في ليبيا منذ اكثر من عشرين قرنا


جيرار سيفيستر: يؤكد عالم الآثار البريطاني ديفيد ماتينلي ان الجرمنتيين كانوا يشكلون منذ اكثر من عشرين قرنا في الصحراء الليبية "دولة عظمى" وحضارة متطورة وليس شعبا من البدو واللصوص كما وصفهم علماء سابقون. واكد هذا الباحث في جامعة ليستر في العدد الاخير من نشرة "انتيكيتي افريكين" (آثار افريقية) التي جمعت مجموعة محاضرات القاها عدد من الباحثين في ندوة، ان الاثار التي عثر عليها تسمح باعادة النظر في المعلومات التاريخية عن هذا الشعب. فمنذ ان ذكر المؤرخ الاغريقي هيرودوتس الجرمنتيين بالقول خصوصا بانهم شعب يقاتل على دبابات، وصفهم القدماء بانهم مجموعة من الشعوب البربرية التي كانت تهدد المتوسط من الصحراء.
ويقول ديفيد ماتينلي ان هذا الوصف "لا ينطبق على الجرمنتيين بل جاء من محاولات الرومان لفرض سلطتهم عليهم وعلى محيطهم". ويتابع ان "الجرمنتيين الذين كان يحكمهم ملوك على ما يبدو، سيطروا في اوج حضارتهم على منطقة واسعة من الصحراء تبلغ مساحتها حوالى 300 الف كيلومتر مربع وهددوا في ذلك الحين المدن الواقعة على ساحل المتوسط وشعوب منطقة جنوب الصحراء في تشاد والنيجر".
وكان قلب عرشهم يقع في وادي الاجال وهو ارض منخفضة يبلغ طولها 150 كيلومترا وعرضها بين ثلاثة وخمسة كيلومترات من الغرب الى الشرق بين دهناء الاوباري وشاطىء صخري. ويتابع هذا الباحث الذي يدير برنامجا للتنقيب عن الآثار في جرمة عاصمة الجرمنتيين، ان سكان هذه المنطقة الجافة جدا الممتدة بين مرزق وغات كانوا يمارسون الزراعة في النصف الاول من الالف الاول قبل الميلاد، وخصوصا زراعة القمح والشعير والكروم والنخيل. وتمكنوا من زراعة المنطقة بفضل نظام للري يدعى "الفجارة" ويتألف من سلسلة من القنوات تحت الارض التي تلتقط المياه من طبقة جوفية على سفح منحدر وتنقلها الى الواحات. وقد كشفت صور التقطت من الجو لمنطقة جرمة وجود نظام بالغ التعقيد فيها.
من جهة اخرى، يؤكد العالم نفسه ان الجرمنتيين يشكلون "عددا من كبيرا من السكان الذين اقاموا في تجمعات حضرية". وقد عرف "تجمعان حضريان آخران" غير جرمة، على حد قول ماتينلي. وكتب ان "التنقيب المتواصل يدل على ان شبكة التجمعات السكانية للجرمنتيين اكثر كثافة من ما كنا نعتقد من قبل وتضم عددا كبيرا من القرى المنتشرة حول جرمة". واضاف "الى جانب تجمع جرمة كانت هناك بالتأكيد قرى متباعدة على امتداد الوادي". ويؤكد ماتينلي ان "نجاح الجرمنتيين كان واضحا. ونظرا للادلة الكثيرة التي جمعت حتى الآن من الانسب وصفهم بالتأكيد كدول صحراوية كبرى او حضارة كاملة". وكان علماء الآثار بدأوا عملهم في فزان "ارض" الجرمنتيين في الصحراء الكبرى في ليبيا في بداية الثلاثينات مع بعثة ايطالية تلتها بعد عقد كامل ثم في الستينات بعثات مديرية الآثار الليبية. وقد اكتشفت في غرب وادي الاجال مجموعة من المساكن القديمة بينما اخرجت مبان اخرى في جرمة نفسها تعود الى حقب لاحقة، على حد قول ماتينلي.