تهديدات ومغريات مادية و"نسائية":
شباب فلسطيني في مواجهة العمالة


رزق علي : لم تكد تمضي سنة على إغتيال أبرز قادة المقاومة الفلسطينية، الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، حتى تعالت الأصوات مجددا لوضع حد لظاهرة العمالة
والتعاون مع سلطات الإحتلال الإسرائيلي للقضاء على ظاهرة العملاء التي عانى منها المجتمع الفلسطيني إبان الإنتفاضة الأولى والحالية. وبعد مرور أربع سنوات على إنتفاضة الأقصى الحالية، أصبح للعملاء والمتعاونين مع الإحتلال دور واضح نظرا لتوفر البيئة الخصبة لعملهم "الخسيس" كما يصفه الشارع الفلسطيني.
وإسرائيل دوما تحاول جاهدة لإيجاد السبل والوسائل للوصول لأشخاص يساعدونها على الحفاظ على أمنها ومواجهة المقاومة الفلسطينية التي أنهكت الإقتصاد والمجتمع الإسرائيليين، ولذا تسعى إلى تجنيد العملاء في كل نواحي الحياة الفلسطينية.
وتفيد التقارير الأمنية الصادرة عن جهاز الأمن الوقائي بتزايد عدد العملاء وتعاظم نشاطهم أثناء الانتفاضة. ويرجع المحللون الأمنيون سبب تنامي الظاهرة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بعد تدمير البنية التحتية للإقتصاد الفلسطيني، وإغلاق سوق العمل الإسرائيلية في وجه الشباب الفلسطيني، وإغلاق الحواجز والمعابر البرية، والمنفذ البحري الفلسطيني الوحيد. وجل العملاء من فئة الشباب، حسب ما تشير إليه التقارير الأمنية الفلسطينية التي تقول إن أعمار المتعاونين مع الاحتلال تتراوح بين 25-40 عاما، غالبيتهم تم تجنيدهم على أيدي عملاء يحملون صفة "عميل قدير".
وتعتبر السلطة الفلسطينية هذه القضية حساسة للغاية وأحد الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الأمن نظرا لما تجسده من خطورة تتمثل في إزهاق أرواح قادة الشعب الفلسطيني ورموزه، سواء في الداخل أم الخارج.

معلومات مقابل مال

يركز ضباط الأمن الإسرائيليون على الناحية المالية لإجتذاب العملاء نظرا لتردي الأوضاع المادية والإقتصادية لكثير من الشباب الفلسطيني في ظل إنتفاضة الأقصى وفقدانهم فرص عملهم داخل إسرائيل (الخط الأخضر) أو قطاع غزة. وتنتهج سلطات الإحتلال الإسرائيلي أساليب متنوعة للإيقاع بعملاء جدد تضمهم إلى قافلة المتعاونين معها أو ما يسمى الطابور الخامس. وغالبا ما يركز رجال الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت" عيونهم على نقاط التفتيش والحواجز المقامة على الطرق الرئيسية في قطاع غزة والضفة الغربية كحاجز المطاحن الفاصل بين شمال غزة وجنوبه، ومعبر بيت حانون (إيريز)، الفاصل بين قطاع غزة والخط الأخضر.
وتنشط محاولات أفراد الأمن الإسرائيليين لالتقاط الفريسة المناسبة أثناء إغلاق الحواجز في وجه الفلسطينيين.لمصطفى (من مدينة خانيونس) قصة لا تختلف كثيرا بشكلها العام عن غيره ممن حاولت إسرائيل الايقاع بهم ، فهو تعرض لمحاولات متكررة لحمله على العمل مع سلطات الاحتلال أثناء احتجازه على حاجز المطاحن، وعرض عليه ضابط أمن إسرائيلي تزويدهم ببعض المعلومات عن القادة الميدانين في خانيونس مقابل عائد مادي مغر. وتلاعب الضابط بمشاعر الشاب الفلسطيني من خلال التطرق إلى القضايا الأمنية، ونصحه بترك العناصر الأمنية
الفلسطينية والابتعاد عن طريقهم، وتشويه صورتهم ، إضافة إلى تهديده بالإعتقال أو إعتقال أحد أقاربه إذا رفض التعاون. لكنه أصر على رفض التعاون مع ضابط الأمن، فتم إحتجازه حتى منتصف الليل.
إلا أن رفض مصطفى حالة لا تنتطبق على كل الشباب الفلسطيني فسامي أبدى موافقته على التعاون مع ضابط الأمن الداخلي الإسرائيلي المتواجد على حاجز بيت حانون شمالي قطاع غزة. وسامي يعمل في أحد مصانع الخياطة في منطقة ايريز الصناعية، وكان كثير التردد على الغرفة الخاصة بمكتب المدير الذي هو أحد عناصر الشين بيت، فعرض عليه آلاف الشواقل مقابل تقديم بعض المعلومات عن رجال المقاومة الفلسطينية في بلدة بيت حانون. وأثناء الاجتياح الأخير للبلدة رافق سامي الجيش الاسرائيلي كدليل يقود جنود الاحتلال إلى منازل رجال المقاومة الفلسطينية. وقد تم اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية دون إنزال أي عقوبة بحقه لعدم توفر الأدلة الكافية لإدانته. وأفرج عنه مقابل كفالة مالية.

