لا نزال نحن الآشوريين في كل مناقشاتنا وكتاباتنا نولي الاهتمام كله للوضع الاشوري الداخلي، اقصد إن اغلب هذه المناقشات محصور في حل إشكالية تعدد التسميات وتعدد الطوائف والأحزاب والمؤسسات.

لا أنكر أهمية ذلك، حيث إن وحدة الشعب وإزالة كل المعوقات التي تجابه هذه الوحدة مطلب قومي، من واجبنا العمل الجاد لتحقيقه، ولكن هذا الامر يكاد يجعلنا لا نلاحظ ما يحدث حولنا، حتى ليعتقد المرء بان اشغال شعبنا بالمشاكل الداخلية أمر مقصود ومخطط، وما يحدث حولنا له التأثير الكبير في مسارنا القومي بما لا يترك المجال لناكر لينكره. فدراسة التطورات الجارية في منطقتنا، ومعرفة إلي أين تتجه الأمور، ودراسة علاقتنا بجيراننا من العرب والأكراد ماضيا وحاضرا ووضع تصور لها مستقبلا يساعد في توضيح الرؤية أمام أبناء شعبنا، لا بل سيفتح أبواب الأمل للعمل القومي عندما تتوضح صورة المستقبل اكثر وتزول من الصورة المستقبلية الغموض الحالي.

نحاول من خلال هذه المقالة دراسة ظاهرة أخذت خلال السنوات الأخيرة تتوسع، لا بل لها من يدعمها، واقصد بها ظاهرة الإسلام السياسي. فهذه الظاهرة وان كانت قد بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي من خلال الأخوان المسلمين، هذه الجماعة التي أسسها (حسن البنا) فان تأثيرها كان محدودا ومحصورا، ولكن منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، نلاحظ اتساع نطاقها حيث تأسست تنظيمات وأحزاب هدفها إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، مدعومة من قبل دول وقاعدة في حالة اتساع، تمارس الحكم في بعض البلدان وتشارك فيه في بلدان أخرى أو تعمل كأحزاب معارضة علنية أو تعمل لتقويض الحكم في بلدان أخرى، رافعة شعار ((الإسلام هو الحل))، والهدف أسلمة الحياة، فالحكومة يجب أن تكون إسلامية والقوانين والعلوم والأرض والحقوق كلها يجب أن تكون إسلامية، وأين؟.. في بلادنا، التي هي جزء مما يسمى بالبلدان الإسلامية، وماذا سيكون مصيرنا نحن الآشوريون، كون غالبيتنا مسيحيين؟ وما سيكون مصير اليزيدية أو الصابئة المندائيون أو غير المؤمنين بالإسلام دينا لو طبقت الشريعة الإسلامية؟

لا أود استباق الأمور وإعطاء إجابة قاطعة، ولكن لنلاحظ ما يقوله الإسلام عن غير معتنقيه من أهل الكتاب (المسيحيون واليهود) ومن غير أهل الكتاب. كما يجب أن ندرك بأن ما سوف يطبق أحكام إلهية غير خاضعة للمناقشة ناهيك عن المعارضة، بحسب اعتقاد المسلمين، والمعارض كافر وعقوبته القتل ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخرة ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ). ولتأكيد وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وان الإسلام دين ودولة، أي إن الشريعة واجبة التطبيق (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخرة ذلك خير واحسن تأويلا).

لقد درسنا كلنا في الكتب المدرسية عن سماحة الإسلام والمسلمون تجاه أهل الذمة، وقرأ الكثيرون منكم الآية (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون) سورة المائدة 82.

إن من حق المسلمين ممارسة إيمانهم بالصورة التي يروها مناسبة لهم، ونحن نحترم هذا الحق، ولكن المرفوض هو فرض القيم ومفاهيم الدين الإسلامي على غير المسلمين على إنها قوانين إلهية واجبة التنفيذ وغير قابلة للنقاش. والفرض حصل في التاريخ من خلال قوة السلاح (الجهاد) أو بإلغاء تكافؤ الفرص الاقتصادية من خلال فرض ضرائب على الذميين (الجزية) أو بقوة القوانين (تطبيق الشريعة الإسلامية)، التي تفرق ما بين معتنقي الإسلام وغير معتنقيه، لا بل تدعو صراحة إلى قتل المشركين.

أهل الذمة...

ما المقصود بأهل الذمة التي ترد في كتب الفقهاء والمشرعين الإسلاميين..

