ولنبدا بالاخوة الفلسطينين، وليعذرونا لتدخلنا في شؤونهم، فهم الذين فتحوا لنا الابواب، عندما تنادت الغالبية لمساندة صدام سفاح العراق، ولن نرجع الى 1947 والفرص الضائعة، بل لنرجع الى ايلول سنة 2000، كانت السلطة الفلسطينية تحكم مدن عديدة في الضفة الغربية واغلب قطاع غزة، هذا رغم عمليات حماس والجهاد الاستخرابية (اعتقد كلمة مناسبة لما سمي بالعمليات الاستشهادية والتي كانت في الواقع تخريبية)، فكل خطوة الى الامام سياسيا كانت هاتين المنظمتين تقومان بعمل استخرابي لتدمير مسيرة السلام الطرية، ولتحجيم عرفات وسلطته، بأسم الاسلام ومقدساته، وبما ان اكثر ضحايا عمليات حماس والجهاد كانوا من اليهود، فلا بأس، ان قتل الاسرائليين ما يماثلهم او اكثر من الفلسطينيين، فالامهات الفلسطينيات منجبات ولودات.

ويقوم شارون بزيارة المسجد الاقصى، ويقال انه بهذه الزيارة نجسه، لم يقل لنا احد كيف، وكيف لانسان ان ينجس بيت عبادة، او بيت الرحمن كما يحلو للبعض ان يقول، واندلعت شرارة الانتفاضة، ولا زالت، فمنذ الانتفاضة ولحد الان كم فلسطيني قتل وكم اسرائيلي، كم دار هدمت، كم عدد المعاقين والذين اصيبوا، ماهي الخسائر الاقتصادية وهل قدرت؟ بكم سيقدر الزمن المهدور، والذي كان يرجى ان يستغل في عملية البناء؟ لا اعتقد ان لدى احد الاجوبة، عدى الاسرائيليين، لانهم يحترمون البشر والزمن ويدركون ان الاقتصاد هو المعيار الاهم في قوة ومنعة البلدان.

وهاهو محمود عباس يناضل ويجتهد، ليس لاجل المزيد من اسباب الحرية والاستقلالية، بل لكي يرجع الى ما كان عليه الوضع عام 2000، من السبب؟ اسألوا استخرابيوا حماس والجهاد، لان عرفات تخلص من المسألة، ولكن ان سألتموهم ماذا سيكون الجواب، بكل صلافة سيكون ان اسرائيل خرجت من القطاع جراء خسائرها، ولن يقولوا انها كانت قد خرجت اصلا عام 2000، الا من بعض المستوطنات، التي كان بحكم الواقع خروجها منها.

لبنان، سويسرا الشرق، البلد الاكثر تقدما برغم قلة موارده، اشعلت فيه حربا لتدمير كل ماهو جميل، فبعد فشل العرب في رمي اسرائيل في البحر، حملوا المسؤولية للبنان وخصوصا ان المرحوم الملك حسين كان مسنودا، فاخرج تخريبيوا فلسطين من بلده وهم يجرون اذيال الخيبة، لحكم اضاعوه باستعجال ممارسة سلطة لم يمنحها لهم احد، فكان حائط لبنان انصى، ويمكن للكل تسلقه، وسار مع قافلة المتسلقيين سنة لبنا وبعض دروزه ويساريه وتبعهم الشيعة، والعرب الاعراب، او اغلبهم جزلون فرحا للانتصارات التي يحققها العروبيون على الانعزاليون، وتم لجم الحرية ودمر الاقتصاد ونزلت الليرة الى الدرك الحضيض، وعندما تدخل العرب، لانقاذ لبنان من فتنتهم التي زرعوها فيه وبواسطة بعض ابنائه وباتفاق القاهرة المشؤم، زرعوا السوريين قييمين عليه، كل شاردة وواردة بامرهم، السوريين الذين يدافعون من اجل حرية فلسطين من النهر الى البحر، لم يحتلوا لبنان بل دخلوا كل ثناياه، فصادروا القرار والاقتصاد. وتم في الثمانينات قبر اتفاقية 17 ايار، ولا زال لبنان غير مستقر، ولا يزال فيه مسلحون، يعملون ما يحلو لهم ويحملون الشعب اللبناني التبعات، وكأن لا حكومة ولا استقلال، لم تعلن اسرائيل نيتها ضم جنوب لبنان، بل صرحت مرارا انها ترغب الجلاء، فقط بشرط ان لا يكون مقرا لانطلاق العدوان، ولكن العروبيون يريدون انتصارا، واسرائيل منحته لهم بعد اكثر من عشرين سنة من الاحتلال، وبرغم من تواجد القوات السورية التي كان ممنوعا عليا عبور خط معين، و بعد كل هذا الزمن جلت اسرائيل، جلت من ارض قالت انها لا تريدها، وليس لها فيها اطماع، ولكن اللبنانين فقدوا زمن كان ممكنا فيه انجاز الكثير، ولكن هل للزمن قيمة في عالم العرب.

