تعني كلمة الانجيل بالغة اليونانية البشارة، والانجيل باجزائة المختلفة، ونعني به العهد الجديد، هو بشارة لبني الانسان، تعني منحهم عهد امان، وتخليصهم من الخطيئة الاولى التي لازمتهم منذ ادم ابو البشر.

والتبشير، الكلمة عندما نسمعها تذهب مداركنا رأسا صوب التبشير برسالة السيد المسيح له المجد، ولا تذهب الى اي مدلول اخر، برغم من التبشير حالة يومية نمارسها، اعتقادا والتزاما او تقليدا.

فالتبشير هو الدعوة الى شئ اخر الى دين او حزب او فلسفة او ممارسة اخرى تخالف ما تعودنا عليه، وفي هذه الحالة ان الانظمة الدكتاتورية، او الشمولية والتي رأت ان البشر يجب ان يكونوا متساويين، فبدأت بالتأميم وتوحيد الزي والترويج لنوع معين من الفن كالغناء والموسيقى والادب، كانت هذه الانظمة تبشر بشئ جديد، وهنا نحن لسنا في مجال نجاحها او فشلها، ففرض الصرامة واللون الغامق وربط الرجولة به، وكل ما يميل الى الالوان الزاهية والرقة ربطة بالانوثة بمعناه السلبي هذا ايضا كان نوع من التبشير وان كان بقوة القانون المفروض من سلطة دكتاتورية.

والكثير منا ربما كان قد ارتدى التي شيرتات التي كان مكتوبا عليها دعوات الى المحبة والسلام ونبذ الحرب والعنف، التي ظهرت قبل انتهاء حرب فيتنام، ان هذه التي شيرتات كانت تحاول التبشير بفكرة جديدة لا بل تؤسس لفلسفة جديدة هي فلسفة السلام. اذا برغم ارتباط التبشير بمفهوم الدعوة الى المسيحية الا انه يمكن ان نمارسه للدعوة الى امور اخرى بعيدة كل البعد عن المسيحية، ولكن ارتباط التبشير بمفهوم الدعوة الى المسيحية شئ ايجابي بمعنى انها دعوة للفرح والسرور والحياة الجديدة التي ليس فيها موت، بمعنى موت الروح.

علة هذه المقدمة هو محاولة احد سياسينا الاشاوس تفسير وربط الاعتدأت التي اقترفت ضد المسيحيين وكنائسهم بقيام البعض بمهام تبشيرية، غامزا من طرف بعض الكنائس الحديثة، لا بل ان بعض رجال الدين ينفي القيام بالتبشير، وكأن المسألة اتهام يجب التخلص منه ونفيه، لا بل كان هنالك اقتناع حقا ان التبشير عمل غير قانوني.

في عام 1976 كنت جنديا في معسكر تدريب الحبانية، وكنا جميع افراد الدورة التدريبية من خريجي الكليات والمعاهد، وكان هنالك نشاط اسلامي واضح لمن يتبع ما يجري في المعسكر، فطلبت من احد الزملاء المسلمين ان يعرفني الى بعض النشطاء، وعندما استفسر مني عن السبب، وخصوصا هو كان يعرف انني مسيحي وكنت نشط في الدفاع عن الكثير من التشويهات التي كان بعض الاستاذة يرددونها بشأن المسيحيين، قلت له لكي اعرف اتجاه تفكيرهم والى ما يرمون، فعرفني الى شاب من معهد التكنولجيا، وفي نقاشنا الاول احسست انه يريد كسبي لاعتناق الاسلام، وان غرضه الوحيد هو هذا، فيما كان غرضي الاطلاع على فكرهم السياسي والى ما يرمون مستقبلا، طبعا وانا في الخارج تعرضت الى محاولات الاغراء لاعنتاق اديان مثل شهود يهوه والديانة الهندية مثل تأليه راما وكرشنا، غرضي من هذه التجارب ان كل واحد يتعرض لمثل هذه المحاولات، وان التبشير بالدين مسألة حق طبيعي للانسان، فان كان مقتنعا بشئ، ليس فيه احتقارا لفئة ما او تنقيصا من الكرامة الانسانية او دعوة لابادة اوقتل فئة محددة، فان التبشير حق يكفله القانون، وتكفله اغلب الدساتير وكذالك ميثاق حقوق الانسان، المصدق من اغلب دول العالم.

