عندما توفي الغير المأسوف علية كيم ايل سينغ، دكتاتور كوريا الشمالية والذي قطع صلتها بالعالم، بكته جماهير غفيرة بحرقة يحسده عليها مارتن لوثر كنغ وغيره من الشخصيات التي عملت من اجل الانسان وحريته، فكيف تستقيم هذه المعادلة، ان يبكي شعب نيرونه ودكتاتوره وظالمه، ان المسألة ببساطة، ان السيد كيم ايل سنغ استمر في الحكم لاكثر من خمسين عاما، وكان شخصا معمرا على حساب الشعب، الذي لانعتقد ان معدل عمره تجاوز الستون، ولذا فاغلب الكوريين الشماليين لم يتعرفوا على حاكم سواه، وفي ظل ثقافة موجهة والاعلام الاحادي وقمع بشع، فان الكوريين صدقوا ما كان يقوله لهم هذا الاعلام من ان كل الخيرات (برغم من ندرتها) هي من هبات القائد الفذ، فعندما بكوه بكوا الاب الذي كان يفكر عنهم والذي كان يطعمهم، ولم يبكوه قائدا، انهم شعروا انهم تيتموا من بعده فقد مات الاب، وانهم متجهون الى المجهول فمن سيطعمهم ويحميهم من عاديات الزمن وخصوصا من الاعداء الامبرياليين الاشرار وعملاءهم الكوريين الجنوبيين الشياطين، المهم ان ما خطر في ذهنهم ان عالما تعودوا عليه قد تهدم وزال وانهم مقبلون على المجهول.

علة هذه المقدمة هو هذا الخوف والهلع الذي يشيع في منطقة الشرق الاوسط من كل جديد، هذا الخوف من التغيير، علما ان ان التغيير والتطوير هما من سنن الحياة السوية، هذا الخوف الذي يمنح الجراءة للبعض للتصريح بمعارضتهم للاصلاح، معنونيه بالاصلاح الامريكي، فهم لا يرتضون الاصلاح بانفسهم ولا يقبلون بالاصلاح حينما يتم مطالبتهم به، متخندقين بالدفاع عن الدين وتراث الاجداد، وبهذا الاسلوب يسحبون خلفهم الجماهير المخدوعة من استهداف الدين بالاصلاح، عاملين من هذه الجماهير ورفضهم للاصلاح دليل حكمتهم ودرايتهم باوضاع وطباع شعوبهم.

ان الجماهير صاحبة المصلحة الفعلية من الاصلاح وتغيير الاوضاع وتغيير الحكام الديناصوريين في المنطقة، يتم خداعهم واستغلال عدم درايتهم بالاوضاع الدولية وحقوق المواطنين في الدول الاخرى، لا بل يقوم الاعلام الرسمي بتشويه هذه الحقوق وتصويرها كانحلال خلقي وتخويف الناس من وصول هذا الانحلال الى الدول السعيدة بنومها الابدي كنوم اهل الكهف.

ان ثقافة الجمود والخوف والهلع التي يتم الترويج لها، لاجل محاربة الاصلاح في الشرق الاوسط، لا تقابل الا بمحاربة من قبل بعض الاعلاميين والكتاب الشرفاء المحسوبين على التيار الليبرالي وحدهم، بينما يبقى غالبية الكتاب مؤيدين للتوجه السلطوي في التعمية على الشعوب، بمحاربة او كشف عيوب الاخرين وتضخيمها لكي يقولوا لشعوبهم ها انكم اسعد حالا من الاخرين.

فالمتطيرون من الاصلاح يروجون لبقاء الاوضاع على ما هي عليه، ولهم حجج دائمة، والمثال العراقي يتم الترويج له كحقيقة مطلقة ( نقصد العمليات الارهابية)، اي ان هنالك دوائر تصنع الخبر وتضخمه وتعيد تسويقه كحقيقة، ان هذه الدوائر برغم من تعدديتها وخلافاتها الا انها تبقى عاملة من اجل بقاء الاوضاع كما هي، لانها تدرك ان اي تغيير سيزيلها من التاثير على مجريات الامور وبالتاليس تفقد مصالحها ان لم تفقد رؤوسها، بسبب ما اقترفته بحق شعوبها من الجرائم.

ورافضي الاصلاح والتغيير، برغم كل ضجيجهم في هذا المجال، الا ان الملاحظ، ان اي تهديد مبطن من اميركا او غيرها، يجعلهم حملان وديعة، فيروجون لما طلب منهم، ولكنهم يروجون انهم كانوا مخططين لما قاموا به، وان تزامن مطالبة
القوى العظمى واجراء الخطوات الاصلاحية ما هو الا صدفة، فهكذا رأينا في مسألة تصحيح وتعديل المناهج المدرسية برغم ان هذا التعديل ليس بالقدر الكافي، وهذا رأيناه في التنازلات التي قدمها النظام العراقي لبقاءه في الحكم، وهذا رأيناه في مسألة الانسحاب السوري من لبنان، ولا تزال ديناصورات العروبة تخرج لسانه فرحا وشماتة عندما تعتقد انها تمكنت من خداع الدول الكبرى ولم تحقق كل مطالبها في اجراء اصلاح جذري، وهنا تحذرني نكتة كنا نسمعها قبل حرب 1967 ومضمونها ان جندي عربي القى القبض على اسرائيلي وزوجته، فطلب الجندي من الاسرائيلي البقاء في دائرة رسمها له على الارض، واخذ الزوجة الجميلة معه، وبعد فترة عادة الجندي واعاد الزوجة، وعندما لامت الزوجة زوجها على الموقف المتخاذل رد الزوج قائلا، يا غبية انني في فترة غيابكم اخرجت قدمي عشرة مرات خارج الدائرة (النكتة تنطبق عكسيا).

وهكذا حكامنا بعدم اجراء الاصلاح وكأنهم يعتقدون انهم يثيرون غيض الغرب، لا بل ان بعض الحكام لم يخجل من الاعلان انه لا اصلاح مادام شارون لم ينسحب من الضفة الغربية، وموت يا حمار لما يجيك الربيع ( والحمار هو شعوب المنطقة والربيع الاصلاح).

تيري بطرس