نسرين عزالدين: وهنا قد تقع الواقعة.. فالموضوع برمّته قد لا يكون عن الجنس والعنوان مجرد تمويه. وما العيب في ذلك فعلا، تمويه مبرر لجذب القارئ من أجل إيصال رسالة ما.
يمكنك أن تتخلى عن قراءة المقال، فلقد تم خداعك. لقد تم إستدراجك ومن ثم تقديم ما لا تريده .
فما تريده هو الجنس، هذا ما تشير إليه الأرقام. فهذه التكنولوجيا الغريبة تمكنك من معرفة ماذا ُيقرأ.. وبالتالي أي موضوع يحتوي على كلمة جنس أو جنسية أو روبي أو هيفا أو اليسا يحطم الأرقام القياسية في عدد القراء. إذن لنترك كل شيء ونتحدث عن الجنس، ولنكتب حتى نكل ونمل عن تنورة روبي وجسد هيفا ودلع نانسي وعن الجنس. وليغرق الباقون في همهم.
ليقم ذلك المثقف بالتخلي عن ثقافته، وحين يؤلف كتابا عليه ألا يفرح كثيرا بإنجازه.. فسرعان ما سيطرح كتاب عن الجنس في الأسواق وسيحطم الأرقام القياسية في المبيعات.
وليتخلّ هذا المحلل السياسي أو المؤرخ أو حتى المحرر في أي صحيفة عن عمله، وليتوجه فورا إلى أقرب قسم يعنى بالفن والجنس وليتقدم بطلب من أجل الحصول على وظيفة. فمن يهتم بالسياسة أو الثقافة أو الصحة أو التكنولوجيا عدد لا يذكر أمام الكم الهائل المهتم بالجنس.
حسنا .. الجميع يريد ان يتكلم عن الجنس، فلنتحدث عنه اليوم وغدا وبعد غد، فلنناقشه ونحلله ونطالب بكل ما يجب المطالبة به. بل لنتعمق به أكثر لنتحدث عن كيفية ممارسته والأساليب والطرق .سنكتب وسننشر كل ما كتب، سنحطم الأرقام القياسية، وسيتم قراءة كل المواضيع بنهم ثم سيقوم القارئ بإتهامنا بالفسق والفجور، وستنهال النصائح بالجملة عن ضرورة التوبة وعدم المطالبة بأي حرية جنسية أو حتى بثقافة جنسية.. لكنه لن يطلب التوقف عن الكتابة عنه.
سنستمر في الحديث عن الجنس إلى الأبد، سنضع كل الأمور الأخرى جانبا، فهي غير مهمة لأنها لن تجذب القارئ. إلا أنه وللأسف هذا "الأبد" يبدو قريبا. فالحديث عن الجنس لا بد له أن يتوقف في مرحلة ما.. وحتى يحين ذلك. لما لا تغلق كل الصحف أبوابها وتحرق المكتبات الكتب التي لا تتناول موضوعات الجنس، ولنوقف بث كل البرامج التي لا تعنى بالجنس.. لعل الملل يجد طريقه سريعا إليه.. لأنه وعلى ما يبدو، وكما تشير تلك الأسطورة أن في الحياة أمور جميلة، ممتعة و مثيرة للإهتمام وتستحق غفير لا يعد ولا يحصى من القراء غير الجنس.