يقصد بهذا المصطلح اليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين من أبناء البلدان الواقعة تحت الاحتلال الإسلامي، وحسب هذا التعبير هم (أي اليهود والمسيحيين والصابئة) ذمة بيد المسلمين من الله، وإذا كان مانح الذمة شخص معنوي وغير مرئي ولا يظهر قوته في حماية ذمته أو المطالبة بها في هذه الحياة، فان بإمكانك التصرف بالذمة بالطريقة التي ترتئيها، وخصوصا إذا تم تأييد التصرف بآيات من القران الكريم، فالقران في موقفه من أهل الذمة (أهل الكتاب) يتأرجح ما بين القبول التام، والعداء الشديد، حسب التاريخ الزمني لنزول الآية القرآنية، وقوة الإسلام العسكرية والاقتصادية، فنلاحظ التركيز في الآيات التي نزلت في مكة التودد لأهل الكتاب، أما الآيات التي نزلت في المدينة فتبدأ التشكيك في اليهود أولا بعد السيطرة على يثرب (المدينة)، وكلما استقوى مركز الإسلام السياسي اشتد الهجوم وشيئا فشيئا شمل المسيحيين.

(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئة والنصارى من آمن بالله واليوم الآخرة وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، الذي يقرأ هذه الآية يأخذه العجب من المساواة، ولكن هذا شئ والآيات التي تليها زمنيا شئ آخر.

قبل أن نذكر الآيات التي تناقض ما سبق أود الإشارة إلى حالة أخرى وهي الناسخ والمنسوخ، ويقصد بها في الفكر الإسلامي، إن وجد تناقض بين أية آيتين، فان الآية اللاحقة زمنيا تلغي ما سبقها، وإذا علمنا بان اغلب الآيات التي تدين المسيحية وتقارنها بالشرك نزلت متأخرة، أدركنا مدى إمكانية سهولة الانتقال ما بين المواقف المتسامحة وبين التي تطالب بالإبادة التامة، حسب الظروف السياسية للمسلمين، ويمكن بسهولة تبرير الاضطهاد استنادا على الآيات التالية:

(وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبلهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) التوبة 30

(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا إلا هو سبحانه عما يشركون) التوبة 31

(والمسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة، كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤكفون. قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضررا ولا نفعا والله هو السميع المجيب) المائدة 74 و75

وهذه الآيات توقع المسيحيين في الشرك، انظر ما يقوله القران الكريم في المشركين:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وأحضروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإذا تابوا وآتوا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) التوبة 5

وهكذا فالخلاص يكون باعتناق الإسلام، وإلا فالقتل.

استقبل أبناء شعبنا الاحتلال الإسلامي بالترحيب في البداية، ظنا منهم بأنهم سيتخلصون من الاضطهاد الروماني والساساني، إلا إن الأحداث كذبت توقعاتهم، فقد جاءهم مضطهد آخر لا يختلف عما سبقه إن لم يفقه، ففي البداية عقدت مواثيق ما بين السلطات الجديدة ورؤساءنا الدينين تضمن حقوق المسيحيين ولعل خير مثال كان عهد نجران الذي قدمه النبي محمد لمسيحيي اليمن، ولكن باستلام عمر بن الخطاب (الفاروق)، تغيرت الحال تدريجيا، فبدأت الضغوط في البداية على المسيحيين في الجزيرة ( شبه الجزيرة العربية) للخروج من المنطقة أو اعتناق الإسلام، أعقبها في مناطق أخرى بعد حين قوانين تحد من حرية بناء الكناس أو تجديد القديمة منها. ولعل ما نجده في قانون عمر المنسوب إلى عمر بن الخطاب، وان كنا نعتقد بان بدايته كانت في زمن عمر بن عبد العزيز ووصل إلى صياغته النهائية في زمن المتوكل الخليفة العباسي، وينص هذا القانون على: منع بناء الكنائس الجديدة حتى في حالة التدمير أو القدم، ومنع عرض الصلبان في الطرق التي يرتادها المسلمون، ومنع الاحتفاظ بالأسلحة في المنازل وعلى المسيحيين عدم معارضة دخول المسلم إلى الكنيسة، وعليهم أن يخلوا الصدارة للمسلمين، والوقوف باحترام أمام المسلمين، ومنع عليهم ركوب الخيل وان يتمنطقوا بأحزمة متميزة وان يكون لون ملابسهم ازرق أو رمادي، وعليهم تقديم المساعدة للجيوش الإسلامية كادلاء، وان يقوموا ببناء الجسور للجيوش الإسلامية على نفقتهم الخاصة، وعليهم أن يستضيفوا المسلمين لمدة ثلاثة أيام، وعليهم أن لا يقبلوا ارتداد المسلم عن دينه، وعليهم أن لا يمنعوا لا بل أن يحترموا اعتناق أحدهم الإسلام، ويحرم على الذمي (المسيحي أو اليهودي) الزواج من مسلمة ويعاقب بقسوة، القتل، في حالة عدم اعتناقه الإسلام، ويسمح للمسلم الزواج من الذمية شرط إسلام الأولاد، ويحرم عليهم الشهادة في المحاكم، هذا عدا عن وجوب دفعهم الجزية (ضريبة خاصة بأهل الذمة) والخراج. (ما زال العديد من هذه القوانين نافذا في الدول الاسلامية)..

