حال اليسار الفلسطيني يصعب على الكافر، وقد فتحت انتخابات الرئاسة الفلسطينية كل الجراح في وجه الريح التي حاول أصحاب شبابيك وطاقات وخزوق اليسار إخفاءها قبيل الانتخابات التقوا ما يسمى بالفصائل الخمسة ولا ادري لماذا خمسة فقط وهم أكثر بكثير فالديمقراطية والشعبية وحزب الشعب وحزب فدا والنضال الشعبي بشقيها والتحرير الفلسطينية بشقيها والتحرير العربية بشقيها والقيادة العامة والحزب الشيوعي الثوري وقد أكون نسيت البعض وسيعذرني القاريء لذلك من حجم اليسار وضخامته وإمكانياته الشعبية الكبيرة بحيث لا يمكن لحزب واحد أن تسع لكل هذه الجماهير الجبارة مع أنني أكاد اقسم أن بعض زعماء هذه الحركات والأحزاب لا يتذكرون أحزابهم أو حركاتهم إلا في المناسبات وان بعضهم يخجل من الحديث عن وجود حزبه حتى في غرفة نومه، المهم أن الفصائل الخمس حاولت الاتفاق على مرشح واحد تقدمه لانتخابات الرئاسة في وجه مرشح فتح محمود عباس، وهي بعد طول عناء لم تجد في صفوفها ولا في أنصارها السابقين واللاحقين إلا حيدر عبد الشافي والرجل مع احترامي الشديد له يحاول الاقتراب من العقد التاسع في عمره، يسار الشعب الفلسطيني بقواه الخمس لجأ إلى رجل عجوز ( أطال الله عمره ) كل ما يمكنه القيام به هو انتظار الطلاب والدارسين والباحثين لإعطائهم حقائق عن تاريخ شارك فيه، لم يكن ذلك الاختيار إنجازا لموقف موحد بل كان نتيجة عجزهم جميعا وخلافاتهم التي ليس لها حدود، المهم أن الرجل رفض عرض الفصائل الخمس وبدل أن ينتظر اتفاقهم على مرشح واحد ليدعم مرشح القوى التي وضعت ثقتها فيه راح هو يعلن مرشحه حتى دون أن يكلف نفسه عناء التشاور معهم وكأني بلسان حاله يقول أن أولئك الذين لم يجدوا في أوساطهم سواي فانا من يملك الحق إذن على تسمية المرشح وعليهم أن يتبعوا موقفي ويؤيدوا مرشحي.
بعد قرار عبد الشافي برفض دعوة قوى اليسار ولجوءه إلى تسمية مرشحه منفردا اندفعت قوى اليسار لخوض سباق البحث عن مرشحين أو إقرار خوض الانتخابات أو عدمها الجبهة الديمقراطية قررت أن تشارك بمرشحها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية بينما اختار حزب الشعب امينه العام مرشح للرئاسة وقررت الجبهة الشعبية عدم المشاركة وكذا فعل حزب فدا.
فجأة ودون سابق إنذار وبدون تفسير واضح تقرر الجبهة الشعبية دعم مرشح مستقل لا يوجد في برنامجه السياسي الانتخابي أو غير الانتخابي ما يتفق مع برامج وسياسات الجبهة ألشعبيه بل على العكس من ذلك، فما الذي حدث وما هو السبب الحقيقي الذي دفع بالجبهة الشعبية لدعم هذا المرشح فلو أنها دعمت مرشح الديمقراطية لكان لذلك معنى العلاقة التاريخية بين الجبهتين والمحاولات ألسابقه لإيجاد مرشح مشترك ولو أنها أيدت مرشح حزب الشعب لرأينا في ذلك علاقة بين قوى اليسار، ولو فعلت ذلك مع محمود عباس لقلنا إن هذا هو تحالف منظمة التحرير والعلاقات التاريخية مع فتح، فلماذا لجأت الجبهة الشعبية لهذا القرار الفجائي وتركت حلفاءها في القوى الديمقراطية واليسارية في حيرة من أمرهم.
أي يسار كئيب هذا الذي لم يتمكن من التوافق على مرشح واحد ليقدمه للشعب ولو من باب القيام بالواجب والمسئوليات تجاه الشعب وقضاياه وعلى قاعدة ان الفرص المتاحة لمرشح واحد ستكون اكبر بكثير من هذا الكم وهذه الطريقة، لو وقف الجميع خلف مرشح يساري ديمقراطي واحد لتمكنوا من أن يشكلوا ضغطا حقيقيا على الرأي العام وعلى أصوات الناخبين لوحدوا من خلفهم ليس قوى اليسار فقط وإنما كل جمهور اليسار وخصوصا أولئك الذين اختاروا الجلوس على الجدار لحنقهم من الحال الذي آل إليه اليسار وقواه والوقت لم يفت بعد لتعود الجبهة الشعبية عن موقفها ويقرر مرشح الجبهة الديمقراطية ومرشح حزب الشعب التنازل لمن هو أكثر حظا من الآخر وليضع الجميع أياديهم معا ليقولوا لشعبهم أن هناك اتجاه يساري ديمقراطي موحد لا مجموعة من الدكاكين التي لا تقيم وزنا لقضايا الشعب ووحدة قواه.
