أبيض ذلكَ الصباح الذي قادنا نحوَ صناديق الأقتراع
الوجوه كانت طافحة بالبياض
الملابس كذلك كانت بيضاء
وحتى العباءات خلتُ البياض يُكللها.
أبيض كان صندوق الأقتراع، غير أن الحبر كان يميلُ إلى اللون الأرجواني.
ياإلهي ماأروع هذا اليوم الذي توحدت فيه القلوب، وهي تقول كلمتها دونَ أن تحاذرَ عيناً ترقبها أو بندقية تتوعدها بالقصاص إن لم تكن نسبة التصويت 99و99%.
كان كل شيء في ذلكَ اليوم الأنتخابي يضجُ بالحياة،
هذا ينتخبُ القائمة الفلانية وذاكَ ينتخبُ الأخرى تأملتُ المشهد، لم أرَ غيرَ لوحة باهرة الألوان تشكلها الأجساد العراقية المتراصة المتلهفة للوصول لصناديق الأقتراع.
القائمة طويلة حتى أن من يقرأها يقف حائراً أمام هذا التنوع الوطني العجيب، الذي يسعى لخلق عراق جديد، عراق يعود لأهلهِ بعدَ ضياع طويل.
الآن فقط أحسست بعراقيَّتي وأنا أختار بحرية لم أعهدها من قبل، القائمة الأقرب إلى قلبي.
تعالوا نرمِ بحجرٍ تلكَ الأيام السود التي كانت تؤثث دروبنا بالحفر.
تعالوا نفتخر أجل نفتخر على شعوب العالم جميعها ولم لا.... أرأيتم شعباً يمضي نحوَ صناديق الأقتراع فيما كمائن الموت تتوزع في الطرقات؟
نحنُ اقترعنا من أجلِ عراقٍ حرٍ ديمقراطي موحد اقترعنا لنحرر رقابنا من يد التواجد العسكري الذي بإقتراعنا تكون بداية إنتهاء مهمتهِ.
سلاماً على تلكَ الصدور العراقية التي تصدت لنيران الخراب فأبعدتها عن صناديق الأقتراع.
سلاماً على العيون التي بقيت منتبهة تترصد خطوات الخراب فتعيقها، بل تمنعها من الوصول لمقاصدها.
ليس منا من هوَ ليسَ معنا.
ألا يعني زحف هذهِ الملايين الهائلة نحوَ صناديق الأقتراع رفضاً لظلامية العنف التي تحاول أن تطفأ النور العراقي؟
ألا يعني أنها معَ العراق وليس معَ أعداءه؟
ألا تعني هذهِ الرسالة شيئاً للظلاميين؟
أيقدر من يحمل الظلام بقلبهِ أن يطفئ نور ملايين الأقمار التي توهجَ نورها يوم الأقتراع.
في المنافي تباينت طقوس الأقتراع من دولة لأخرى، حيث في كندا وزعنَّ العراقيات الحلوى والكليجة على المقترعين، فيما تصدى الأبطال الشجعان في استراليا لحفنة من الظلاميين الذين حاولوا إفساد يوم الأقتراع فِأشبعوهم ضرباً، وفي أمريكا كانَ للعرس هناكَ طعماً آخر... وهكذا تساقطت غيوم المحبة فوق رؤوس المقترعين لتغمرهم بالفرح الأبدي.
وطني أيها السائر بثبات على الطريق الصحيحة العالم يرفعُ قبعتهُ إحتراماً لأصراركَ على المضي نحوَ المجد، ومن ثمَ ينحني إجلالاً لمهابتكَ.
وطني أودعناكَ محبتنا ونحنُ نضع بطاقاتنا الأنتخابية في صناديق الأقتراع، لنرفعكَ فوقَ رؤوسنا كصينيةِ عرسٍ مليئة بالشموع والحناء.
وطني من تخلف عن إضاءةِ إصبعه بحبرِ كبرياءكَ خسرَ اللحظة التي إمتلكنا فيها أنفسنا فبقي هوَ أسير عبوديته، فيما نحنُ مضينا نكتب نشيد الحرية بروعةِ ذلكَ الحبرِ السحري.


نوال الغانم
فنانة تشكيلية عراقية/ استراليا

[email protected]