أخرى، ولكن بقي عناصر مؤيدين للقائمة يروجون أن القائمة فعلا مدعومة من المرجعية الدينية. بأي حال من الأحوال لن نتوقع أن يصوت لها سوى شيعة العراق، والنسبة المعروفة للشيعة في العراق هو 60% وربما يزيد أو يقل بعض الشيء، ولكن هذا هو الرقم الذي يمكن اعتماده في هذا التقييم الكمَي.

الشيعة في الجنوب، الكثير منهم علمانيين ينتمون إلى اليسار، ذلك التيار الواسع وذو الجذور العميقة والواسعة في العراق، ومستقلين علمانيين وقوميين عرب، منهم بقايا البعث، وكذالك شيوخ عشائر مستقلين علمانيين، وأحزاب ليبرالية صغيرة ومنظمات مجتمع مدني تعد بالمئات. وكما نعرف أن الولاء في العراق كان قد أعاده النظام المقبور عشائريا، وللعائلة والأسرة، حيث أنه من المتوقع أن يصوت ابن اليساري مثلا للقائمة التي سوف يصوت لها الأب، بالرغم من أن الابن أو الزوجة لا يعرفون شيئا عن الحزب الشيوعي، وهذا الأمر يسري على الولاء للعشيرة مثلا حيث أن النظام السابق قد أعاد الاعتبار للزعامات العشائرية، كما وإن الجنوب شيعي المذهب في العموم الغالب، لكن يغلب فيه الطابع العلماني في المدن وحتى القصبات الصغيرة لوجود نسبة عالية من المتعلمين، والإرث القديم للتيارات العلمانية عبر عقود طويلة، من هنا نستطيع أن نقول أن أكثر من نصف الجنوب الشيعي المذهب، أي بحدود 50% من مجموع أصوات الجنوب يمكن أن يصوتوا لقائمة علمانية، وهكذا سوف تكون النسبة التي يمكن أن تصوت إلى هذه القائمة هو بحدود 30% من مجموع الأصوات العراقية التي سوف تشارك في الانتخابات، وهي القائمة المتهمة بولاية الفقيه، التي أثارت مخاوف كثيرة شملت أحزاب وشخصيات كبيرة في الدولة وأخرى عربية وحتى عالمية.

هذه القائمة يشارك بها الدكتور أحمد الجلبي والدكتور حسين الشهرستاني وكلاهما علماني وإن كان الثاني متدين جدا، ولكن بالتأكيد ليس من مؤيدي ولاية الفقيه، ويقف من ورائهم عدد قد يزيد على ثلث القائمة من العلمانيين المستقلين ونسبة معقولة من رجال دين ينتمون إلى فكر المرجعية الدينية في النجف وهي مرجعية لا تؤيد قيام حكومة إسلامية في العراق ولا تؤيد مبدأ ولاية الفقيه. بالرغم من أنهم يقولون إن نسبة 60% للعلمانيين و 40% للمتدينين، لكننا سوف نعكس هذه النسبة، ونقول إن العناصر العلمانية تشكل ما نسبته 40% من القائمة المتهمة والتي أثارت مخاوف الطائفيين والمتطيرين. أيضا بالرغم من هيمنة التيار الديني الذي يؤمن بولاية الفقيه فيها إلا أن الحزبين الرئيسيين من هذا التيار هي من الأحزاب المعتدلة، وحتى أن بعضها يتهم بقربه للعلمانيين أكثر من قربه للمتشددين، كحزب الدعوة الذي يرفع شعارات وينظر إلى إقامة نظام ديمقراطي تعددي ويتبنى طروحات جديدة ومتجددة عن الديمقراطية بمفهوم إسلامي متطور غير تلك الطروحات المتخلفة للكثير من الأحزاب الدينية الأخرى.

