بسرعة البرق وخلال عشر دقائق لاأكثر تم تعديل ( مسخ وتشويه ) الدستور اللبناني الذي ( كان ) يعتبر الدستور الشبه ديمقراطي الوحيد في البلد الشبه ديمقراطي الوحيد في هذه الأمة.. أنه البلد الذي كان ينظر اليه جميع العرب وغير العرب على أنه النموذج الحي والواقعي الذي يثبت أن هذه الأمة حية كباقي الأمم وأن شعوبها كباقي شعوب الأرض ترغب بالديمقراطية وتستطيع التعايش في ظل أجوائها الغريبة والبعيدة كل البعد عن ثقافة و تركيبة هذه الشعوب.
ولكن وكما يقول المثل المصري ( الحلو ما يكملش ) خصوصاً أذا كان في ظل محيط ( مُرّ كالعلقم ) فلبنان هذا البلد الجميل بطبيعته والساحر بأجوائه واللطيف بشعبه لم يدمّر اليوم بفعل هذا التعديل الوزاري المهزلة بل أن مؤامرة تدميره قد بدأت يوم أنطلقت حربه الأهلية في منتصف السبعينات بفعل أخوانه و أصدقائه من دول الجوار وغيرها والتي راعها وهالها أن ترى فيما بينها بلدأ ديمقراطياً ينغص على أنظمتها الشمولية لذّة الأنفراد بالحكم و السلطة فدبّرت بليل مؤامرة أشعال الفتنة الطائفية والدينية بين فئات مجتمع لم يعرف يوماً مثل هذه الأمور والتي أدت بدورها الى أشعال الحرب الأهلية اللبنانية بما رافقها من مآسي وجرائم أرتكبت ضد اناس أبرياء لمجرد كونهم من هذا الدين أو تلك الطائفة بل لقد وصل الحال في بعض مناطق لبنان الى الدرجة التي جعلت الأخ يقاتل أخاه لأنهما ينتميان الى حزبين مختلفين يخوضان بينهما حرباً طاحنة بين الأزقة وعلى أسطح المنازل.
ورغم أن دول عديدة عربية وغربية ساهمت في أشعال هذه الحرب ألا أن ثلاث دول رئيسية أثنتان منهما عربيتان والثالثة أسلامية لعبت دوراً رئيسياً وفعالاً في أشعال فتيل هذه الحرب والعمل على ديمومتها رغم المساعي الدولية الحثيثة لأيقافها وكانت هذه الدول الثلاث وطوال 15 عاماً ترمي في نار هذه الحرب حطباً وتصب عليها زيتاً حتى تهاوى هذا البلد الجميل وأصبح لقمة سائغة تقاذفتها أيادي الأخوة الأعداء الطامعين في ماسُمّي بأتفاق الطائف الذي ربط مصير بلدٍ عريقٍ بديمقراطيته كلبنان بمصير بلدٍ آخر جار له لكنه بعيد عنه كل البعد في مجال الحياة السياسية مما أثّر سلباً فيما بعد على سير العملية السياسية الديمقراطية التي عُرف بها لبنان بدليل ماحدث قبل أيام. هنالك مهزلة أخرى ترافق حدوثها في لبنان مع مهزلة مسخ الدستور اللبناني وهي عقد ما سمّيَ بالمؤتمر التحضيري للمجلس الوطني التأسيسي العراقي نظّمَته مجموعة من القوى السياسية العراقية المعارضة لمشروع بناء العراق الجديد الديمقراطي والتي ألتحفت زوراً وبهتاناً بعبائة مقاومة الأحتلال بدعم وتمويل من جهة لبنانية أسلامية ذُكِرت جهاراً نهاراً في قاعات المؤتمر وعلى صفحات الجرائد أثبتت من خلال فعلتها هذه وبالدليل القاطع وقوفها ضد أمال وطموحات ومصالح الشعب العراقي وهو ما توقعناه وحذرنا منه مسبقاً ولكن لاحياة لمن تنادي.. الطريف في الأمر هو أن هذا المؤتمر عقد في لبنان بالذات بل وفي نفس اليوم الذي أجتمع فيه مجلس الوزراء اللبناني بأمر من الدولة المحتلة للبنان لتغيير الدستور اللبناني رغماً عن أنف جميع السياسيين اللبنانيين الذين حضر بعضهم مؤتمر تلك القوى العراقية بل
وتحدث أحدهم وهو وزير بوقاحة عن الحكومة العراقية المؤقتة و وصفها بالعميلة في الوقت الذي كان من المفروض عليه أن ينظر الى ما تحت قدميه قبل التفوه بمثل هذا الكلام على من هم أنصع تأريخاً وأكثر نضالاً منه ومن أمثاله من مدّعي الوطنية والعروبة والذي كان الأحرى به أن يعمل على تحرير بلاده وفتح سفارة لها في الدولة المحتلة قبل الحديث عن تحرير العراق الحر رغماً عن أنفه.. فأحتلال العراق كان مشرعناً وبأقرار من المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة ولم يسعى أليه الساسة العراقيون سعياً كما فعل البعض بل أننا قد رأينا ساسة العراق الجديد يوصلون الليل بالنهار لأنهاء الأحتلال رسمياً وكان لهم ذلك في 28/6/2004 وهم ماضون اليوم في طريق بناء بلدهم بحس وطني صادق.. في حين أن أحتلال بلاد السيد الوزير كان بتواطيء منه ومن أمثاله من الساسة اللبنانيين مع الدولة المحتلة.. فمن هو الخائن أذاً؟ ومن هو العميل ياحضرة الوزير؟
أن ماحدث في لبنان قبل أيام أعطى دليلاً قاطعاً على استحالة أصلاح هذه الأمة من الداخل خصوصاً أن الرسالة جائت هذه المرة من البلد الوحيد الذي كانت تعقد عليه الآمال ليكون جسر هذه الأمة الى الأصلاح كما توقع الكثيرون أن يكون سياسيوا هذا البلد أول من يضعون أقدامهم على طريق الأصلاح ولكن وللأسف حدث العكس وثبُت زيف أدعائات بعض الديناصورات في عالمنا العربي والأسلامي بأنهم هم أنفسهم يريدون الأصلاح ويسعون لتحقيقه من الداخل ألا أنهم بأنتظار الفرصة المناسبة لأثبات ذلك.. لقد أثبتت الكثير من الوقائع وآخرها واقعة مسخ الدستور اللبناني المسكين أن أغلب نخب هذه الأمة وسياسيوها غير جادين في موضوع الأصلاح بل وغير مؤهلين له أصلاً وأن من كان فيه بصيص من الأمل في الأصلاح قد أصيب بعدوى ديكتاتورية أنظمة الجوار الشمولية وجمهورياتها الملكية مما زاد قناعة الكثيرين رسوخاً بأن هذه الأمة ميتة لا أمل في أصلاحها من الداخل وأنها بحاجة الى من يأتي من حضارة أخرى ليعيد اليها الحياة أولاً وليعمل على أصلاحها ثانياً.
- آخر تحديث :
التعليقات