كتبنا قبل أيام عن التحول الديمقراطي ( النسبي ) في بعض دول الجوار للعراق ولاسيما دول العربان، وكيف أنها بدأت تخطو الخطوات الأولى باتجاه الديمقراطية التي عبر عنها وليد جنبلاط الداعي لمقاومة الامريكان في العراق قبل شهر، والقائل اليوم ( شمس الديمقراطية سطعت من العراق )، هذه الشمس الساطعة التي أشرقت في يوم الثورة البنفسجية، لا بد وان تلقي بضلالها على الوضع العام للمنطقة، فبعد القليل من التحول في بعض الدول التي ذكرناها في المقال السابق الذي نشر في إيلاف، جاء دور الفلسطينيين وخصوصا بعض حركاته المتطرفة التي كانت تقاتل الاسرائيليين وتزج بالشباب للانتحار لتوعدهم بالجنة. وهنا اود ان اذكر ما قاله أخي الكبير وصديقي العزيز الدكتور أحمد ابو مطر في أحدى لقاءاته في الجزيرة حينما قال ( لماذا لا يرسل أحمد ياسن والرنتيسي ابنائهم لكي ينتحروا؟ أيريدون الجنة لأبناء الفقراء ويحرمونها على أبنائهم؟؟ ) تسائل مشروع من قبل الدكتور أبو مطر، هذا بعد أن علمنا ان أسباب الانتحار هي غالبا لم تاتي من عقيدة يؤمن بها اصحابها بل هم على صنفين الصنف الاول اغسلت أدمغتهم من بعض المشايخ لكي ينتحروا، بعد ان وعدوا بالغداء مع الرسول او الارتماء بحضن حورية مباشرة بعد ان تقطـّع أوصاله ويقتل بها مدني برئ او غير ذلك لا يهم، المهم ان تقتل اكبر عدد ممكن من الناس كما يحدث في العراق الان. أما الصنف الآخر من المنتحرين فهم أشبه بالمرتزقة، ذلك لسوء الوضع المعيشي وحالة البطالة التي تسببت بها وجود سلطة عرفات من جهة وتزايد العمليات الانتحارية من جهة اخرى مما منع الكثير من الفلسطينيين الدخول الى إسرائيل والعمل هناك، في بناء المستوطنات او العمل مع الشركات الاسرائيلية الأخرى، او بيع بضائعهم على ( المحتل ) الاسرائيلي، وأخيرا في بناء الجدار العازل الذي بني باسمنت عربي وتوريد فلسطيني وبناءه بأيدي فلسطينية !!!؟ مما دفع هذا الصنف الآخر لأن ينتحر، وذلك لآن الأموال كانت تسرق من قوت الشعب العراقي، في حين كان يجوع العراقي لكي يتم دفع عشرات الآلاف لعائلة المنتحر الفلسطيني، وكان احمد ياسين يوزع هذه الشيكات، وقد تناولت هذه الموضوعة في مقال سابق بُعيد مقتل ياسين وعرضت وقتها تصوير لفيديوا يوضح ذلك. فمن الطبيعي والحالة هذه ان يقوم البعض بتأمين قوت عوائلهم عبر هذه الطريقة، ولهذا نجد ان العمليات الانتحارية العنيفة قد انخفضت وبشكل كبير في المناطق الفلسطينية عندما تحول العراق الى بلد ديمقراطي الأول عربيا ً، وسيطر على أمواله، وتم وقف إهدار اموال الشعب التي كانت تعطى كهبات للمرتزقة العرب وغيرهم من اعلاميين وسياسيين وارهابيين ايضا.
اليوم وبعد مرور أكثر من اربع سنوات بما يعرف بالانتفاضة الفلسطينية التي قتل فيها الآلاف وجرح عشرات الآلاف وهدمت المئات من البيوت وشردت الكثير من العوائل، وتم اغتيال قادة حركاتها السياسية، ولغة السلاح والدم والانتحار التي لا تريد بعض الحركات التخلي عنها ! السؤال الذي يجب أن يطرح: ما هو المكسب الذي حققته هذه الانتفاضة؟ بعد سيل الدماء الكثيف؟ وماهي النتائج التي افرزتها؟ وهل حققت لغة السلاح تحرير شبر من ارض الفلسطينيين؟ وهل استطاعت المقاومة المسلحة أن تحقق الهدف المنشود؟؟. ابدا لم يتحقق كل ذلك بل العكس تماما، فكلنا يعلم بعد كل عملية انتحارية او مسلحة فلسطينية يأتي الرد الاسرائيلي بأعنف منه ويسقط الكثير من القتلى الأبرياء وتحرق وتهدم البيوت وتسحق قرى بأكملها، وتغتصب اراضي اخرى، وفوق كل ذلك يفقد الفلسطينيون تعاطفا دوليا وشعبيا لقضيتهم، فأنهم للاسف الشديد لم يحاولوا كسب العالم لجانبهم، ولم يتخذوا أي سبل اخرى لتحرير أرضهم وعلى الاقل بما ارتضوا به وهو حصولهم على ارض ما قبل الـ 67. ولهذا وبعد كل ما دفعوه من ثمن باهض لم يحصلوا على أي شيئ بل خسروا اكثر من السابق وبالنتيجة عادت اكبر حركات السلاح وهي حماس لتشارك بالعملية السياسية وستشارك بالانتخابات القادمة، ولو كتب لهذه الحركة وفازت ببعض المكاسب السياسية فستكون مرغمة على الجلوس مع الاسرائليين على طاولة مستديرة واحدة، بعد ان رفضوا الحوار معهم لسنوات طويلة ورفضهم للعملية السلمية. في خضم كل ذلك هل نستطيع القول ان حركة حماس أدركت خطأها الآن بأن لا جدوى من العنف ولغة السلاح؟ والحل الوحيد لحفظ الدماء وما تبقى من أرض هو المشاركة السياسية والانخراط في العملية السلمية؟؟ هل تيقنت حركة حماس الآن أن لا جدوى من هدر الدماء التي لم تسبب سوى الخسائر تلو الأخرى؟. اذا كان كذلك فلماذا لم تختصر حماس الطريق قبل سنوات وحفظت دماء أبنائها وبيوتهم وقراهم؟ ام أن لغة الدم التي اعتاد عليها العرب تاريخيا ستمكنهم من استرجاع حقوقهم؟. لكننا نرى ان شمس الديمقراطية العراقية التي قال عنها جنبلاط، هي التي أوصلت حماس وغيرها الى قناعة مفادها ان لا حل بالسلاح وان زمن استعراض العضلات قد ولى وان الديمقراطية مشرقة على منطقة الشرق الأوسط ليس لانها مطلب أميركي بل لانها مطلب جماهيري شعبي، ودلل ذلك خروج ثمانية ملايين ونصف مليون عراقي تحدوا كل الارهاب القادم من العرب ومشايخ الانتحار والتفخيخ، ليحدثوا ثورة بنفسجية سلمية قل نظيرها في العالم العربي والإسلامي، ليبرهنوا على أن صوت الديمقراطية هو اقوى من صوت السلاح والإرهاب. والســـــــلام.
13 / 3 / 2005
بهـاء الموسـوي
[email protected]