تعتبر الكارثة الانسانية التي اصابت دول جنوب اسيا وطالت نتائجها دول عديدة حتى وصلت الى الصومال في شرق افريقيا واحدة من اكبر كوارث القرن العشرين، جراء ثوران الطبيعة، فعدد القتلى المعلن نتيجة الطوفان الذي ضرب الدول المشار اليها، والذي اعقب الزلزال المقدر قوته بتسعة درجات على مقياس ريختر، يقارب الان حوالي المائة واربعون الف نسمة، بالطبع هنالك مخاوف من انتشار الاوبئة الفتاكة، وخصوصا مع ندرة الماء الصافي وتحلل الكثير من الجثث، مما يزيد من المخاوف بحدوث كارثة غير مسبوقة.

عند حدوث مثل هذه الكوارث، تشل الكثر من مؤسسات الدول التي تحدث فيها، وذلك نتيجة طبيعية لبلبلة الفكر واندثار المؤسسات ووفاة الكثير من العاملين فيها، اضافة للخراب الذي يصيب البنية التحتية، من الطرق ووسائل المواصلات، فالدول تحتاج الى مساعدة انسانية لتتجاوزالظروف المحيطة، وبالطبع ان الدول الفقيرة تكون بامس الحاجة لمثل هذه المساعدات، لانها اساسا لا تتمتع بشبكات واسعة ومتطورة لحالات الطوارئ.

ان الايمان بالحس الانساني، وباننا مهما اختلفنا دينيا وقوميا ووطنيا ولونا، ترينا ان البشر متساوون، يجب ان يتعاضدوا
على فعل الاصوب لهم، فلو كان الذي وقع الان، قد حدث قبل مئة سنة من الان، لكانت الضحايا تفوق الملايين، من البشر الذين لاذنب لهم غير وقوعهم في منطقة او قرب مركز الزلازل، فما راكمته الانسانية من الافكار والتكنولوجيا، يساهم الان في تخطي الحدود بين البشر، ليكونوا متوحدين على الاقل امام الكوارث التي تصيبهم.

ففي الوقت الذي كانت للتكنولجيا بعض السلبيات الغير المقصودة، الا ان المخترعات والاكتشافات والتركيبات الكيمياوية، كلها تساهم في الحد من الالم الانساني، لا بل تنقذ الملايين ممن كان مكتوبا عليهم قبل سنوات الموت، لمجرد اصابتهم بالملاريا او الجدري او التيفوئيد او غيرها من الامراض التي اصبحت بفعل التطور والتقدم في حكم المقضي عليها.

ان الحس الانساني الذي يطبع انسان اليوم، والذي يجعل شخص لايعرفنا، ولمجرد سماعه نداء الاستغاثة، يقوم ويسرع للتبرع بمبالغ مالية يصل مجموعها سنويا في بعض الدول المليارات من الدولارات، هذا الحس الانساني، كان نتيجة لتطور نظرة الانسان تجاه اخية الانسان، جراء اتساع رقعة تاثير الفلسفة الانسانوية، هذه الفلسفة التي غايتها اسعاد الانسان، وتتوجه للجميع بنداء التاخي والمحبة، عابر لكل مشاعر التعصب القومي والجنسي والديني، وبالطبع كان للتكنولجا دور فعال في المساعدة على التطبيق العملي لهذه الافكار الفلسفية.

برغم من ان هذه الارض تعج بالالاف من اللغات والاديان ويتحلى الانسان بالوان متعددة وثقافات مختلفة، ولكن لو فكرنا بهذه الكرة الارضية، التي قد لا يكون حجمها بقدر حبة رمل من حجم الكون الشاسع والمستمر في التوسع، لو فكرنا بالمخاطر التي تواجهها كرتنا الارضية هذه، من الخروج عن المدار بفعل قوى غامضة او اصطدام بنيزك لا سمح الله، فهل سيكون مصير البعض النجاة والاخرين الوفاة، وهل هذا المصير سيكون بحسب اللون واللغة والدين، الا نكون كلنا كل بني البشر ضحايا لكارثة تقضي على الانسانية، هل ندرك كم نحن مشتركون، ومصيرنا مترابط، فعلام نصر على الانانية بكل شئ، لماذا نصر على القتل على الهوية، لماذا نريد الغاء الاخر، لماذا نرغب في اذية المقابل؟

ها هي امم العالم تحاول قدر الامكان تخفيف الام الذين اصابتهم الكارثة الانسانية، متناسين خلافاتهم السياسية وغير السياسية، بالامس القريب كان زلزال بم في ايران، فهرعت دول العالم لتقديم مساعداتها، بدون شروط سياسية او غير سياسية، الخلافات مستمرة ولكن مد يد المساعدة عند الحاجة اليها يكسر الاف الحواجز التي اقيمت بين بني البشر، بسبب نشر الافكار العنصرية، والتي تفرق في قيمة الانسان، حسب دينه ولونه ولغته واحيانا حتى لهجته.

اذا لو فكرنا حقيقة، لوجدنا كم ان مصيرنا مترابط، وكم الواحد منا بحاجة لاخيه الانسان، فما بال الذين ينشرون القتل في ربوع وطني العراق، ما بالهم يعملون كل شئ للعودة الى ايام عبودية صدام، ما بالهم يخافون الانوار والافكار والالوان، لما لا يمنحون فرصة للتغيير، وكل العراقيين مصرين ليكون تغييرا نحو الاحسن، هلا نرتقي الى انسانية الانسان، الذي يفوق كل الاختلافات؟ العراق هو مهد الحضارات، فهل يمكننا تحويله، مهد نشر الافكار النيرة، والقوانيين الانسانية وهل نتعلم من كوارث الاخرين لنبني وطننا؟. والمجد لله في العلى وعلى الارض السلام وبين البشر المسرة.

تيري بطرس