عبد الهادي زراقط : تسود مجتمعاتنا العربية نظرة سلبية تجاه أي فرد من ذوي الإحتياجات الخاصة، أو من يسمون في الثقافة الشعبية بـ"المعاقين"، بالرغم من كون هؤلاء الأفراد جزء من هذا المجتمع لا يمكن فصلهم عنه في جزر معزولة، أو إعتبارهم عالة وحملا ثقيلا يتحينون الفرص للتخلص منه.
هذه النظرة السلبية لا تقتصر على مجرد التصور الذي يحمله الأفراد، بل تتعدى ذلك إلى السلوك الممارس تجاه "المعاق" وكيفية التعاطي معه في الحياة اليومية التي تضج بالكثير من الأمثلة والقصص الواقعية، ومنها تجربتي الشخصية التي عايشتها بصفتي أحد هؤلاء الأفراد "المعاقين".
فعندما أنهيت مرحلة تعليمي المتوسط وقررت الذهاب للدراسة في مجالٍ مهني، حاولت التسجيل في إحدى المهنيات، وهي محاولة لم تخلو من المصاعب. فعندما قابلت مدير المهنية وقدمت له الأوراق المطلوبة أجابني بأنه لا مكان لي، مبررا عدم قبولي بالإعاقة التي أعاني منها، لأنه من شأنها أن تؤثر سلبيا على سمعة المهنية!.
القصة لم تقف عند هذا الحد، فبدلا من التعامل معي بشكل لائق، قام المدير المبجل برمي الأوراق على الأرض، طالبا مني الخروج من المكان وعدم العودة إليه مرة ثانية!.
الحادثة السابقة ليست هي المعاناة الوحيدة التي واجهتني، وهي رغم قسوتها، وما تكشف عن مضمر في سلوكيات المجتمع وبنيته الفكرية، وغياب القيمة الأخلاقية والبعد الإنساني عنه، إلا أنني لم أُرد لها أن تثني من عزيمتي ورغبتي في التعلم، ومن أجل ذلك توجهت إلى معهد معنيٍ بذوي الاحتياجات الخاصية، تابع إلى إحدى الجمعيات الخيرية، إلا أن حاله لم تكن أفضل من حال سابقه، بل زاد من ألمها الطريقة الفجة التي تحدث بها المدير حينما خاطبني قائلاً "هذه المؤسسة ليست حديقة حيوانات"!، وكأن المعاق لتحول لمجرد حيوان بريٍ كريه مضرٍ بالبيئة العامة يجب التخلص منه!.
لم تكن التجربتان السابقتان مجرد حالات شاذة خارج السياق المجتمعي، وإنما هي نتاج بيئة وثقافة وسلوك وتراكم يمتد لسنوات غذى عقليات الناس وجعلها تمارس شفقة كاذبة وفجة ممزوجة بدونية تجاه المعاق.
ما يثير السؤال لديّ هو: أليس المعاق هو الإبن والأخ والأب والقريب....أم أنه نبت شاذ خارج من بيئة غريبة؟!، أليس من الممكن أن يتحول هذا الشخص السليم في أي وقت لشخص معاق بسبب حادث ما؟ فهل سيظل يمارس ذات القسوة تجاه نفسه أم ستتغير نظرته لأنه وقع في المشكلة؟