تبعث تصريحات السيد وزير التعليم العالي الاخيرة عن الاوضاع الحالية لوزارته وبالذات الجامعات العراقية على الخيبة والالم العميقين لدى الكثير من المراقبين والمهتمين بشؤون التعليم العالي وذلك لعدم انجاز الحد الادنى من متطلبات هذا القطاع الحيوي نتيجة للاوضاع السياسية غير المستقرة التي عاشها عراقنا الجديد خلال العام الماضي. وكما ذكرنا سابقا فان المشكلة الامنية كانت ولاتزال تشكل العقبة الاساسية في تعزيز واستقرار هذا القطاع واعادة الثقة والطمانينة للكادر العلمي والطلبة الذين طالما افتقروا اليهما، خاصة خلال العقود المنصرمة. وهناك عقبات ومشاكل اخرى لابد من الوقوف عندها لاهميتها، خاصة تلك التي تتعلق بالشواغر التي لحقت بالكادر التدريسي والابنية التي دمرت والنقص في الاجهزة والمكاتب والاثاث بمجمله نتيجة للنهب والسلب الذي تعرض له هذا القطاع بعد سقوط النظام البائد مباشرة، هذا بالاضافة الى مشكلة النقص في الكهرباء والتي تعاني منها معظم جامعاتنا، هذه المتطلبات التي لابد من العمل على تحقيقها وذلك بايجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي ادت الى تدهورها وعدم إعادة تأهيل البعض منها خلال العام المنصرم.
ومع قرب حلول العام الدراسي الجديد والتحاق طلبة العراق بجامعاتهم سيكون لزاما على الحكومة العراقية المؤقتة تلبية الحد الادنى - على الاقل - من متطلبات جامعاتنا والنواقص التي تشكو منها. وقد نوهنا سابقا بان عملية الاصلاح في قطاع التعليم العالي لابد وان تكون بعيدة عن الصراعات السياسية والطائفية والاهتمام أولاً وآخراً بالمصلحة العليا للوطن والتي تستوجب الاعتماد بصورة رئيسية على استغلال كافة الطاقات والكفاءات الوطنية المخلصة التي نذرت نفسها لخدمة هذا الوطن والتفاني في سبيله، وقد اثبت البعض من هذه العناصر الشريفة مدى اخلاصه وحرصه في عمله خلال العام الماضي رغم كل الاتهامات التي مارستها بحقهم بعض التيارات السياسية واصفةً إياهم بالعمالة، ورغم كل المزايدات والشعارات المزيفة التي تدعيها بعض العناصر المشبوهة بحجة خدمة الوطن وشعبه العظيم وتبين فيما بعد بأنها امتداد للسياسة العقيمة التي كان يتبعها النظام البائد في اعتماده على عناصر غير كفوءة في ادارة هذا القطاع، ناهيك عن الابقاء على العناصر التي لاتمتلك الحد الادنى من الاخلاص والوطنية لبلدها العراق.
أما بالنسبة للعقول والطاقات العراقية الكفوءة التي هاجرت الى خارج الوطن بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي كان يمر به العراق خاصة خلال العقد الاخير من عمر النظام البائد، والتي لازالت تعمل هناك، فقد صرح السيد وزير التعليم العالي بان البعض من دول الجوار تحاول الابقاء على هذه الكفاءات، وأنا أؤيد ذلك، لانها تهدف إلى افراغ العراق من هذه العقول ومن ثم عرقلة مسيرة بنائه وتقدمه. وهنا لابد أن أنوه بأن معظم هذه الكفاءات على اتم الاستعداد للعودة إلى الوطن للمساهمة في إعادة بنائه وتقدمه دون الاخذ بنظر الاعتبار ماسيترتب عليهم من التزامات ومسؤوليات عند ترك عملهم خارج العراق. أما بالنسبة للدرجات الوظيفية الواجب توفيرها لهذه الكفاءات فعلى وزارة المالية منحها الاولوية في الميزانية العامة لبلد اصابه التدهور والحرمان لاكثر من ثلاثة عقود في كافة مجالات الحياة وهو الان بامس
الحاجة لان يعاد بناؤه من جديد على يد النخبة المتعلمة التي تتمثل في كوادره العلمية، وهذا ماسنلمسه عندما يبدأ العام الدراسي الجديد وقد تم تلبية الحد الادنى من متطلبات الجامعات العراقية سواءاً على صعيد الكادر التدريسي أو الاحتياجات الاخرى.
لذلك اقترح على وزارة التعليم العالي ان توجه الدعوة لكل الكفاءات العراقية المتواجدة خارج العراق للعودة الى الوطن باقرب فرصة ممكنة بعد ان ترفع توصيات بهذا الشان للحكومة المؤقتة لاستحداث درجات وظيفية جديدة لهم، كما واقترح ترحيل العناصر غير الكفوءة الى وظائف ادارية واستبدالها بعناصر كفوءة من داخل العراق وخارجه وفق اسس علمية سليمة تعتمدها لجنة خاصة تضم خبراء من كافة الاختصاصات. اما بالنسبة للمتطلبات الاخرى فاقترح تشكيل لجان خاصة عملها اعداد تقارير مفصلة عنها ليتم دراستها وتلبية ماهو ضروري منها. وبهذه الآلية سنحاول في العام الدراسي الجديد ازالة ولو جزء بسيط من القتامة التي حلّت بقطاع التعليم العالي وخاصة الجامعات العراقية على امل ان نوفر الاجواء الدراسية والعلمية المناسبة والمستقرة لطلبتنا والنهوض بمستواهم العلمي والعمل على توجيههم نحو مستقبل افضل ولعراقنا الجديد التقدم والازدهار.
التعليقات