اليسار اليوم مطالب أن يراجع كل حساباته وان يتوقف مليا أمام هذا التشتت الذي لا معنى ولا مبرر له على الإطلاق.
مطالبون اليوم بان يتوجهوا لأنفسهم، لقواعدهم، لجمهورهم في استفتاء عام حول موضوعة وحدة التيار الديمقراطي الفلسطيني والا فإنني أبشرهم جميعا بان مصيرهم الهلاك ولن يرحمهم احد من شعب لم يرحموه هم من تفرقهم وتشتتهم وخلافاتهم الغير مبداية، فلا يوجد لا في برامجهم ولا في سياساتهم ولا في بناهم التنظيمية والحزبية ما يبرر استمرار فرقتهم اللهم إلا كراسي زعمائهم الذين يرفضون التنازل عنها أبدا.
اليساريون ألان وفي مقدمتهم الجبهتان الديمقراطية والشعبية مطالبون بان يقفوا أمام جمهورهم مؤيديهم وأمام الشعب كل الشعب وخصوصا الطبقات الفقيرة منه ليجيبوا على أسئلة الناس، لماذا لا تتحدوا في جبهة يسارية عريضة موحده على قاعدة برنامج يلتفت جذريا لقضايا الشعب وطبقاته الفقيرة تحديدا، عليهم أن يجيبوا على أسئلة المثقفين الذين ينتمون إلى فلسفتهم فلسفة الانحياز لصالح الطبقات الفقيرة بكل الوضوح والشفافية، عليهم أن يجدوا الآلية التي توحد كل قوى اليسار وجمهوره في جبهة موحده ببرنامج موحد يلتفت جديا لقضايا الناس الغلابى ولا يتحجر ميتا أمام الشعارات السياسية الطنانه.
أزمة ماذا إذن هي أزمة اليسار، هل هي أزمة الفكر التقدمي الذي وجد نفسه وحيدا بعد انهيار قوة المثال ممثلة بالاتحاد السوفياتي وشعور قوى اليسار العربي عامة والفلسطيني خاصة أنهم باتوا بدون سند على المستوى الدولي وان ما قالوا به من نظريات عن دور وأهمية الاتحاد السوفياتي بات لا يساوي الورق الذي كتب عليه ولذا تراجع البعض كليا عن الفكر الذي آمنوا به عمرا طويلا وبدل أن يقرأوا الحدث ويعيدوا حساباتهم سارع البعض منهم لنفي تهمة الانتماء للفكر التقدمي، أم هي أزمة التدخلات في السياسة الوطنية الفلسطينية أزمة البحث عن ملاذ ونصير وعون كما اعتاد الفلسطينيون طوال عقود من الزمن في التسابق على نصرتهم والالتصاق بتجربتهم وأسمائهم والآن كل شيء تغير فقبيل احتلال الكويت وصل الأمر بدول الخليج إلى محاولة استرضاء قوى اليسار الفلسطيني وقد استقبلت الكويت آنذاك كل من نايف حواتمه وجورج حبش وكان ذلك إشارة واضحة على تزايد تأثير اليسار الفلسطيني والعربي في الرأي العام والوضع العربي وأصبح بامكان شخوص مثل حواتمه وحبش أن يقرعوا أبواب الأنظمة العربية التقليدية والمحافظة، أم أن أزمة اليسار الفلسطيني هي أزمة الشخصنة التي تحيل الأحزاب والحركات الثورية إلى ممالك للإفراد تموت بموتهم فقط وتستمر باستمرار حياتهم.
انتخابات الرئاسة الفلسطينية تلقي بسؤال كبير في وجه كل من يعتقدون أنهم ينتمون إلى اليسار الفلسطيني، لماذا تفرقتم لماذا يرشح حزب الشعب مرشحا في وجه مرشح الديمقراطية وتلجأ الجبهة الشعبية لتأييد مرشح لا يمت بصلة لبرنامجها ومواقفها وتصمت قوى أخرى مثل فدا والقيادة العامة والنضال والعربية والفلسطينية حتى عن إبداء الرأي أو إعلان تأييدها لهذا المرشح أو ذاك أو لإعلان معارضتها لكل العملية الانتخابية فالبعض من أدعياء الانتماء إلى التيار الديمقراطي واليساري غائبون كليا حتى عن مجرد قول كلمة حق.
لم يفت الوقت بعد عن لقاء موسع وفوري لقوى اليسار والديمقراطية للاتفاق على مرشح واحد حقيقي يملك فرصا معقولة ولو لإثبات قوة التيار الديمقراطي على الساحة الفلسطينية، أن من المفيد اليوم أن يتم التوافق بين مرشح الديمقراطية ومرشح حزب الشعب ومن ينتمي لعالم الديمقراطية واليسار قوى والشخوص أن يتكاتفوا معا ليقولوا للعالم وللشعب الذي ينتمون إليه أولا أنهم يمثلون قوة حقيقية وليس مجرد أرقام هامشية متفرقة ومتخاصمة إلى حد العداء المستحكم على ما يبدو.