إن الجريمة البشعة النكراء، التي اقترفتها أيادٍ بربرية جبانة غير قادرة عن الإفصاح عن هويتها سوى التستر خلف شعاراتٍ " دينية" قد أوصلت المنطقة بأكملها إلى شفير الهاوية وحالة عدم توفير الأمن والاستقرار وبالتالي إلى هجرة خيرة أبنائنا على حدٍّ سواء. إن قوى الشر مصممة على مجابهة كل وسائل التقدم والازدهار والتطور، وتريد إعادة المنطقة والعالم بأسره إلى شريعة الغاب، حيث الكبير يبلع الصغير، ولا احترام للقيم والمبادىء الإنسانية، ليتسنى لها بعدئذٍ، وقف عجلة التاريخ وإعادتها نحو الخلف (أي العصر الحجري).
فالجريمة النكراء، والتي وقعت في وضح النهار في العراق، بحق إثنين من أبناء شعبنا الآشوري بذريعة التعامل مع الأمريكان، تلك الجريمة، ليست إلا تتمة للحلقات اللاإنسانية واللاأخلاقية التي يمر بها الشعب العراقي عموما وشعبنا الآشوري خصوصا. ولن يوقف هذه الأعمال الإجرامية إلا عامل الوحدة والتكامل بين كافة المواطنين العراقيين والتصدي لها بكل الوسائل، وعدم الإفساح في المجال أمام البعض أن يبقى همزة الوصل بين هؤلاء المجرمين وذوي الرهائن المخطوفين، فبأي حق أو منطق، تجرى الاتصالات من دون تبليغ السلطات الرسمية عن هوية وأماكن هؤلاء المجرمين، وهل هذا تواطؤ أم تستر أم جهل؟!...

إن شعبنا وعلى مر العصور، قد تعرض ولا يزال يتعرض لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد والتنكيل والقتل من أجل إجباره على ترك وطنه ونسيان حضارته والتنازل عن هويته والانصهار في بوتقات بعيدة عنه. المطلوب من ـ مؤسساتنا السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية وحتى على صعيد الأفراد ـ أن تعود بذاكرتها ولو قليلا إلى الوراء، كي تستخلص العبر وتأخذ الدروس لنكون جميعا، قادرين على الدفاع عن أنفسنا بكل عزم وإيمان وقوة وأن لا نكون متسامحين لدرجة أن يدفع أبناء شعبنا ثمن تلك المواقف المترددة والمتذبذبة. فإلى متى سيبقى تفكيرنا محدوداً لا يتعدى أكثر من ردود الأفعال، وأن ننتظر الأفعال دائما لكي نفكر بالردود، وكم تأتي مقتأخرة ومقتصرة على البيانات والتصاريح المستنكرة والشاجبة لكل ما جرى ويجري لأمتنا، وهل هكذا تصان الحقوق وتحفظ الكرامات ويستتب الأمن والاستقرار؟.

إن شعبنا اليوم بأمس الحاجة إلى الإلتفاف والوحدة حول قيادة جماعية موحدة تكون عامل الوحدة وليس التفرقة وتكون قادرة على الدفاع عن حقوق شعبنا السياسية وبالتالي قادرة على الدفاع عن أبنائنا وأهلنا بشتى الميادين وبكافة الوسائل، فإذا ما بقيت بعض الجهات تدعي تمثيل شعبنا، سواء كانت تلك الجهات سياسية أم دينية أم مستقلة، غير قادرة على تأمين الأمن والاستقرار اللازمين لأبناء شعبنا، فعليها التنحي وترك المجال لغيرها، وذلك لن يكون انتقاصا من كرامتها، وإنما مواقف تاريخية تسجّل في صفحات التاريخ للأجيال القادمة، إن حماية الحقوق والدفاع عنها لم ولن يكن يوماً بإطلاق البيانات وشجب العمليات فقط، وإنما بتحمل المسؤوليات كاملة وباتخاذ المواقف الجريئة والشجاعة.

إننا نعيش اليوم في عصر أو زمن، تحاول فيه بعض المجموعات الرجعية والمتخلفة ليس بوقف عجلة التاريخ وإنما بإعادتها نحو الخلف، وفي خضم هكذا تطورات وأحداث دامية تطالنا كقومية "أقلية" مختلفة عن محيطنا من حيث الدين والحضارة واللغة والتاريخ..ألخ، يتوجب على كل المخلصين من أبناء شعبنا الآشوري، أن يفتحوا كل القنوات، الرسمية وغير الرسمية، لإجراء الاتصالات بكافة المؤسسات والمنظمات الدولية وبالدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن وبالأصدقاء، من أجل شرح كل ما جرى ويجري بحقنا من انتهاكات وجرائم ومجازر وقتل وتشريد منذ مئات السنين.
أما إذا كان البعض وللأسف لم يستوعب أو يتمكن من قراءة كل الرسائل الدموية التي تصلنا، ابتداءً من تفجير الكنائس وقتل المؤمنين والتعدي على حرمات وممتلكات الآمنين الأبرياء... وصولا إلى الجريمة النكراء التي راح ضحيتها الشابين البريئين: (ريمون فاروق شمعون و فراس موفق هادي بطرس)، فتلك مأساة بحقنا كشعب وقضية، * وبهذه المناسبة، نتقدم بتعازينا القلبية الحارة من ذوي الشهيدين ومن كل أبناء شعبنا في الوطن والمهجر، ونتضرع إلى الله السميع المجيب، أن يسكنهما فسيح جناته والصبر والسلوان لأمتنا الخالدة.

وما يدعو للغرابة حقاً، هو التعتيم الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء، هذا الإعلام الذي كان ولا يزال، يرضى لنفسه أن يكون منحازاً لقوى الشر والظلام والاستبداد بدلا من الخير والديمقراطية والقيم والمبادىء الإنسانية الحرة، هذا الإعلام الذي بات وللأسف، النافذة الوحيدة التي تتمكن من خلالها قوى الإرهاب والقتل والتدمير تتنفس وتتواصل فيما بينها، وإلاّ فما المغزى من كل ذلك، وهل سفك الدم المسيحي في العراق أو غير العراق، حلال وليس جريمة تستحق الشجب والاستنكار من وسائل الإعلام العربية وباقي المؤسسات الإنسانية العربية (!)؟..