القاهرة من سعد القرش: يكاد يحيى حقي يكون الكاتب المصري الذي يتفق عليه قراؤه ونقاده ودارسوه رغم اختلاف المدارس الفكرية وتعاقب الاجيال حتى أصبح في الوجدان الثقافي المصري يمثل حالة تنسجم فيها الكتابة مع السلوك الشخصي. وفي الذكرى المئوية لميلاده يشارك أكثر من 75 باحثا وناقدا عربيا وأجنبيا في ندوة بدأت بدار الاوبرا المصرية يوم الاثنين عنوانها (وجوه يحيى حقي) حول اسهاماته المتعددة في مجالات الرواية والقصة القصيرة والدراسات النقدية والسيرة الذاتية. وبدأت الندوة التي تستمر ثلاثة أيام بعرض مقتطفات من مقابلات تلفزيونية أجريت في مراحل مختلفة من حياة يحيى حقي (1905 - 1992) وتعطي ملمحا عن رؤيته الأدبية والاجتماعية إذ أشار الى أنه في طفولته كان ينتمي "الى كل ما هو متسامح. لم أشعر بفرق بين الاجناس والاديان."
وقالت الباحثة الامريكية مريم كوك رئيسة المركز الاسيوي الافريقي بالولايات المتحدة ان يحيى حقي "علم بارز من أعلام الثقافة العربية بل العالمية" مشددة على أن الانسان كان جوهر اهتمامه بصرف النظر عن انتمائه للشرق أو الغرب. وأضافت أنه كان يعتبر الشرق جزءا من هذا الكون "وأنه كان ضد مقولة الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا."
وأطلق الشاعر البريطاني روديارد كبلنج (1865 - 1936) مقولته التي توصف بالعنصرية "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا" في مرحلة المد الاستعماري الغربي في نهاية القرن التاسع عشر. وأشار الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة بمصر جابر عصفور الى أنه رغم 16 عاما تفصل بين ميلاد يحيى حقي وثلاثة من رموز الثقافة المصرية هم طه حسين وابراهيم عبد القادر المازني وعباس العقاد فان حقي "ينتسب فكرا ووجدانا الى هؤلاء الليبراليين العظام. "لم يكن مصادفة أن يتصف بالصفة التي جمعت أبناء هذا الجيل وهي صفة الموسوعية التي تسهم في كل مجالات الثقافة بطرف. كما كان جسورا لا يكتفي بنقد المجتمع بل ناوش كل أشكال الفساد والظلم وانحاز الى الطبقات الفقيرة وقيمتي العدل والحرية."
ويعد يحيى حقي من أبرز الرواد العرب في فني الرواية والقصة القصيرة منذ نشر روايته الشهيرة (قنديل أم هاشم) عام 1944 كما ترك حوالي 30 كتابا منها الرواية والقصة القصيرة ونقد الاعمال الادبية والسينمائية والتشكيلية فضلا عن الفنون الشعبية. وتخرج حقي في كلية الحقوق بالقاهرة عام 1925 ثم تولى عددا من المناصب الدبلوماسية في السعودية وتركيا أثناء تحولها مع صعود مصطفى كمال أتاتورك. ثم عمل رئيسا لمصلحة الفنون في منتصف الخمسينات ورئيسا لمجلة (المجلة) المصرية التي تبنى فيها عددا من الكتاب العرب الشبان. وعلى حد تعبير الاديب المصري خيري شلبي يعد حقي مؤسس الحداثة في فن القصة العربية ابداعا وتأريخا ونقدا "كان رمزا لمقاومة الرخص والابتذال ولايزال من أقوى رواد الادب العربي حضورا في الواقع الثقافي (المصري)."
وأشار الى أن حقي "كان الوحيد من الرواد الذي اشتبك مع الادباء الشبان (في مطلع الستينات) وجمع مقالاته الكثيرة فيما بعد في كتابه (أنشودة للبساطة). كما كان أول من اعتنى بالتنظير للعامية المصرية فكتب عن (رباعيات شاعر العامية المصري الراحل) صلاح جاهين مع المتنبي وابن الرومي وأبي نواس." وأضاف أن حقي أنتج غنائية شعبية مصرية هي (يا ليل يا عين) فضلا عن "أول أوبرا مصرية خالصة هي (مصر المحروسة) كما اكتشف ال رضا وهما محمود وعلي رضا ومعهما فريدة فهمي."
وقال الباحث المصري في الدراسات الشعبية عبد الحميد حواس ان يحيى حقي منذ أعماله المبكرة تحاور مع الثقافة الشعبية المصرية في شمولها "بوصفها أسلوب حياة وطريقة في العيش ونظرة بعينها الى الوجود الطبيعي والاجتماعي ونسقا من القيم والمعايير مارسه أبناء الشعب المصري الذي عرفه." وتضم الندوة محاور منها (يحيى حقي راعيا للمبدعين) و(يحيى حقي ناقدا) و(يحيى حقي مترجما) و(اللغة عند يحيى حقي) و(يحيى حقي والثقافة الغربية) و(المثقف والسلطة) و(يحيى حقي وكتابة السيرة الذاتية) و(يحيى حقي قاصا وروائيا) و(يحيى حقي وقضية الهوية) اضافة الى محور عن فيلمين من عالمه الادبي هما (قنديل أم هاشم) و(البوسطجي).