أمام هذا التمايز القانوني والاقتصادي المهين، ضعفت قدرة المقاومة عند أهل الذمة عموما والمسيحيين خصوصا بمرور الزمن. وإذا علمنا بان اغلبهم (المسيحيين) كان يمتهن الزراعة، لأدركنا صعوبة وثقل الضرائب المتوجب عليهم دفعها، كما وفي الغالب كانوا معرضين لهجمات جيرانهم المسلمين دون أن يجدوا من السلطات الحماية، وكان الخلاص باعتناق الإسلام. وهذه العملية (أي اعتناق الإسلام) كانت فردية في الغالب، أو بشكل قرى منعزلة عن المحيط المسيحي، واستمرت إلى بداية القرن العشرين. ولذا فان اعتناق الإسلام بهذه الصورة كان يصاحبه ترك التحدث باللغة السابقة والتماهي مع الإسلام سواء باتخاذ العربية أو الكردية لغة للحديث اليومي.

يقول مؤلفا (سياسة واقليات في الشرق الأدنى) لورانت واني شابري(ولعل اشد الممارسات الإسلامية، المعادية لأهل الذمة كانت تصدر عن من كان يعتنق الإسلام حديثا، من الأقوام الغير العربية، فممارسة الاضطهاد كان يمثل بالنسبة لهم في آن واحد، ممارسة للسلطة المرتبطة بالنظام الجديد الذي قلدهم إياها إيمانهم الجديد، وتعميق المسافة التي باتت تفصل هؤلاء المهتدين الجدد عن ماض كانوا يرغبون بنبذه).

هذا هو الماضي. ماذا عنالمستقبل فيما لو نجح الإسلاميون في الوصول إلى الحكم؟

اعتقد إن الإطلاع على رأي بعض المفكرين والقيادات الإسلامية ومنتقديهم، يعطينا الفكرة الواضحة عن المستقبل الذي ينتظرنا في ظل مثل هذا الحكم. وهذه هي أحد غايات هذه المقالة، كشف المستقبل، لحث قيادات شعبنا لوضع تصور مستقبلي خاص بنا نعمل جميعا لوضع آلية لتحقيقه.

يقول رضوان السيد: (شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انقساما ما بين رجالات الفكر الإسلامي على صورة تيارين: تيار الخلافة الإسلامية القوية التي تطبق الشريعة، وتحضي بسلطات غير محدودة باعتبارها سلطة الله على الأرض. وتيار الشوروية الإسلامية، التي تريد الوصول إلى مشاركة سياسية، عن طريق القول بوجوب الشورى). الحياة العدد 11372.

إذن كلا التيارين لا يختلف في مسالة وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، التي هي أمر إلهي، ومن لم يحكم بها يوصم بالكفر (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون)، ولكن الاختلاف قد يكون في صيغة الحكم، خلافة أم وجوب الشورى، والذي يجب أن يستشار في اغلب طروحات الإسلاميين هو العالم المؤمن المتمكن من دينه.

تذكر منظمة حماس في أدبياتها حول الأرض ( إن ارض فلسطين، ارض أوقاف، والشريعة تنص على إن أية ارض حصل عليها المسلمون بالقوة، تصبح وقفا إسلاميا ومن الحرام التنازل عنها، او عن أي جزء منها، فهذه الأوقاف تركة إسلامية أبدية).جريدة الحياة العدد 11003.. وهذا ينطبق ايضا على اراضينا!! هذا وبالرغم من خصوصية خطاب حماس، الذي قد يكون موجها ضد مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، إلا انه من الثابت انتشار مثل هذا الخطاب، فالأرض الاسلامية، والبلدان الاسلامية مصطلحان شائعان في الفكر الإسلامي القديم والحديث. ومن يطالب بحقوقه فيها من غير المسلمين يعتبر عدوا للمسلمين، ولا ننسى هنا أن نشير بان الأرض مقسمة في الفكر الإسلامي ما بين دار الاسلام (أي الأرض الخاضعة للحكم الإسلامي) ودار الحرب (التي تخضع لحكم غير المسلمين)، والتي يجوز إعلان الحرب عليها.