بنيت كنيسة المسيح على التبشير، فعند نزول روح القدس على تلاميذ يسوع المسيح، امرهم بأن يخرجوا للعالم ويبشروا باسم الاب والابن والروح القدس، وكنيستنا المشرقية بعد الانقسام الكنسي في منتصف القرن الخامس، استمرت بالتبشير لحد انه كان لها ابرشيات في الهند والصين وسيبيريا ومنغوليا الى عمان والبحرين (دلمون) وقطر (بيت قطرايي) واليمن وحتى قبرص والاراضي المقدسة، كل هذا الامتداد حدث بفعل حملة تبشيرية فعالة وكان التبشير يجري بنشر كلمة يسوع المسيح بالكلام والحوار وفي كل هذه المحاولات لم يتم استعمال القوة ابدا.

ومع مقدم الاسلام واستيلائه على اراضينا واصدرا القوانين العمرية (نسبة الى عمر بن الخطاب) تم منع التبشير بالمسيحية، لا بل فرض على المسيحيين عدم ردع من ينتمي منهم الى الاسلام ويفرض عليهم احترام من يعتنق منهم الاسلام، برغم من ان هنالك دلائل بوجود مسلمين اعتنقوا الاسلام في زمن النبي محمد.

منذ ذالك الحين منعنا من التبشير بالمسيحية في الدول الاسلامية، فيما يسمح للمسلمين بالتبشير بالاسلام، لا بل ان موارد الدولة مسخرة في الكثير من الاحيان لهذا الغرض، واحد اكثر المعضلات قتامة ان من يتم فرض الاسلام عليه بأي وسيلة وان لم يكن برغبته، لا تسمح الدولة له بالعودة الى دينه، بحجة انه يمارس الارتداد، اي ان كل الاديان مسموح الاخذ منها وتغيرها الا الاسلام وهذا بفعل قوانيين الدولة اي ان الاسلام محصن بقوانين رغم ان القرأن يؤكد على ان لا اكراه في الدين.

واليوم من المنطقي ان نتسأل بأي حق يتم حرمان اناس من حق طبيعي منصوص عليه في كل القوانيين والمعاهدات الدولية وبالاخص الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟، باي حق يتم اشعار انسان بان ما يؤمن به مخالف للقوانيين؟، ولذا لا يمكن توسيع رقعته، ولماذا هذا الامر غير منطبق على من يؤمن بدين اخر، اليست هذه دكتاتورية دينية؟، والا يخالف ذلك الاية (لا اكراه في الدين) الا يناقض ذلك المواثيق الدولية الموقعة من قبل اغلب هذه الدول؟، اليس من حق الدول الديمقراطية محاكمة هذه الدول؟، لانها لا تحترم تعهداتها.

بأي حق يتم صرف اموال لي نصيب فيها لدعم دين معين او مذهب معين انا لا اؤمن به؟، الا نقول ان ثروة البلد هي للشعب، فلماذا جزء من الشعب يتمتع بكل الامتيازات والجزء الاخر محروم منها، وبالتالي هناك تمييز صارخ بين المو اطنيين، وبالتالي هنالك محاباة للبعض على حساب الاخرين، وهذا يخالف اسس الدول الحديثة التي بنيت على اساس كل المواطنيين متساوون مهما كان انتمائهم الديني والقومي والجهوي او لونهم وجنسهم.

التبشير حالة صحية، لانها تخلق الحوار والاخذ والرد، التبشير حالة مطلوبة على الدوام لكي تتلاقي الافكار وتتطور، التبشير يسموا بالانسان الى مصاف المثل، ايمانا وممارسة، والمواطن الذي يأخذ على عاتقه مهمة التبشير بفكرة معينة، وان كانت التبشير باهمية الاقلاع عن التدخين، هو مواطن يشعر بالمسؤولية تجاه الاخرين، مواطن ايجابي يمكن ان يكون قائدا في شعبه، والشعوب تنجب دائما قادة قليلون.

افتحوا شبابيبكم لكل النسمات التي تنعش الفكر، فالمرفوض يجب ان يكون الفرض، لانه ضد الطبيعة الانسانية، فالتبشير واجب وحق وممارسة للحرية بمسؤولية ووعي.

تيري بطرس