إذا أردت أن تصاب بالجنون في فترة قياسية، فما عليك سوى متابعة الخطاب السياسي لبعض المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة، فهذه المنظمات أنجزت تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، و أصبح لديها متسع من الوقت لدراسة الوضع في العراق، و توجيه النصائح لما يسمى تجاوزا(المقاومة العراقية)،خاصة فيما يتعلق بالنضال العسكري و الجهادالإيماني، ومن أكثر الأمثلة إضحاكا أو تسريعا في الوصول إلى الجنون، مايلي:
1. الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي لا يتعدى مجموع أعضاء هذا ( الميني ماركت ) في أحسن الأحوال خمسة عشر شخصا، لم يطلق طوال حياته رصاصة ضد الإحتلال الإسرائيلي، وكان هذا الحزب من أول من طرحوا التسوية السياسية مع إسرائيل، مستغلين التداخل العربي – الإسرائيلي في عضوية الحزب الشيوعي الإسرائيلي ( راكاح ) . وكان شائعا ومازال في الثقافة اليومية السائدة في أوساط المقاومة الفلسطينية، أن صفة( شيوعي ) أو ( يساري )، تعني الحلول السلمية و المفاوضات مع إسرائيل. هذا الحزب الذي لم يطلق رصاصة على إسرائيل طوال عمرها البالغ ستة و خمسين عاما، أصبحت له هواية تصل حد الغرام، هي توجيه النصائح لما يسمى المقاومة العراقية، يدعوها إلى تصعيد النضال المسلح ضد القوات متعددة الجنسيات في العراق، إذ لا يمكن تحرير العراق - كما يرى هذا الحزب – إلا بالرصاص و العمليات الإنتحارية، أما في فلسطين فشعار هذا الحزب: ( إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالمفاوضات ) . 2. حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، تدعو في بيان لها أيضا ما يسمى المقاومة العراقية، إلى ضرب أنابيب النفط العراقية، لأن خبراءها الإستراتيجيين عرفوا أن الولايات المتحدةهي المستفيدة من تصدير النفط العراقي .....وليت هؤلاء الخبراء يذكروننا من كان المستفيد من تصدير النفط العراقي في زمن القائد الضرورة صدام...؟؟. و بالمناسبة، لماذا لم تقم هذه الحركة طوال عمرها الذي إقترب من خمسة عشر عاما، من ضرب أنابيب النفط الإسرائيلي، وهو الذي يغذي آلة الحرب الإسرائيلية؟ لماذا التحريض على ضرب النفط العراقي، والسكوت على النفط الإسرائيلي، أنابيب و مصافي؟؟. الآن فقط أكتشف أن النفط الإسرائيلي شرعي والنفط العراقي غير شرعي!!!!. 3. وأخيرا دخل خط النضالي البلاغي في العراق، الرفيق نايف حواتمه ( أبو النوف )، فقد أصدرت جماعته المسماة ( الجبهة الديمقراطية لتحرير - ما تيسر – من فلسطين )، بيانا شديد اللهجة أدانت فيه تمديد الحكومة العراقية فترة إغلاق مكتب قناة الجزيرة، لأن ذلك تعدي على حرية الرأي . و هذا موقف كنت سوف أحترمه، لوأن جماعة نايف حواتمه، طوال إقامتها في دمشق التي إقتربت من خمسة وثلاثين عاما، أصدرت بيانا واحدا ضد إغلاق الصحف السورية المعارضة، أو ضد إعتقال الآلآف من المعارضين السوريين، وقد مرّ على مئات منهم ما يزيد على ثلاثين عاما في سجون الأسد الأب و الإبن!!. أو لو سألت هذه الجماعة عن آلاف السجناء الفلسطينيين والأردنيين الذين مات عشرات منهم في سجون الأب و الإبن!!!. أم أن إعتقال هؤلاء يعزز حرية الرأي؟؟؟.
إنها تصرفات وممارسات لا تستطيع أن تسكت عليها، لأنها مواقف إزدواجية ومنافقة، وتتم بإسم فلسطين ...هذه الفلسطين التي بدأت برامجهم بتحريرها من النهر إلى البحر، و هاهم منذ عشرين عاما يشحذون أمتارا من غزة والضفة، وهم معذورين بإنشغالهم بقتال الأمريكان في العراق، و الرفيق (أبو النوف )، بالإضافة لذلك إنشغاله ببرقيات التهاني شبه الإسبوعية للرفيق كاسترو، والرفاق في الصين و كوريا الشمالية، و حزب العدالة في المغرب، و الإشتراكيين في الجزائر، وحزب اليسار الإشتراكي الموحد في المغرب، و بالإضافة لذلك أيضا إختيار صوره التي ينشر منها إسبوعيا في مجلة (الحرية ) ثلاثة أو أربعة، بتسريحات شعر و ( بوزات ) مختلفة، ومن لايصدق فليغذي نظره بتصفح أي عدد من أعداد مجلته ( الحرية )، وليكن إختياره عشوائيا لأي عدد، كي يصدق كلامي، ويعرف أنني لا أتجنى على الرفيق ( أبو النوف )، وآمل أن لايسدّ نقدي هذا نفسه، فينسى برقيات التهنئة المطلوبة منه الإسبوع القادم!!!. بعد هذا العرض، هل بالغت في عنوان هذه المقالة: إفلاس نضالي في فلسطين ..
ونضال بيانات في العراق؟؟؟.

اوسلو