ليس غريبا أن يترك العرب قضاياهم المهمة ليطاردوا برتقالة!
العقل العربي عاجز عن وضع المرأة في خانة نقاش جاد أو قضية حقيقية ذلك أن ما يشغل العقل العربي هذه الأيام هو البرتقالة، أما الأمن العربي والاستقلال العربي والقضايا العربية ضاعت هباء في زمن البرتقالة بل زمن الاستحالة أي استحالة الأمن مع وجود البرتقالة لأن الجيل العربي يبحث عن خصر البرتقالة وإن كانت حواء أقنعت آدم فخرج من الجنة لمعصية بسبب تفاحة فلا عجب أن يخسر العرب أهم قضاياهم بسبب برتقالة، فالعلاقة الشرقية بين الرجل والمرأة لا تتعدى البرتقالة كيف يعصرها أو يقطعها، وأنه قسم المرأة إلى قسمين قسم أرنبي أو الولود أي زوجة للإنجاب فقط أما النوع الآخر فهو "للهشك بشك" كما أصطلح على تسميتها في بعض مجالس اللهو والطرب العربية ومن هنا جاء حب التعدد عند الرجل الشرقي فواحدة يبحث عن حسبها ونسبها ولا يشترط أن تكون برتقالية المظهر أما الأخرى فيبحث عن مقدمتها ومؤخرتها أي لابد أن تكون برتقالية المظهر، ولا عجب أن تحتضن بعض وسائل الإعلام العربي برتقالات ناد ليلي ظهر في زمن العتمة ولا عجب أيضا أن تتربع البرتقالة على عرش قمة الحضارة والحرية المسموح بها لتنادي جميلات وناعمات وفاتنات الفن الشرقي لكي يؤكدن تفوقنا في الفضاء البرتقالي،. الملاحظ فعلا بعد البرتقالة كثرة البرامج الفضائية وكثرة إنتاج الأغاني البرتقالية وقطعاً لن نشاهد أي تقدم حضاري أو صناعي أو ديمقراطي طالما نحن نركض وراء برتقالة، كيف سنحقق الرخاء والأمن ونحن نبحث عن البرتقالة في الفضائيات؟.
أما اليوم فالمشاهد العربي يشاهد البرتقالة وهي ترقص وتتمايل، حولها برتقالات كاسيات عاريات من خلف الشاشات لنخر كل القيم والمبادئ في نفوس الأمة الشرقية. وغدا تستبدل البرتقالة بالتفاحة وتعود التفاحة من جديد ويقال فيها ما قيل عن البرتقالة أو يزيد، والموضة السائدة هذه الأيام تفرض علينا تسمية جامعة البرتقالة العربية، فحسب علمي أن الفساتين والشورتات البرتقالية تتصدر القائمة الأولى في الطلبات النسائية لهذا الصيف. وبالتالي علينا أن نبدل عقولنا وأدمغتنا الخاوية إلى اللون "البرتقالي"، الأمر الذي يخلق حاجة ماسة للهروب من الواقع الضبابي إلى البرتقالي وهو تقدم لا نحسد عليه كشعوب عربية فقد اعتكفت العائلات في بيوتها وعزفت عن الأهل والجيران، أغلقت الأبواب وتحلقت حول الفضائيات، عشرات الملايين من العيون مندهشة تنتظر الحدث ولكن أي حدث!
هل هو انتخاب النجم الواعد؟ إنها تجارة تحقيق الأرباح من الدعايات التجارية والاتصالات الهاتفية ملايين الدولارات ربحتها شركات الهواتف والاتصالات التي تتداخل علاقاتها بالقنوات الفضائية.
ولو قمنا باستفتاء للتصويت للبرتقالة أو لقضية فلسطين سوف يطير صواب العقلاء عندما تتضح نتيجة التصويت لصالح البرتقالة.
ولكن ما هو سبب ذلك؟
في اعتقادي هو لحاجة المصوتين إلى إفراغ العديد من العقد النفسية النابعة من الحرمان سياسياً واجتماعياً وشخصياً.
الفضائيات العربية لن تكون موضوعية أبدا، وليس هدفها تثقيف أحد وإنما تخدم جيوب أصحابها، لأنها تلهي الناس عن القضايا المهمة، وتفسح لهم المجال لتفريغ غضبهم وإحباطهم من المعاناة اليومية وهنا تتغير معالم المسموح والممنوع حسب الحاجة، وليس بالضرورة حسب تعليمات الدين أو العادات والتقاليد. وهذا ما يفسر البرامج غير السوية في القنوات الفضائية التجارية التي يمولها رجال الأعمال وبالمقابل انعدام البرامج التي تنتقد الواقع المؤلم الذي تعيشه الشعوب العربية. وعن وضع المرأة تحديدا ولأسباب تجارية فإن القنوات تستعمل المرأة ويضعونها 24 ساعة تحت الكاميرات. أتساءل لماذا لا يضعون الرجل أيضا؟
الحقيقة أنهم يدّعون التطور، ولكنهم بقوا تقليديين فقد أبقوا المرأة تحت المراقبة، وقالوا للرجل اختر أية برتقالة تريد. إذا أراد مجتمعنا أن يكون معاصرا فليكن معاصرا في كل شيء.
كل العالم يتصل يوميا ليصوت لهذا النجم أو ذاك فهذه الانتخابات التي بدأنا نعرفها ولكن في الحقيقة هل نكسب قضية تهم العالم العربي أو الإسلامي فالناس ينظرون للبرتقالة وغير مهتمين بالأمور السياسية، لأن الفضائيات تريد التصويت للبرتقالة لتبعد الأمة عن الاهتمام بمشاكلها الحقيقية".
والسبب أن العرب في ضائقة، وبحاجة إلى أمور ترفيهية تنفس عن غضبهم حتى لا ينفجر وهذه ليست المشكلة بل المشكلة أننا مقلدون كيف يمكن أن نتقدم ونحن جهلة؟
إن هذا الانبهار من واقع لا يمكن تحقيقه، في وضع يسيطر فيه اليأس والضغط النفسي على الشارع ليتحول إلى تحقيق الهدف هو الهروب من الواقع واللجوء لراحة نفسية ولو وهمية.
مصطفى الغريب - الرياض