تأتي محنة الصحافييّن الفرنسييّن ( الأحياء حتى ساعة كتابة هذه السطور..) لتدل،مرةً أخرى، على مدى خطورة ووحشية الأعمال الإرهابية التي ترتكبها الجماعات الإسلامية الأصولية في العراق والشرق الأوسط.
خطف هذين الرجلين( وهما كما سمعنا من الموالين للقضايا العربية في فلسطين والعراق : ولاندري إذا كانا من المعارضين لضرب نظام صدام حسين وموالاة عمليات حماس والجهاد الإسلامي الإنتحارية مثلاً؟).
وقبل ذلك ذبح 12 مدنياً نيبالياً بتهمة " التعامل مع قوات الإحتلال الأميركي" و" القدوم للعراق لضرب الإسلام وتنفيذ مؤامرة بوذية خططت خصيصاً لذلك"؟؟!. وكانت هذه المجموعات الهمجية قد قتلت العديد من الصحافيين والمقاولين الغربينن من أميركان وطليان وكوريين جنوبيين...الخ.

وللوقوف، على سبيل التحليل والتأمل، على ما تفعله هذه الجماعات، يجدرُ بنا دراسة ومتابعة البيئة التي لفظت أمثال هؤلاء الناس، فبروز هكذا نماذج تطبق القتل( بهذه الطرق الوحشية، وتحت شعارات دينية جهادية،تعيد إلى الأذهان أهوال غابرة إرتكبها التكفيريون الأوائل على مدى تاريخ فتاوي القتل والإبادة) لم يات من فراغ، إنما ساعدت عوامل وظروف و"ثقافة" واضحة ومحددة في تهيئة وتربية وتخريج مثل هذه النماذج القاتلة. فالمتأمل في شروط و"طلبات" هذه المجموعات لإطلاق سراح رهائنها سيعرف على الفور إن مثل هذه الثقافة المدمرة تنبجس من ينابيع تراثية ونصوصية مدّعمة بفتاوي وأسانيد أئمة وشيوخ الجهاد التكفيري في بلدان العالم الإسلامي، وهي ثقافة مبنية على كره الآخر وإحتقاره و"شرعنة قتله و وسبيه" إذما ملكت يمين القوم ذلك.
إن مطالبة المجموعة الإرهابية، فيما يخص الحادثة الطازجة في أرض الرافدين الآن، بإلغاء" قانون منع الحجاب" في الدولة الفرنسية( وهو،للعلم، قانون لم يسم الحجاب بالإسم بل منع إرتداء الرموز الدينية المختلفة في أماكن الدراسة والعمل)، لهو طلب ساذج وسخيف في إمكانية تطبيقه، لكنه على نفس المستوى أيضاً دليل على شمولية الدعوة للجهاد والقتال، فالثقافة الدينية المهلكة علمت هذه النماذج أن المسلمين أمة واحدة متحدة البنيان، وعليهم الدفاع عن أفراد هذه الأمة في حال وقوع الظلم عليهم أنى كانوا ويكونوا. وإنهم مسؤولون عن كل المسلمين فالإسلام( إسلامهم...) هو الوطن وهو الأمة، ولا ولاء أو طاعة لوطن أو لقانون إلا لقانونه( الذي وضع تطبيقاته الجهادية فقيه الحرب إبن تيمية وطوره المودودي وسيد قطب، وينفذه الآن بن لادن والظواهري والزرقاوي ومن يسير في نهجهم).

إن مادفع هؤلاء الجهلة إلى تصوير القانون الفرنسي على أنه ضد الإسلام، وهو قانون فرنسي مطبّق في أرض فرنسية وعلى مواطنين فرنسيين، لا يعود فقط لإسباب إعتباطية ناتجة عن قريحة هؤلاء المعادية للآخر والمحللة لدمه، إنما تتحمل وسائل الإعلام العربية( الغوغائية،المُسيرة، في أغلبيتها، من قبل أصوليين وقومويين علقوا أهوال فشل وأنحطاط الأمة على مشجب الآخر/الغربي) المسؤولية الكبرى على تصوير ذلك القانون على أنه عمل شيطاني ضد العرب والمسلمين، فالقانون الفرنسي ومنذ لحظات الخوض فيه، حولته هذه الفضائيات والصحف إلى قانون معادي للعرب وللمسليمن، وإن هناك جهات معادية تقف وراءه( وهو اللوبي اليهودي دائماً وأبداً!) لدرجة أن المتلقين العرب صدقوا هذه الفرية الكاذبة وباتوا يلعنون فرنسا ليل نهارعلى عدائها للمسلمين( أنظر نتيجة الإستفتاءات التي أجرتها بعض الفضائيات العربية بخصوص هذه القضية)!.

الوحشية واللاإنسانية البالغة في ذبح الصحافيين والمدنيين والتلويح برؤسهم ينم عن مدى تغلغل هذه الثقافة في دم ووعي هذه الكائنات، وكذلك مدى تأصيلية العامل التربوي والتوعوي في تكوين هؤلاء الشباب.
على الدول العربية إعادة النظر في مناهجها التعليمية( هل نقول التحريضية؟) وتغييرها، فإذا رضخت هذه الدول لزعيق الغوغاء الأصولية ولم تحرك ساكناً في تغييرها، عندئذ يصبح من الضرورة الملحة ولأجل السلم العالمي وقطع دابر الإرهاب وتجفيف منابعه التكوينية، تطبيق القوة والحزم لإجبار هذه الدول على فعل ذلك، لأن شرور أبنائها بدأ يطال كل العالم ( أميركا، أوروبا، روسيا...).
وحسناً ماتقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة الآن من تكنيس الدروس الدينية التلقينية من مناهج تعليم أطفالها الصغار، والتي وضعها تلامذة فقهاء العصورالوسطى...

الإرهاب الإسلامي الأصولي بات يهدد العالم كما نشاهد الآن، دمرّ مراكز حضارية في أميركا، قتلّ مئات الأبرياء في قطارات مدريد، فجّر مناسبة العيد في كردستان ومزق أجساد مئات الأبرياء، فجّر طائرات روسية وقتّل ركابها، ويقتل كل يوم الأبرياء من أبناء الشعب العراقي في تفجيراته البربرية ويجز رؤوس المدنيين الأجانب ذبحاً بطريقة جبانة وهم مقيدين أسرى.

كل هذا والولايات المتحدة بدأت منذ ثلاث سنين حربها العالمية ضده، فكيف بها آنذاك لو رضخت لمناشدات مئات الآلاف من الأوروبيين الذين خرجوا لشوارع أوروبا( عندما كانت الشوراع العربية نائمة، أو مشغولة بسوبر ستار العرب) يطالبون أميركا بعدم ضرب نظام صدام وتحرير الشعب العراقي من إرهابه وتهديده لأمن جيرانه والعالم؟.
ترى، ماهو موقف هؤلاء الأوروبيين الآن وهم يرون بقايا صدام وتركته يفعلون بأبنائهم مايفعلون؟.

على كل حال، نحن نقرأ الغضب والسخط والإدانة في وجوههم كل صباح، عندما يفاجأون بأخبارالذبح والتفجيرعلى صدر الصفحة الأولى من الجريدة التي يقرأونها، وذلك أثناء ذهابنا للعمل، مهما كظموا غيظهم، أو منع كرههم الهائل لأمريكا(التي حررتهم ذات يوم) أن يقولوا غير ذلك...


صحافي كردي مقيم في ألمانيا
[email protected]