أحمد عبدالمنعم : الشمس التي ظلت تسطع طوال الشهور الماضية خفت حدتها ، فباتت تظهر حينا وتخبو وسط السحب أحيانا . الشواطىء التي كانت تعج بالمصطافين القادمين من كل حدب وصوب باتت هي الأخرى تشكو من قلة روادها ، العجوز المتقاعد والشاب العاطل عن العمل هم فقط الذين يستظلون "بالشماسي" المتراصة على الشاطىء بعد أن هجرها الشباب والفتيات عائدين الى ديارهم، لبدء مرحلة الإستعداد للعام الدراسي الجديد الذي بات وشيكا .بعضهم عاد محملا بذكريات جميلة أشبه بنسمات البحر التى ظل يستنشقها طوال مدة إجازته ،وبعضهم عاد محملا بجرح غائرفى قلبه بعد أن عاش قصة حب لم تكتمل .. ربما لأنها كانت من طرف واحد وربما لأن الحبيب لم يأخذ الأمر على محمل الجد بالدرجة الكافية .
فشاطىء البحر عادة ما يتحول إلى ساحة نزال عاطفي بين الشباب والفتيات، فالفتى يسعى إلى إختبار درجة جاذبيته بالنسبة للجنس اللطيف، والفتاة من جهتها تطمح إلى إكتساب مزيد من الثقة بجمالها الذي تتحدث عنه زميلاتها بنوع من الغيرة . وبين رغبة الشاب وطموح الفتاة تنشأ العديد من قصص الحب التي تنتهي جميعها يوم إنتهاء إجازة أحد الطرفين .
النهاية معروفة للجميع ولكن البداية ليست كذلك لأنها تأخذ عادة أشكالا عدة تختلف من عام لآخر ومن شاطئ لآخر . فطريقة التعارف بين الشباب والفتيات على شواطىء البسطاء ليست نفس الطريقة المتبعة على شواطئ الأغنياء، التى يفوح من روادها رائحة العطور الباريسية . والطريقة التي تصلح لهذا العام من المؤكد أنها لن تصلح للعام المقبل .
نظرة ..فابتسامة .. فموعد .. فلقاء، التسلسل المنطقي لقصص الحب الذي وضعه الشاعر العربي عادة ما يكون أكثر طرق التعارف شيوعا . يصطحب الشاب صديقه من أجل " نزهة " بسيطة على الشاطىء ، يتنقّل بعينيه بين الفتيات الجالسات أسفل المظلات المتراصة وهو يأمل برصد الفتاة المناسبة .
الجميلات كثر ولكن عليه التركيز على إحداهن حتى لا يشتت تركيزه ويضيع جهده سدى .البداية تكون من خلال محاولة لفت إنتباهها ، سواء كان ذلك بالمرور أمامها عدة مرات أو التعبير عن إنبهاره بأنوثتها الطاغية وجمالها الفتان، بعبارات يدأب كي تسمعها . بعد الخطوات الأولية لن يكون من الصعب عليه إتخاذ قرار ، فإما الإستمرار في محاولاته أو البحث عن صيد آخر. فالكرة فى ملعب الفتاة وعليها إبداء أي إشارة توحي بقبول عرض التعارف ، ليس بالتصريح ولكن التلميح وحده يكفي، ربما عبر إبتسامة مغلفة بمشاعر الخجل وربما بنظرة دهشة تخلو من الغضب حتى لا تفسر على أنها رفض وينصرف الشاب . فهي لا تضمن العثور على شاب آخر وسط هذا العدد الهائل من الفتيات اللائي يموج بهن الشاطىء .
إستأذنت من أسرتها وإصطحبت شقيقتها الصغرى للسير على الشاطىء أو بالأحرى لتخلق فرصة للتعارف . بسهولة شديدة يدرك هو مغزى نزهتها المفاجئة على الشاطىء فيسير خلفها .. أمطرها بوابل من الكلمات الرقيقة التى دغدغت مشاعرها وإن حاولت أن تبدو متماسكة وغير مكترثة لما يقوله. في النهاية لايجد طريقة سوى إعتراض طريقها وطلب التعرف عليها بشكل مباشر . تنظر إليه بنفور وتكمل طريقها وكأن الأمر لا يعنيها . وفي المحاولة الثانية تستسلم تدريجيا حتى تجد ذراعها وقد تشابكت فى ذراعه بقوة تجعل من يراهما سويا يظن أن الإثنين يعيشان قصة حب عنيفة منذ سنوات طويلة وليسا متعارفين لتوهما . هو يعتبرها صيد سهل وهي تراه كشخص مسل كسر الروتين اليومي الذي كانت تعيشه .
رمال الشواطىء تشهد كل عام مئات الشباب والفتيات ممن تتشابك أذرعهم . بعضهم يستمر فى تشابك الأذرع لبعض الوقت وأغلبهم يتخلى عن ذراع الطرف الآخر ويدفن علاقته به أسفل الرمال التى كانا يسيرا عليها وهما يتبادلان كلمات الحب والعشق .
التعليقات