ماذا نفعل اذا أمسكنا بارهابي قد وضع عبوة ناسفة في سوق الشورجة ببغداد ؟ ماذا نفعل لنتعرف على مكان العبوة الناسفة وننقذ ارواح عشرات الأبرياء؟ اذا لم نعذب هذا الأرهابي تطبيقا لمباديء حقوق الأنسان فأننا سنضحي بحياة عشرات الأبرياء، وان عذبناه وفككنا العبوة الناسفة نكون قد انقذنا عشرات الأبرياء ولكننا في نفس الوقت نكون قد انتهكنا مباديء حقوق الأنسان، وسنتعرض لأدانة منظمات حقوق الأنسان، وربما يتعرض القائمون على تعذيب الأرهابي الى عقوبات شديدة حسب القوانين الدولية. ماذا نفعل اذا امسكنا بالزرقاوي او بسبعاوي او بيونس احمد ورفضوا اعطاء اي معلومات للمحققين عن الشبكات الأرهابية التي تنشر الموت في انحاء العراق؟ اذا لم نعذبهم تبقى شبكاتهم تحصد بارواح البرياء واذا عذبناهم انتهكنا القوانين الدولية الخاصة بحقوق الأنسان. ؟

هذه ليست اسئلة افتراضية بل هي وقائع ملموسة ومشكلة كبيرة تواجهها الدول التي تخوض حربا ضد الأرهابيين وفي مقدمتها العراق.

الحكومة العراقية تتعرض الأن الى حملة دولية متصاعدة تتهمها بأنتهاك حقوق الأرهابيين.(( مع العلم ان التعذيب في العراق الأن محدود جدا، وان حصل فهو لايشمل العناصر الأرهابية المهمة والقيادية مثل صدام وعلي الكيمياوي الذين يملكون معلومات امنية حساسة جدا، كما ان هناك آراء من داخل العراق تقول ان عناصر النظام السابق التي تسللت الى الأجهزة الأمنية الجديدة تمارس تعذيب الأبرياء فقط للأساءة الى سمعة الوضع الجديد ))

عموما تتصاعد الآن حملة منظمات حقوق الأنسان ضد الحكومة العراقية وضد قوات اللأئتلاف الدولي الموجودة في العراق، وقد شاركت منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية بهذه الحملة وقالت سارة لي ويتسون المدير التنفيذي للمنظمة لقسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا (( من المؤسف ان تستمر معاناة الشعب العراقي من حكومة تتصرف وهي بمأمن من العقاب فيما يتعلق بمعاملتها للمحتجزين )) واضافت (( تواجه قوات الأمن العراقية بالتاكيد تحديات هامة بما في ذلك تمرد يستهدف المدنيين... اننا ندين وحشية المتمردين بكل قوة ولكن القانون الدولي واضح لابس فيه فيما يتعلق بهذه النقطة. لايمكن لاية حكومة ان تبرر تعذيب المحتجزين بأسم الأمن )) فالمدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش تعترف ان ( المحتجزين ) يستهدفون قتل المدنيين الأبرياء ومع هذا فانها، وطبقا للقانون الدولي، ( تعتبر ) ان حقوقهم الأنسانية اهم من حقوق المدنيين الأبرياء الذين حصدت وتحصد ارواحهم العمليات الأرهابية التي قام بها ( المحتجزون ) ورفاقهم، وتأسف لأن الحكومة ( بمأمن من العقاب )!! ماذا يعني هذا بالنسبة للاسئلة التي طرحناها في البداية؟ يعني انه لايجوز لنا تعذيب الأرهابي الذي وضع العبوة الناسفة في سوق الشورجة وسنترك عشرات الأبرياء تحصد ارواحهم عبوة ( البعث ) الناسفة !! وحين نلقي القبض على الزرقاوي او السبعاوي او يونس احمد فيجب علينا ان نقدس انسانيتهم ونعاملهم كبشر يتمتعون بكل الحقوق الأنسانية ( كما يعامل المجرم صدام الآن ) ونكتفي ( بادانة وحشيتهم ) في وسائل الأعلام ؟ وطبعا، وفي هذه الحالة، ستبقى شبكاتهم الأرهابية حرة طليقة تواصل قتل الأبرياء !! هل هذا عدلا حقا أم مهزلة بشرية ؟ هل ان القانون الدولي الخاص بحقوق الأنسان، في حالة العراق، ينصف الشعب العراقي الذي يتعرض للقتل المجاني على يد الأرهابيين ام يدعم الأرهابيين ؟ وهل من حق ابناء العراق اقامة دعوى ضد لجنة حقوق الأنسان التابعة للأمم المتحدة التي تدين الأرهاب لفظا وتدعمه عمليا من خلال ( منع ) الحكومة العراقية من ممارسة اي ضغوط تجبر الأرهابين المعتقلين على اعطاء معلومات تنقذ مئات المدنيين الأبرياء ؟او هل من حق ذوي ضحايا الأرهاب في العراق اقأمة دعوى ضد اجهزة الأمن التي لم تعذب الأرهابي في مثلنا السابق وتركت العبوة تنفجر في سوق الشورجة؟ هذه قضايا اشكالية كبيرة تواجه المجتمع البشري الآن وتؤكد على ضرورة اعادة النظر بالقوانين الدولية الخاصة بحقوق الأنسان وبمباديء حقوق الأنسان نفسها.