حزب الله، ولله احزابا تقتل وتدمر وتستخبر وتعتدي وتأخذ الابرياء رهائن يباعون في سوق النخاسة، حزب الله وتاريخه الدموي، هل له من دور بعد الان، فاذا كان العرب لا يزالون يبكون ويريدون الانتقام لضياع جنتهم في الاندلس، مع العلم انهم ما كانوا الا مستعمرين ومستوطنين على املاك الغير، ما كانوا الا سراق نعمة من افواه من ينتج القوت ليسدوا رمق ابنائهم الكسلة، فهل يريدون من العالم ان ينسى جرائم خطف الرهائن ولا زالت الذاكرة طرية، هذا الحزب لم يكن للتحرير، لان التحرير كان سيتحقق اجلا ام عاجلا، ولماذا لا يكون باتفاق، الا يتفق كل العربان علنا واكثرهم سرا، فلماذا حرموا لبنان من حق سيادي، هل لانه................، ام لانه العضو الضعيف، الذي يمكن في كل لحظة استعماله لارسال رسائل الى جهات دولية. حزب الله كان لعبة ايرانية سورية لبناء مركز اقليمي، ليس باقتصاد قوي، ليس بنظام ديمقراطي وانسان حر، بل بالقنابل والرهائن، ها هي الدائرة تدور، وقد اقترب زمن دفع التكاليف.

ولنأتي الى الشقيقة الكبرى ولا نقصد مصر بل سوريا وان كانت الاولى لاتختلف عن الاخرين الا بمقدار التخلف، حصن العرب الحصين، على ماذا تختلف مع اسرائيل، تدعي انها تحارب من اجل بضعة امتار على ضفة بحيرة طبرية، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالقيادة ممكن ان تبيع اكثر من بضعة امتار، الحقيقة ان اسرائيل تطالب بتغيير نمط الانظمة، بتغيير شامل يشمل التربية والتعليم، والتاريخ الكاذب الملئ بالاحقاد، بانظمة ديمقراطية تنفذ الاتفاقات، وليس بانظمة لا تعترف بقانون ولا بمعاهدة، انما السياسية عندها الفهلوة والكذب والدجل، واول ضحايا هذه الانظمة هو شعوبها المبتلية بها، هذه الشعوب التي تعيش رعبا حقيقيا، لانها تشعر بانها مهددة في ارضها وعرضها ودينها، وياله من ثالوث مقدس، والحقيقة ان اطراف الثالوث كلها مستباحة، ولكن من قبل الانظمة، ومنها النظام السوري، الذي لم يقدم لشعبه غير الشعارات وحروبه الوهمية، واعتقاده بأنه مركزالكون ولا شئ يسير بدون اذن منه، واليوم برغم الصياح والادعاع الكاذب، يخرجون من لبنان وهو اي النظام يجر اذياب الخيبة والعار، دولة عربية تدخل بحجة مساعدة شقيقتها، تخرج بعد ثلاثون عاماوبعد ان عصرتها، وخروجها جاء بأمر سيد العالم المطاع، وهذه هي احدى انواع الاخوة، ومثلها التي مارسها صدام مع الشقيقة الكويت، ومثلها ما مارسه الفلسطينيين مع اللبنانيين ومع الاردنيين، وما مارسه السوريين مع الفلسطينيين وكذلك الليبين، بحيث ان كل قتلى الفلسطينيين مع الاسرائليين لا تتعدى نصف قتلاهم او اقل مع الانظمة العروبية، ويا جبل ما هزك الريح.

