تناقلت وكالات الأنباء في الأيام القليلة الماضية، خبرا مفاده أن الحزب الشيوعي العراقي، الممثل في الحكومة العراقية المؤقتة، يرى ضرورة العمل من أجل عودة اليهود العراقيين الذين طردوا من العراق، ورغم نفي الحزب ذلك، إلا أن هذا فتح موضوعا مهما للنقاش....فكيف يمكن النظر إلىهذا الموضوع؟.
هناك بعض الحقائق المتعلقة بخلفية هذا الموضوع، لا بد من التذكير بها، لتسهيل إعطاء رأي فيه....من هذه الحقائق :
1. إن غالبية المواطنين من معتنقي الديانة اليهودية، الذين طردوا أو هجّروا من الأقطار العربية في السبعين عاما الماضية، كانوا مواطنين عربا، أبا عن جد، وكلهم من مواليد أقطارهم العربية، وكلهم يتكلمون اللغة العربية كلغة أم، ولم يعرف عنهم أن لهم إرتباط بالمشروع الصهيوني الخاص بطرد الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي، وتأسيس دولة إسرائيل فيه، إعتمادا على مزاعم ( وطن بلا شعب، لشعب بلا وطن ).والدليل على ذلك أنه حتى عام 1951، أي حوالي ثلاث سنوات بعد قيام دولة إسرائيل، لم تحث هجرة مواطنين عربا من معتنقي الديانة اليهودية لدولة إسرائيل. 2. أول الهجرات تمت بعد العمليات التخريبية ضد مصالح مواطنين عراقيين من معتنقي الديانة اليهودية، في أواسط عام 1951، وهي عمليات أصبح من المؤكد أن لدولة إسرائيل علاقة بها، كي تنشر الرعب و الذعر في أوساط يهود العراق، فيهاجرون إلى دولة إسرائيل، وهذا ماتحقق. وفي حالات أخرى، نظّم الموساد الإسرائيلي مواطنين مصريين من معتنقي الديانة اليهودية، وقاموا في عام 1955، بعمليات تفجير و تخريب في الإسكندرية، وسهّل الموساد نفسه عملية وقوعهم في يد السلطات المصرية، فقام نظام جمال عبد الناصر بطرد آلاف منهم، وقدّم بذلك خدمة كبيرة لإسرائيل، دون أن يعرف أو يقصد!. 3. إن تجنيد عملاء للموساد من العرب معتنقي الديانة اليهودية، لايشكّل إدانة إلا للمتورطين فقط، ولا ينسحب الجرم على كافة العرب معتنقي الديانة اليهودية، بدليل أنه في أكثر من دولة عربية، تم إعتقال عربا مسلمين يعملون مع الموساد الإسرائيلي. وفي المناطق الفلسطينية نفسها، جرى حتى الآن إعدام عشرات من الفلسطينيين المسلمين، بتهمة التعامل مع الموساد، ومنهم أعضاء في حركات إسلامية كحماس و الجهاد. وتؤكد العديد من المصادر الفلسطينية، أن عمليات الإغتيال الإسرائيلية المشهورة لقيادات معروفة مثل المهندس يحيى عياش والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي و أبو علي مصطفى....وآخرون، ماكانت لتتم بهذه السهولة والدقة، لولا معلومات ميدانية من داخل التنظيمات نفسها، وأحيانا من قيادات الصف الأول، كما قال أحد هؤلاء العملاء قبل عام تقريبا في مؤتمر صحفي، نظّمه له الأمن الفسطيني. إستنادا إلى الحقائق السابقة، أرى مايلي : 1. من حق كل اليهود الذين طردوا أو هجّروا من أقطارهم العربية، أن يعودوا إليها فورا، إن رغبوا في ذلك، وبدون أية عوائق. 2. من المهم أن تعلن الدول العربية ذلك، وتشجع مواطنيها من معتنقي الديانة اليهودية على العودة إلى أوطانهم ومسقط رؤوسهم، ويكون التشجيع عبر الإعلان عن حقهم في إستعادة ممتلكاتهم وتعويضهم عن المعاناة والألم الذي مرّوا به.
من المستفيد من ذلك؟؟ أرى أن المستفيد من ذلك هو الشعب الفلسطيني و القضية الفلسطينية فقط، لأننا بذلك نفرّغ دولة إسرائيل من عشرات الآلآف من سكانها، في الوقت الذي تسعى الوكالة اليهودية لتهجير قبيلة هندية، لمجرد أن لها عادات وتقاليد تشبه العادات والتقاليد اليهودية، وهي تسعى لذلك منذ سنوات دون أن تنجح حتى الآن. وذلك كي تواجه الخطر الديموغرافي المتمثل الآن في وجود حوالي ثلاثة ملايين وربع مليون فلسطيني في القطاع والضفة، و حوالي مليون وربع فلسطيني داخل إسرائيل، مما يعني أنه في داخل حدود فلسطين التاريخية يوجد الآن حوالي أربعةملايين فلسطيني، مقابل حوالي أربعة ملايين ونصف إسرائيلي، من بينهم عدة آلاف لايؤمنون بدولة إسرائيل الحالية، وهم المنتمون لجماعة ( حرّاس التوراة ) الذين يعتقدون أن دولة إسرائيل الحالية غير شرعية، لأنها قامت قبل عودة السيد المسيح. هذا الخلل الديموغرافي لصالح العرب الفلسطينيين، هو ما دعى باحث إسرائيلي قبل سنوات، أن يسمّي الخطر القادم لدولة إسرائيل هو ( القنبلة المنوية ). كما أن دعوة الحكومات العربية مواطنيها من معتنقي الديانة اليهودية للعودة إلى أوطانهم و تعويضهم، سوف يشكّل أكبر إحراج لدولة إسرائيل التي ترفض كل قرارات الشرعية الدولية، التي نصّت مرارا على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم أو تعويضهم. لذلك إن بادرت الحكومات العربية إلى هذه الخطوة، سوف تكون إسرائيل هي أشد المحرضين ضدها، وسوف تلجأ للمتعاونين معها من الأنظمة العربية، لإجهاض الفكرة، و أيضا ستجد من العملاء من يصدر بيانات بأسماء منظمات وهمية، غالبا ذات تسميات إسلامية، لتهديد العرب العائدين من معتنقي الديانة اليهودية بالويل والثبور وقطع الرؤوس. وذلك لأن المستفيد من هذه العودة هو الشعب الفلسطيني و القضية الفلسطينية، و الخاسر الوحيد هو دولة إسرائيل وقضية الإستيطان و تهجير اليهود.......فهل تجرّب الحكومات العربية ذلك؟؟؟. [email protected]