ثمّة حالة عربية وشرق أوسطية ساطعة تبلورت بعد حرب تحرير العراق تقول بضرورة تكنيس الذهنية العنصرية الإقصائية ( المستندة على أكوام من الشعارات الطنانة ) من المنطقة وفتح أبواب ونوافذ الحرية لشعوبها المنكوبة لتتنفس هواء الحرية بعد حقب الظلام...
كان نظام المجرمين الذي حكم بغداد منذ مجيئه بثورة إنقلابية ل"توحيد أقطار العروبة" و"تحرير فلسطين" ، وهوما لم يحدث طبعاً ، قد أعملّ التخريب والنهب في العراق إنساناً وبلداً وجعلّ من بلاد الرافدين قاعاً صفصافاً تذروها الرياح بعد إفتعاله الكوارث الرهيبة ضد أبناء العراق وضد الشعوب الجارة...
نهاية نظام صدام حسين على يد القوات المتحالفة التي أنقذت أرواح العديد من العراقيين من بطش مقابره الجماعية وزنازين وفرامات اللحم التي كان يستخدمها ( رغم حالة الفوضى والإرهاب التي تجتاح العراق الآن ، ببركة أنظمة التسلط الجارة...) أشاع ّ جواً من الفرح بإحتمال بزوغ شمس الحرية والديمقراطية على ممالك الشعارات والقمع والتخوين بالجملة ، القابعة في الجهة الشرقية من بحر الظلمات...
1

الرئيس العراقي الجديد الشيخ غازي بن عجيل الياور وأثناء زيارته كردستان العراق ردّ على أسئلة بعض الصحافيين حول كركوك والفيدرالية الكردية والتهديدات الإستعمارية التركية بالتدخل وإحتلال كردستان العراق " لا نقبل باستهداف أي جزء من الشعب العراقي وسندافع عن جميع العراقيين في حال تعرضوا للمخاطر" ، هذا ناهيك عن تأكيدات الياور بضرورة إعادة جميع المٌرحلين الكرد إلى مناطقهم في كركوك ونواحيها وإصراره على" تطبيق مواد الدستور العراقي حرفاً حرفاً" ، وأخيراً دعوته العراقيين إلى " زيارة أهلهم في كردستان ورؤية مدي الطمأنينة ومدي الراحة ومدي العمل برغم الامكانيات القليلة المتوفرة لهم " مؤكداًّ أن " الحكومة المركزية في بغداد ستدعم هذه التجربة في كردستان بكل ما نستطيع ان نقوم به".

وبعد ، فأي كردي يستطيع القول ، والحال هذه ، إن الشيخ غازي لايٌمثله ، وبالتالي لايٌعبرعن همومه كمواطن ، أو إنه فقط رئيس للعرب وليس للكرد ؟.
الحس العالي المسؤول للشيخ عجيل الياور كرئيس لعموم الشعب العراقي بكرد وعربه يجعله يتوقف أمام مشاكل شعبه الكردي باحثاً عن حلول مٌرضية لهذه المشاكل بعد أن دمرت الإيديولوجية العروبية (التي مثلها صدام بتواطئ ساقط من المرتزقة والمصفقين العرب) أرضه و قتل مئات الآلاف من أبناءه.
إن العهد العراقي الجديد ، الذي يدخل في صياغته كل الكلمات العراقية الملونة : من عربية وكردية وبقية الموزاييك بدأ في بث نفحة جديدة من مبادئ قبول الآخر المظلوم والإعتراف بحقوقه. لقد خلقت عملية تحرير العراق حالة عربية جديدة باتت تهدد جميع قلاع الظلم والإستبداد في كل مكان ، وبشكل خاص في الجوار...
2

رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري والذي يقود ورشة تحديث الإقتصاد اليوم في سورية ( بعد أن أتمت ورشة الإصلاح السياسي ، ماشاء الله ،عملها بالتمام والكمال...) وفي لقاء مع قناة الجزيرة القطرية أجاب رداً على سؤال المذيع حول الشعب الكردي وأحداث القامشلي والقرار السلطوي بمنع نشاط الأحزاب الكردية مٌكرراً نفس الإسطوانة المشروخة " الأحزاب الكردية لم تكن مرخصة، أي حزب يجب أن يخضع إلى ترخيص حسب القانون وحسب الأصول المرعية وفي كل العالم موجود هذه المنهجية اللي موجودة ،هذه واحدة النقطة الثانية ما أود أن أشير إليه هو أن الأخوة الأكراد هم جزء من نسيج المجتمع السوري ولم يكن هناك إشكال إطلاقا قبل الأحداث الأخيرة المؤسفة التي حدثت نتيجة مباراة كرة قدم في الحسكة لم يكن هناك أي تصور بأن هذه الأحداث ممكن أن تأخذ هذا البعد الذي حدثت فيه، كان هناك إعادة ودراسة لوضع المسجلين اللي هم موجودين فيما يتعلق بإحصاء 1961 وكانت قيد الصدور ولكن بعد ما انفجرت الأحداث اللي موجودة وثبت أن هناك بعض المحاولات لبعض الأحزاب الغير مرخصة والمخالفة للقانون لاستغلال هذه الأحداث لمصالحها الشخصية إضافة إلى وجود عمليات تسلل كانت من دولة مجاورة باتجاه سوريا لدفع هذه العملية اللي هي كانت عفوية تمت نتيجة مباراة كرة القدم التي جرت في القامشلي أدت إلى هذه الأحداث الموجودة ، أود أن أشير إلى نقطة أن نتائج هذه الأحداث اليوم أخوتنا الأكراد هم الآن يعيدون وبرغبتهم الطوعية بناء وترميم جميع ما دمر خلال الأحداث الأخيرة وهذا يؤكد أن مجتمعنا مجتمع متماسك والأخوة الأكراد هم جزء من نسيج المجتمع السوري وقد أعادوا العديد من المنشآت العامة إلى الاستخدام لشكل طوعي وضمن عمل تعاوني فيما يتعلق في هذا ".