يقول الشيخ الغزالي، المعتبر معتدلا، في شهادته في قضية مقتل الكاتب العلماني المصري فرج فودة (الذي اغتاله الإسلاميون بحجة الكفر والردة)، إن حكم الله لا يلغيه أحد، ولو نفذه أحد الناس فانه يكون مفتئيا على السلطة. وعندما سئل عن عقوبة المفتئي في الشريعة الإسلامية، قال لا اذكر إن لها عقوبة. وبصريح العبارة انه يمكنك أن تقتل أي شخص بحجة تطبيق حكم الله، وان تتخلص من العقوبة. وعقوبة المرتد في الإسلام هي القتل، استنادا إلى قول النبي محمد (ومن بدل دينه فاقتلوه). والمرتد هو كل من كان قد اعتنق الإسلام دينا، أو ولد لأبوين مسلمين، (سلمان رشدي مثلا) أو كان أبوه مسلما، واعتنق دينا آخر، أو شكك في تعاليم الإسلام.

إن كل إنسان يدعي الإسلام والتدين به سيجد في آيات القران ما يؤيد مسلكه، ( قال الامام علي عليه السلام ان القرأن حمال اوجه) ويعتبر ما يقوله هو الدين نفسه. يقول عمر عبد الرحمن إمام الجماعة الإسلامية في مصر (إذا ثبت إن هناك من لم يحترم نظام الإسلام فلا عهد له عندنا، وعندما نجد في المينا (مدينة مصرية) 55 فتاة غرر بهن من قبل الأقباط وانتهكت أعراضهن في حادثة معروفة، وكشف الإسلاميون مثل هذا، فيجب حينئذ أن يردوا ويحاسبوا المتجاوز) الحياة العدد 10993. وهكذا فالمعتدل والأصولي يتفقان بأن من حق المسلم العادي ممارسة دور العدالة، بدون انتظار نتائج التحقيق -هذا إذا كان من حق أحد في أن يحقق في ممارسة أي شخص لحياته الشخصية، أو في اعتناق فكر معين. وكما رأينا فمن حق المسلمين قتل الأقباط أو الليبراليين، لان أحدهم اقنع فتاة مسلمة بالظهور في أفلام إباحية (وليس 55 فتاة كما قال الشيخ عبدالرحمن)، أو لان أحدهم دعا إلى فصل الدين عن الدولة، وقضية الدكتور أبو زيد معروفة، حيث قررت محكمة رسمية تفريقه عن زوجته بدون رضاها لانه اعتبر مرتدا، في قضية رفعها شخص غريب عن العائلة.

أما في حالة استباحة اعراض القبطيات فلا سلطة لقانون.

يقول الكاتب الإيراني حسن طاهري خرم ابادي ( إن ولاية الفقيه هي كإمامة الإمام المعصوم، منصب يمنح للفقيه من قبل الله، وبتعبير آخر أمانة إلهية ومسؤولية يتعهدها الفقيه بأمر من الباري تعالى، وليس لرأي الناس أو انتخابهم أي دور في إثباتها مطلقا. والخلاصة هي إن تأييد الرأي العام ليس شرطا لإثبات الولاية، فإذا جعل الله شخصا ما وليا للأمر فله الولاية حتى وان رفض الشعب قيادته وزعامته).

هذه هي طروحات الإسلام السياس ي، وفي ظل مثل هذه القوانين سيتم حكمنا إذا استلم الإسلاميون الحكم. إن ما سقناه لا يعني إن كل المسلمين من أنصار الحكم الإسلامي، وهناك الكثيرين الذين قدموا حياتهم رخيصة لمعارضتهم مثل هذه الأفكار الرجعية، ولكن الحقائق الموجودة على الأرض، تقول إن نسبة المسلمين من مجموع السكان في العراق 90 % وسورية تقدر بحوالي 85% أما في تركيا وإيران فتبلغ النسبة اكثر من 9 7 %، ورغم أن سكان هذه الدول تتألف من شعوب متعددة (عرب، تركمان، فرس، أكراد، اشوريين،ارمن، بلوش،وغيرها) إلا إن غالبية السكان هم مسلمون دينا. والأحزاب الإسلامية لها مواقع قوية في هذه الشعوب، ونحن الآشوريون أقلية قومية ودينية في المنطقة التي تعيش مخاضا لإيجاد حلول لمشاكلها المزمنة والناتجة عن الحكم الدكتاتوري لحقب طويلة. والخوف اليوم أن يتمخض هذا المخاض عن وليد مشوه لعمليات تجميل لا تصل إلى استئصال أسباب عدم الاستقرار والتي نرى إن من أهمها اضطهاد الاقليات والدكتاتورية السياسية، ونقصد بالتجميل إضفاء صفة أو لمسة الديمقراطية على الحكومات القائمة، أو المجيء بحكومات تدعي الديمقراطية.