اما في الخليج، فالثروات التي هباها الله، لم تصرف في انماء البشر، ولو كانت لما شاهدنا في مناطق كثيرة الوضع الانساني مزري، في ارياف وبعض الدول الاخرى من المنطقة، لا زال البشر لا يعرف اسباب الحضارة وتسهيلاتها، فكل البذخ وما نشاهده من العمران لم يطل الانسان، انها صورة خارجية جميلة لواقع بأس مزري، واقع تعشش فيه ونتيجة لثقافة تلقن الخوف من الخارجي، ليس لان هناك ما يخاف منه بل، لكي لا يطلع ى المواطن العادي على انجازات الاخرين في مجال حقوق الانسان ويطالب بها، كانت عملية مدبرة لكي تحمي الانظمة نفسها بها، من المواطن الواعي المدرك، من المسألة بأي حق يمتلك هذا ولا يمتلك ذاك، هل ان المعلقة الذهبية تكون لشخص ما لمجرد انتسابه او حمله للقب معين؟

وهكذا تم محاصرة الانسان، من الداخل بالاضظهاد الممنهج ومن الخارج بالمخاوف على الثالوث المقدس (الارض والعرض والدين)، فخرج الارهاب، ليقاتل ويذبح ويزرع الرعب. ان الاموال التي هطلت على هذه الدول، لم تستغل الاستغلال الامثل فالكثير منها، باسم حماية الدين وبناء الجوامع وتربية الايتام، وجد طريقه الى الارهاب والارهابيين، وفي الغالب بعلم
و بتخطيط رسمي، فمن سيدفع فاتورة الارهاب، انها الاوطان والشعوب، تدفعها مرة في الزمن المهدور، ومرة في وجوب ولوج العصر، بعملية قيصرية، بعد ان افقدنا حكامنا ولوجه بشكل طبيعي وسلسل كبقية خلق الله.

ان الارهابيين والارهاب، والمتشددين الاصوليين، صنيعة الانظمة، التي كانت تتحجج بهم لكي لا تطبق معاير يتطلبها العصر، معاير باتت مطلوبة وواجبة التطبيق، لانه مسار انساني، هل كان الاتحاد السوفياتي مضطرا لتوقيع معاهدة هلسنكي، ام انه خضوع لمسار ما كان ممكنا التهرب منه؟ علما ان توقيع الاتحاد السوفياتي لهذه المعاهدة كان المسمار الاول في نعش نظامه.

فيا شعوب الشرق الاوسط، العراقي الابي وبمساعدة دولية ازال اعتى الانظمة واكثرها تجبرا، اعملوا لكي تزيلوا هذه العروش البالية ولتعيشوا في دولة من صنع ايديكم دولة تحترمكم لانكم بشر، فكفى نفاقا بأسم القومية والدين، وكفى نفاقا بأسم القضية المركزية، التي لا احد يهتم بها حقا، بل هي ايضا شماعة من شماعاتنا التي نعلق عليها كل انتكاساتنا، فهبوا الى عالم الحرية، لان انظمتكم كلها مهترئة، فلا فرق بين نظام ملكي وجمهوملكي، فكلها عقبة امام تقدمكم عقبة امام دخولكم العصر.

تيري بطرس