هكذا نستطيع أن نقول إن ما نسبته 18% إلى 20% من العناصر التي سوف تصعد للبرلمان من هذه القائمة وهي تؤمن بشكل أو بآخر بمبدأ ولاية الفقيه، هذه العناصر فيها الكثير من رجال الدين المسيسين المعتدلين والذين يؤمنون بالتهدئة ويتهيبون من التسرع بفرض آرائهم على الآخرين، وهم معظم أعضاء حزب الدعوة بشقيه وعدد لا بأس به من رجال المجلس الأعلى وبعض رجال الدين من غير المحسوبين على التيار الصدري. هناك من ناحية أخرى، تيار دعاة ولاية الفقيه المتشددين والحقيقيين، وهي تيارات تظهر غير ما تضمر بداخلها، حيث أن المرجعيات دينية لها وقفت إلى جانب الانتخابات وأيدت تصدي مرجعية السيد السيستاني لهذا الموضوع الحساس، ومنها أتباع السيد محمد تقي المدرسي وأتباع السيد صادق الشيرازي، ربما تكون هذه العناصر قد تسللت إلى القوائم الانتخابية من خلال كيانات سياسية أخرى وفي قوائم منفصلة، حيث أن هناك أكثر من سبعين قائمة تقدمت لحد الآن للمفوضية العليا للانتخابات، ولا أحد يعرف بالضبط تركيبة هذه القوائم، وهذا ما سوف يرفع العدد ما نسبته 2 إلى 3% من مجموع رجال الدين المسيسين، أي إن النسبة قد تصل على 23% ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصل إلى الربع من مقاعد البرلمان.

هذه النسبة القليلة سوف تشكل كتلة واضحة المعالم في البرلمان الجديد، سوف تقابل عناصر واسعة وكتل سياسية تختلف معها بشدة في مواضيع أساسية وثوابت تتعلق بالدستور، حيث المهمة الأساسية لهذا البرلمان هي كتابة الدستور، فهم سوف يواجهون السنة من مختلف القوميات والكورد والتركمان وكلدوآشوريين وغيرهم كثير من القوميات التي تهتم بالشأن القومي وليس الديني، وهناك تيار يساري واسع وآخر قومي عربي مع تيار ليبرالي مستقل، جميعها سوف تكون بمواجهة هذا التيار الذي يثير المخاوف.

كما ونجد مجموعة متخوفة من رشوة الناخبين، وقد قيل إن مئة دولار ثمن الصوت الواحد، وأعتقد إنها مجرد توقعات ليست دقيقة، ولكن مهما كانت صحة هذه التوقعات أو المشاهدات، فإنها سوف لن تؤثر كثيرا على نتائج الانتخابات، حيث يجب أن تحصل القائمة على عدد من الأصوات قد يصل إلى 30 ألف صوت لكي يصل شخص واحد منها للبرلمان، وهذا يعني إن لكل نائب في البرلمان يجب دفع ما يعادل ثلاثة ملايين دولار، أي ما قيمته عشرة ملايين دولار لكي تتغير النسبة لصالحهم بنقطة واحدة، أي وصول حوالي ثلاثة مرشحين لكي يشكلوا ما نسبته 1% وهذه مبالغ كبيرة، بالنسبة للعراق، وكذلك يصعب لوجستيا توزيعها على الناخبين وضمان عملية البيع مقابل الصوت، ولم نسمع بمثل هذا العمل الجبار لحد الآن، ولو حدث فعلا، فأنا أتوقع إن الجميع سوف يعرفون به، لأن العدد الذي يجب أن ينخرط بهذه المهمة سيكون كبير جدا ولا يمكن ضمان سرية العملية بأي حال من الأحوال.

في النهاية، نجد أن ما نسبته 20 إلى 23% من أعضاء البرلمان هم من الذين يمثلون كتلة ولاية الفقيه، وهذه لا تستطيع أن تفرض إرادتها على 80% إلى 77% مهما كانت قوية بحججها وتماسكها وتمسكها بالمبدأ الذي يثير غضب وخوف الكثير.

أما لو أخذت بنظر الاعتبار أن حجم الشيعة قد يصل إلى 65% من سكان العراق وليس 60% كما أسلفنا، فإن هذا ما سيجعل حجم هذه الكتلة قد يصل إلى 25% أي ربع المقاعد في البرلمان العراقي الجديد، وهذا أيضا لن يغير من النتيجة التي توصلنا إليها.

أتمنى من المتنافسين العراقيين أن يتبعوا معايير متطورة بالتنافس وليس التشهير بالأطراف الأخرى، بل التركيز على برامجها ووعودها هي إلى الناخب العراقي، فهو اختبار حقيقي وسوف يعكس مستوى تطور القوى السياسية العراقية ومدى قدرتها على المنافسة الحرة والشريفة.
[email protected]