لاشك ان منظمات حقوق الأنسان هي منظمات نبيلة انشئت لخدمة الأنسان الذي يتعرض للاضطهاد والتعذيب في ظل الأنظمة الأرهابية بسبب آرائه ومعتقداته، كما ان القوانين الدولية الخاصة بحقوق الأنسان قد وضعت لحماية الأنسان من التعسف والأضطهاد، ولايستطيع احد ان ينكر ان اقرار العهد الدولي الخاص بحقوق الانسان هو انتصار كبير للبشرية، غير انه ولأسباب تأريخية تتعلق بظروف كتابة واقرار الأعلان العالمي لحقوق الأنسان في عام 1948 تم التشديد على قدسية حقوق الأنسان لمقاومة ارث تأريخي راسخ يقوم على انتهاك حقوق الأنسان، كما ان ظاهرة الدول الخاضعة لأنظمة ديكتاتورية كانت ظاهرة منتشرة في اغلب مناطق العالم وقتذاك. كل هذه الأمور اوجبت التشديد على مباديء حقوق الأنسان لحماية الأنسان من الأضطهاد وخاصة التعذيب اثناء الأعتقال الذي من المحتمل ان يتعرض له ابرياء. ان واضعي القوانين الدولية الحافظة لحقوق الأنسان يدركون استفادة المجرمين ( اعداء الأنسانية ) من هذه القوانين، ولكن نجاة مجرم من العقاب بسبب تعرضه لمعاملة انسانية اثناء التحقيق اهون من تعذيب انسان بريء، فأي معتقل يحتمل ان يكون بريئا، لأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، وقد مكن التطور العلمي والتقني من ابتكار وسائل انسانية لكشف الجريمة والمجرمين. كل هذه الأمور صحيحة وتشير الى ضرورة الألتزام بمعايير حقوق الأنسان اثناء التحقيق مع المتهمين، ولكن في ظروف مشابهه لظروف العراق وبوجود حالات عديدة جدا تشبه الأمثلة التي اوردناها في البداية تصبح اعادة النظر بالقوانين الدولية الخاصة بحقوق الأنسان بما يحمي المدنيين من وحشية وقساوة ولاانسانية الأرهابيين، الذين يتفاخرون علنا بأستهدافهم للمدنيين، امرا ملحا وضروريا، ويجب على لجنة حقوق الأنسان التابعة لللأمم المتحدة ان تعيد كتابة قوانين حقوق الأنسان كي تشمل المباديء التالية:

اولا: يحرم كل من يلجيء، لتحقيق اغراض سياسية، الى اساليب عنفية ضد المجتمع والدولة، وخاصة التي تستهدف المدنيين، من كل حقوق مدنية وانسانية، بشرط قيام الحكومة في الدولة المعنية بتوفير كل وسائل الأعتراض والأحتجاج السلميين للمواطنين افرادا وجماعات. ففي كل بلد ديمقراطي يؤمن لأبناء شعبه ظروف مناسبة للمعارضة السلمية بانواعها يصبح اللجوء للعنف سالبا للحقوق المدنية والأنسانية لممارسي العنف.