تهديدات ومغريات

غالبا ما ينال الطلاب الذين يدرسون بالجامعات الخارجية نصيبهم من الإستفزازات الإسرائيلية للإيقاع بهم. فياسر الذي كان يتابع دراسته في إحدى الجامعات الجزائرية تعرض لعدد من محاولات التضيق وعرض عليه مرارا التعاون مع سلطات الأمن الإسرائيلية خلال عودته من رحلة الدراسة . إلا أن رفضه قوبل بالتهديد بمنعه من السفر وبالتالي إكمال دراسته.

ومن المغريات التي تقدمها المخابرات الإسرائيلية لمن يرغب في التعاون معها تسهيل السفر في أوقات إغلاق المعابر، وعدم التعرض للشخص بالإساءة أثناء الاجتياحات. ومن الوسائل الأخرى الإتصال المباشر بعيونها داخل الأراضي الفلسطينية، حيث تعقد الاجتماعات مع ضباط الأمن في المستوطنات المجاورة لمنطقة السكن لبحث آلية العمل مع بقية العملاء. ولا يتوقف الامر عند هذا الحد ، بل طالت إستغلال الانترنيت وغرف الدردشة للإيقاع بأكبر عدد من الشباب
الفلسطيني. والوسيلة الأكثر إتباعا هي إستخدام برامج الدردشة لنيل مبتغاها، وتجند لذلك إسرائيليات حسناوات يتقن العربية إلى حد يمكنهن من التواصل مع الفريسة المنتظرة.
ويتم أيضا تكليف العملاء القدامى بتجنيد غيرهم، وقد نجحت إسرائيل بتجنيد أحد الشبان في مدينة رفح بواسطة ضابط مخابرات إسرائيلي عرف نفسه على أنه أحد المناضلين في مخيمات اللجوء في لبنان. وقد إستطاع المناضل المزيف التأثير على الشاب عاطفيا من خلال التصريح بنيته تنفيذ عملية فدائية. وأرسل الضابط المذكور، المنتحل شخصية مناضل ، دفعات مالية كبيرة إلى الشاب مقابل قيامه بوضع علامات بارزة على عدد من بيوت رجال المقاومة الفلسطينية. ولكن الهدف كان هدم تلك البيوت في إجتياحات رفح أو قصفها بالطائرات. وقد تراجع الشاب وأبلغ إمام المسجد المجاور لمنزله بالأمر. وترسل إسرائيل عادة احدث
أجهزة الاتصال التكنولوجي لعناصرها داخل الأراضي الفلسطينية لسرعة الاتصال والإبلاغ عن تحركات قادة المقاومة الفلسطينية.

مواقف الفلسطينيين تجاه العملاء

لا يزال عدد من قضايا العملاء عالقا في دوائر القضاء الفلسطيني، فبعضها تم نطق الحكم فيها بالإعدام دون تنفيذه من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وبعضها الآخر لم يتم فيها إصدار حكم على المتهمين، أو لم ينظر فيها بعد. وإزاء حساسية هذه القضايا فإن الشعب الفلسطيني أو الاحزاب قد يأخذ على عاتقه إحيانا إنزال العقاب بمن خان شعبه وقضيته فقام شاب فلسطيني يعمل في إحدى دوائر الأمن الفلسطينية قد ألقى قنبلة على عدد من العملاء الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام لم تنفذ، فأصيب عدد منهم بجراح. وقامت حركة حماس بالقضاء على وليد حمدية بوصفه أحد أخطر العملاء وأكثرهم نشاطا. وتصدر العائلات الفلسطينية بيانات تتبرأ فيها من المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي. ويطالب الكثيرون من أبناء الشعب بإعدام العملاء أمام تجمع من الجماهير حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
قد تكون ظاهرة العمالة ترافق أي حرب أو إحتلال ، لكنها وخصوصا فيما يتعلق بالقضية الفسطينية من أسوء الأفعال التي قد يقدم عليها أي شخص مهما كان المغريات . فالقتل والفقر والمعاناة تطال شعب بأكمله وليست حكرا على فئة ما .