بداية أود التعبير عن إحترامى وتقديرى لقيمة المفكر والكاتب المستشار طارق البشرى ودوره الفاعل والمؤثر فى الحياة الثقافية المصرية وكذلك الدكتور محمد سليم العوا الكاتب الإسلامى المستنير وأبعث اليهم من خلال مقالى بإيلاف بأحر وأصدق التحية والتقدير.

إذا كان الخلاف رحمة فالحوار والرآى الأخر فضيلة وما ذكره مفكرينا الكبار فى موضعين مختلفين يحتاج الى مراجعة هادئة ومتأنية:

د.محمد سليم العوا: كتب الرجل تلخيصا لأحاديثه ورؤاه ملخصها مانشيتات رئيسية وفرعية جاءت كالتالى " بالوئام نحيا وبالبغضاء نفنى" وهذا كلام حسن يتفق ومفهوم المواطنة والتعايش بين كافة الثقافات الدينية المختلفة طالما ضمها وطن واحد.
يمضى الكاتب ويضيف كلاما

أكثر إستحسانا قائلا " لا أحد من المسلمين أو الأقباط يستطيع أن يحيا الإ بالوئام والتراضى ويطالب بأن يصدر تشريع موحد لبناء دور العبادة للمصريين جميعا".

ثم نأتى الى مانشيت وهو بيت القصيد بمقالى هذا بعنوان " ولاية الكنيسة تقتصر فقط على الشعائر الدينية...وليست لها ولاية على أبدان الناس وعقولهم ".
هناك أتفق وبشدة مع طرح الدكتور العوا ولكنى أرى الدعوة منقوصة غير مكتملة، تنقصها أن يدعو بالمثل الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة علماء المسلمين وكافة المرجعيات الدينية الأخرى بأن تقصر ولاياتها على الشعائر الدينية وأن تترك أبدان الناس وعقولهم، فما حدث من الكنيسة المصرية هو جزء من مناخ عام مشبع بتغلغل المؤسسات الدينية فى الشأن العام ولم تنفرد به الكنيسة وحدها بل سبقته اليها مصادرات مجمع البحوث الأسلامية وفتاوى التكفير والقتل وممارسات الذبح الشرعى وكذلك الدفاع عن حق ممارسة الإيذاء البدنى للزوجة المسلمة (ضرب الزوجات) ولقد دافع عنه كاتبنا وله رأى مساند لذلك فى مواضع أخرى.

مانشيت أخر "مطلوب من النائب العام أن يأمر بالتحقيق فى واقعة إختطاف الكنيسة لمواطنتين مصريتين " يقصد الكاتب السيدة وفاء قسطنطين زوجة الكاهن المسيحى وصاحبة الأزمة الشهيرة ولا أعرف لماذا يتجاهل الكاتب بيان النائب العام حول واقعة السيدة وفاء وبصرف النظر حول ملابسات ما حدث وإختلافنا أو إتفاقنا معه فإن هناك بيان رسمى من النائب العام المصرى -الذى لايشكك أحدا فى نزاهته- بعودة السيدة بعد جلسات النصح والإرشاد الى المسيحية التى إختارتها. وهنا تصبح دعوى د.العوا غير ذى موضوع.

إن الحل المطروح لابد وأن يكون مكتملا غير منقوص أو مقصور على فئة أوجماعة دون أخرى فبجانب قصر ولاية المؤسسات والمرجعيات الدينية على الشعائر فقط هناك حلم الديمقراطية والدولة المدنية التى تمثل مجتمعة طوق نجاة لما نحن فيه الآن ونعيشه من تراجع وتخلف حضارى.

المستشار طارق البشرى: كتب الاستاذ طارق البشرى مقالا مطولا حول نفس الأزمة وتناول بالتحليل والرصد لما أسماه بالحقيقة الغائبة متناولا ماحدث بخلاصة مؤداها على حد قوله"خلاصة الأمر أن دولة مستبدة وهنت فأعطت جزءاً من إستبدادها للكنيسة الأرثوذكسية" أتفق مع خلاصة المفكر الكبير الأستاذ طارق البشرى ولكنى أراها أيضا منقوصة غير مكتملة فعندما وهنت الدولة المستبدة على حد قوله لم تعط للكنيسة فقط جزءاُ من إستبدادها بل سبقتها بإعطاء ثلاث أرباع الاستبداد للمؤسسة الدينية الاسلامية الرسمية والموازية أى الشعبية (ليست سوق الصرف الموازية وهو تعبير تستخدمه الصحافة كمرادف للسوق السوداء للعملة). والمظاهر متعددة ولاداعى لذكرها مرة أخرى فلقد سبق وأن أشرت اليها فى مقالات سابقة.

إن خلاصة الأمرهو أن تسترد الدولة هيبتها بإعلاء قيم المجتمع المدنى غير مفارق لروح العصر بل متوافق معه وإقامة مجتمع ديمقراطى بناء يساهم فى دفع الحضارة الإنسانية للأمام و يمتص الصدمات العرقية والطائفية ولاينتقص بذات الوقت من الخصوصيات الثقافية والحريات الدينية وممارستها للمسلمين والمسيحيين معا فى جو ومناخ حقيقى غير ز ائف من الود والوئام ترتفع فيه راية الوطن الذى هان.
وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن تصريح الرئيس مبارك بإن مسيحيو مصر ليسوا أقلية بل هم أصل الوطن كالمسلمون تماما هوتصريح يسير نحو إسترداد الدولة لهيبتها وإعلاء قيم المواطنة الغائبة ومعبر تماما عن وعى حقيقى بالأمن القومى المصرى.

أسامة البرهامى
[email protected]