وبهذا يصبح تعريف الأرهاب المحلي كالتالي: كل عمل عنفي يستهدف المجتمع والدولة من اجل فرض مواقف او اراء سياسية او فكرية، في حال توفر البدائل السلمية وفي ظل نظام ديمقراطي حقيقي، كما انه اي عمل عنفي يستهدف المدنيين في كل الأحوال. ويشمل هذا التعريف فلسطين واسرائيل والعراق، وبغض النظر عن وجود او عدم وجود احتلال اجنبي، لأن توفر السبل السلمية يجعل السبل العنفية محرمة انسانيا، وكل هدف مهما كان نوعه يمكن الوصول اليه بطرق سلمية لايجوز محاولة تحقيقه بطرق عنفية، خاصة اذا كان العنف سيمس حياة المدنيين.

ثانيا: اما في الدول غير الديمقراطية والتي تمنع فيها وسائل المعارضة والأحتجاج السلميين ( كالاحزاب والجمعيات والنقابات المهنية الحرّة ووسائل النشر وايصال الراي والتظاهر والأحتجاج السلميين وغيرها من وسائل المعارضة السلمية ) ففي هذه الحالة يجوزللمواطنين اللجوء للوسائل العنفية ضد السلطة الديكتاتورية ( التي هي بالضرورة تمارس العنف ضد المجتمع كوسيلة لبقائها في السلطة ) بشرط ان لايمس العنف المدنيين ويقتصر على مقارعة قوات السلطة الديكتاتورية، ويجب الحرص في هذه الحالة على تجنيب المدنيين واماكن تواجدهم اي اضرار جانبية، فلايجوز مثلا استخدام المناطق الآهلة بالمدنيين كقواعد عسكرية لمقارعة السلطة الأرهابية، لأن الحفاظ على حياة المدنيين اهم من تحقيق اية مكاسب سياسية.

ثالثا: في ظل نظام ديمقراطي وفي ظل توفر كل وسائل المعارضة والأحتجاج السلميين، يجوزللحكومات اللجوء لأستخدام الضغط النفسي والجسدي ضد المتهمين بالضلوع في نشاط ارهابي في الحالات المحددة التالية وبشرط عدم اللجوء الى ممارسات وحشية كالاغتصاب او التحرّش الجنسيين:

اليف: اذا كان المتهم شخصية معروفة بنشاطه الأرهابي كقياديي البعث العراقي وقياديي السلفيين امثال بن لادن والزرقاوي الذين يعترفون علنا في وسائل الأعلام بضلوعهم في الأرهاب.

باء: من يلقى القبض عليه وهو متلبس بممارسة الأرهاب، كالقاء القبض عليه وهو يقوم بزرع عبوات ناسفة او اعتقاله بعد الأشتباك المسلح معه، او حيازته على اسلحة ومتفجرات تشير بوضوح الى كونها ادوات جرائم ارهابية.

جيم: اذا كانت هيئة التحقيق لديها معلومات مؤكدة عن معرفة المتهم بوجود عبوات ناسفة او سامة سيسبب انفجارها بسقوط ضحايا، او معرفته بشبكة ارهابية يشكل وجودها حرة طليقة خطرا على حياة ابناء الشعب.

دال: يجب اعتبار اللجوء لوسائل التحقيق العنفية في تلك الحالات المحددة كآخر اجراء يلجأ اليه المحقق وعند الضرورة القصوى.

ان وجود مثل هذه المباديء العادلة في القوانين الخاصة بحقوق الأنسان تتماشى مع الغرض الأساسي الذي انشئت من اجله قوانين حقوق الأنسان، كما انها تشكل حماية للبشرية من اجرام الأرهابيين، وتشكل مساهمة كبرى في مكافحة الأرهاب الدولي، ودعمأ للأنظمة الديمقراطية ومحاصرة للأنظمة الأرهابية. ان العدالة هي مبتغى القوانين الوضعية والسماوية ومتى ماتعارضت القوانين مع العدالة واصبحت معرقلة لتحققها يجب اعادة النظر فيها وتغييرها لصالح العدالة. وليس من العدالة في شيء التضحية بحياة عشرات او مئات المدنيين الأبرياء من اجل حماية مجرم يتفاخر علنا بقتله الأبرياء.

[email protected]