قلت للشوفير اللبناني " سائق التاكسي ": عدوكم الأول هو الطائفية وما عداها من الأعداء ليسوا إلا أعداء أنتم قادرون على هزيمتهم. لأن أعداءكم لم يحاربوكم إلا بسلاح عدوكم الأول والأخطر " الطائفية "!
قال لي الشوفير: لقد تعلم اللبنانيون الدرس ولن ينخدعوا مرة أخرى ولن يلدغوا من الجحر مرتين.
قلت له: قد يتغير مكان الجحر ولا يتغير صاحبه، وقد يتغير " اللادغ " ولا يتغير " الملدوغ "، أو قد يغير اللادغ جلده ويمارس نفس اللدغ ونفث السموم، دون أن تتحصنوا بما يجعلكم قادرين على مقاومة السموم القاتلة.
قال لي: وكيف نقي أنفسنا من السموم القاتلة؟!
قلت له: بالتمسك بحب وطنكم الجميل الذي أعطاكم كل هذا الحب والجمال. وأول مباديء التمسك بحب الوطن أن يتخل كل واحد منكم عن تحيزه الطائفي.
ليس خطرا أن يتكون مجتمعكم من عدة أطياف دينية ومذهبية وأيدلوجية، بل أنها ظاهرة صحية إن كنتم على مستوى الوعي بأهمية الاختلاف في الأفكار والرؤى وتوظيفها لبناء وطن ينعم فيه الجميع بحق الاختلاف والحرية.
فأمريكا لم تصبح أقوى قوة في التاريخ إلا بفضل تنوعها الديني والعرقي على أسس قانونية عظيمة تحترم حق الإنسان في الاختلاف وفي ممارسة حقوقه وواجباته دون أن تتميز فئة على فئة أخرى، أو تتفوق خارج ما تستحقه تلك الفئة حسب ما تقدمه من عطاء أو إبداع وداخل ما يكفله لها النظام والقانون.
لكن التنوع الديني والعرقي يصبح ذا فوائد عظيمة لأي شعب عندما يحميه دستور قوي يضع الجميع تحت القانون ولا يسمح لأية فئة أن تملك الحق كي تجعل من ذلك القانون مطية تركبه كيفما تريد على حساب الفئات الأخرى. لأنه هنا يتحول الحق إلى باطل والباطل إلى حق ويصبح التنوع كارثة خطيرة تهدد وحدة المجتمع وتقسم الوطن إلى عدة أوطان بحيث يصبح لكل فئة وطنها الخاص بها التي تمنحه الولاء والانتماء على حساب الوطن الأم.
حينها ينتفض الأعداء الحقيقيون للوطن ليلعبوا على وتر الانتمآت المتعددة داخل الوطن الواحد، ليمارسوا على أرضه أسوأ أنواع الحروب القذرة.
قال لي الشوفير: لكننا نتمتع بديموقراطية لا يتمتع بها أي شعب عربي.
قلت له: ذلك صحيح... لأنه لايوجد ديموقراطية أصلا في أي بلد عربي آخر، مما يجعلكم تتفاخرون بديموقراطيتكم حيث تقارنونها بديموقراطيات العرب الآخرين، كالذي يقارن الشيء بلا شيء.
لكنني أعترف لك حسب وجهة نظري أنكم الشعب العربي الأقرب لتطبيق النظام الديموقراطي الصحيح وأنكم تتمتعون بنوع من الديموقراطية الذي لولاه لما عادت الحياة إلى أجواءكم بهذه السرعة ولا تلاشت أحقاد الماضي.لكن ديموقراطيتكم ناقصة، مادام أن نظامها يعتمد على تقسيم طائفي، وأعتقد أنكم لو تخليتم عن هذا التقسيم الطائفي وطبقتم نظام الانتخاب الحر للناخب كي يختار من يريد لرئاسة الحكومة دون تمييز طائفي لحققتم إنجازا هائلا ينقل بلدكم إلى مصاف الدول المتحضرة ولسددتم الطريق أمام كل من يريد أن يجعل من الطائفية فخا لكم يضعكم فيه كلما أردتم أن تبنوا لبلدكم استقرارا وأمنا. أو كلما أراد من لا يريد لكم الخير أن يساوم الآخرين بكم.
قال لي الشوفير: لكنهم يقولون أن الديموقراطية كانت السبب وراء الاقتتال اللبناني.
قلت له: أبدا... بل الطائفية كانت السبب الرئيسي. وكانت الديموقراطية أهم أسباب عودة لبنان إلى شبه وضعه الطبيعي، ولو كنتم تتمتعون بديموقراطية حقيقية وراسخة لما استطاع الآخرون أن يثيروا قتالا بينكم.
كل بلد محكوم بطائفية: مصيره الاقتتال والتمزق، وكل حكم يعتمد على الطائفية في حكمه، مصيره الانهيار والزوال، ولولا أنكم كنتم تتمتعون ببعض الديموقراطية لأصبح لبنانكم في عداد البلدان المنقرضة.
سالم اليامي [email protected]
التعليقات