قد يقول قائل، لتأتى حكومة تدعي الديمقراطية فأنهابلا شك افضل بكثير مما هو قائم، نعم إنها افضل لأننا ذقنا من حكوماتنا الحالية كل ما يهين كرامة الإنسان، ولكن تصورنا للأمور هو أن أي حل يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار العوامل المؤدية للاستقرار السياسي، وهذا الاستقرار لا يتأتى فقط برفع شعار الديمقراطية ولا حتى لو طبقت بالصيغة المطروحة ( تعددية سياسية وانتخابات حرة).

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، في ظل الواقع الديموغرافي المار الذكر، ما مصيرنا حتى لو طبقت الديمقراطية؟ حتى لو فازت أحزاب علمانية (حزب البعث العربي الاشتراكي حزب علماني بمقاييس البعض، اقر تدريس تفسير القران فرضا على جميع الطلبة بمختلف انتمأتهم الدينية و دون في الدستور العراقي إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وقد أعاد العمل بقانون يوجب على الأبناء اعتناق الإسلام في حالة اعتناق أحد الوالدين الإسلام). فلو فرضنا إن الأحزاب العلمانية والليبرالية استلمت الحكم، ماذا يضمن لنا حقوقنا، إذا لم نكن ممثلين في المجالس التشريعية والتنفيذية؟ ومن يضمن لنا بأنه يمكننا أن نعبر عن انتماءنا (كل الممارسات التي تعبر عن هذا الانتماء)؟ إن المطلوب ليس رفض الديمقراطية، ولكن تطويرها بما يزيل الغبن والخوف لدى الاقليات الأقل عددا. في العراق مثلا يمثل العرب اكثر من 80 % من السكان، هذه النسبة وتشتت القوميات الأخرى يساعد العرب على السيطرة على غالبية أي مجلس تشريعي ينتخب، وبالتالي من حقهم إصدار القوانين التي يرون إنها تحقق مصلحة البلد، حسب رؤياهم، ولكن أين ستكون رؤية الآخرين للوطن؟ أليس أبناء الوطن كلهم شركاء فيه؟ الشراكة تعني تقاسم الأرباح والخسائر بعدالة ما بين الشركاء، هل من ضمانة أن لا يكون نصيبنا غير تحمل الخسائر؟ المطلوب التمتع بضمانات لكي لا تسود قوانين الأكثرية على حساب الأقلية، ولنلاحظ هنا إن الأقلية والأكثرية هنا هم شعوب وقوميات، وليست ضمن شعب أو مذهب ديني واحد لكي تنطبق عليها مفاهيم الديمقراطية السياسية المعمول بها في الدول ذات التجانس القومي أو الديني. وإذا شعرت قومية ما بالغبن، ما الذي سوف يمنعها من المطالبة بإزالة هذا الغبن بكل الطرق المتاحة. على ضؤ ما ذكرناه فأننا لا نتوقع لبلدنا الاستقرار، في ظل الحلول المطروحة، والتي تركز على التعددية السياسية، دون اخذ عامل تعدد القوميات في الحسبان ومطالبتها (القوميات) بالمساواة.

اكتب هذا وأمام نظري العراق كمثال، فالعراق كبلد في مهب الريح، والحلول المطروحة لحل مشاكله المزمنة تعني تقسيمه ما بين الأقوياء، اعني العرب(الشيعة والسنة) والأكراد، كل حسب قوته، فأين حقوق الآشوريين والتركمان والأرمن من الناحية القومية، وإذا ذكرت في أدبيات بعض الأحزاب فأين الضمانات؟ هذا من الناحية القومية، أما دينيا فالعرب والأكراد مسلمون، فهل هناك ضمانات للمسيحيين واليزيدية والصابئة المندائيون والكاكائين، لكي لا يعاملوا كأهل الذمة في حالة سيطرة الإسلاميين على مقاليد السلطة ولو عبر صناديق الاقتراع؟ عندما نطالب بضمانات فأننا لا نريد سماعها شفاهة، وإنما مواد دستورية غير قابلة للتجاوز، ولكي نحفظ للعراق وحدته ولجميع أبنائه المساواة، فإننا نرى، أن يتم صياغة مشروع قابل التنفيذ للعراق المستقبلي ويضمن حقوق الشعوب كافة.