طبعاً ليس ثمّة من قانون يٌنظم عمل ونشاط الأحزاب السياسية في سورية ، العربية منها والكردية ، أي إنه لا يوجد قانون في الأصل حتى " يخضع الحزب إلى ترخيص حسب القانون وحسب الأصول المرعية" كما قال السيد العطري.
والأحزاب كلها غير مرخصة بمافيها حزب البعث الحاكم نفسه " القائد للدولة والمجتمع" كما هو مدون في الفقرة الثامنة من الدستور السوري.
أما تفسيره البوليسي لأحداث القامشلي " بعد ما انفجرت الأحداث اللي موجودة وثبت أن هناك بعض المحاولات لبعض الأحزاب الغير مرخصة والمخالفة للقانون لاستغلال هذه الأحداث لمصالحها الشخصية إضافة إلى وجود عمليات تسلل كانت من دولة مجاورة باتجاه سوريا لدفع هذه العملية اللي هي كانت عفوية تمت نتيجة مباراة كرة القدم التي جرت في القامشلي أدت إلى هذه الأحداث الموجودة " وهو تفسير يٌضادد تماماً ماصرح به رئيس الجمهورية لقناة الجزيرة حينما قال " إن التحقيقات أثبتت عدم وجود أيادي خارجية وراء أحداث القامشلي" وإن" القومية الكردية جزء رئيسي من النسيج الإجتماعي والتاريخي السوري ".
أما كلام السيد عطري في أن الأكراد يٌعيدون بناء ماتم تدمره في تلك الحوادث وبشكل طوعي، فالواقع يقول عكس ذلك ، إذ أن الأجهزة الأمنية تفرض أتاوات مٌلزمة على كل بيت كردي لإنتزاع هذه "التبرعات" وتوزيعها على لجان البناء وإعادة الإعمار ( حيث المناخ الرائع للرفاق البعثيين لسلب ونهب الغلة كلها )...
أن التعامل الأمني والمؤامراتي مع جزء رئيسي من الشعب السوري هو الشعب الكردي وفي منهجية خاطئة هي نفسها المنهجية التي يواظب عليها حزب البعث ( الجناح السوري ) منذ سطوه على الحكم عام 1963 لا يدخل في مصلحة الشعب السوري ككل ووحدته الوطنية ، فالأساس الصحيح هو الإعتراف بحقوق الشعب الكردي على أسس وطنية وديمقراطية عادلة.
شتان مابين مواقف المسؤولين ، العراقي والسوري فيما يخص الشعب الكردي ( الذي غدرّ به القدر وقسمت الإتفاقيات الإستعمارية بلاده بين أربع دول ) ، فالتجربة العراقية مع النظام الديكتاتوري السابق أوجبت تعاملية جديدة مع قضية الشعب الكردي ، وبات الشعب الكردي كذلك مٌشاركاً في صنع القرار المركزي إسوة بالشعب العربي.
أما السلطة السورية فهي بعيدة كل البعد عمايجري في المنطقة ، مٌنهمكة في صياغة الإتفاقيات ( هل نقول التنازلات؟) مع الدولة التركية الإستعمارية ودولة الملالي الشمولية في إيران لعزل الشعب الكردي وخنق تجربته في كردستان الجنوبية ( كردستان العراق ) ومنع تمدد السيناريو الديمقراطي إلى أكراد"ها". ضاربة بعرض الحائط شعور مواطنيها الكرد وتضحياتهم في تحرير وبناء وطنهم سورية ، الكرد الذين وصفهم السيد عطري ب"إخوتنا الأكراد" حينما أشارّ إلى "تبرعاتهم الطوعية" لبناء مادمرته العشائر والمليشيات البعثية في المدن الكردية...

حقاً إننا بين زمنين فاصلين...


صحافي كردي مقيم في المانيا
[email protected]