نزار غالب فليحان : قد يكون العرب هم من ابتدع مفهوم الانتظار ، لأنهم أكدوا عبر التاريخ – والحديث منه بشكل خاص – أنهم أكثر شعوب الأرضانتظرًا ولأن العرب لا يبادرون ولا يبدأون ولا يشرعون ولا يباشرون ، فإنهم لا بد سينتظرون ، وهم ينتظرون كل شيء دون استثناء ، ودون أي عناء في ابتكار أو اختراع أو اكتشاف ، ولهذا السبب لم يرتكب العرب أية خدمة صغيرة كانت أم كبيرة للبشرية ...
فالعرب بانتظار السلام ، وبانتظار من يحررهم من الظلم ، وبانتظار من يقدم لهم الديمقراطية على طبق من ذهب ، وبانتظار الأمطار الغزيرة لجني موسم زراعي جيد ولتمتلئ آبارهم بمياه الشرب ، وبانتظار من يخترع دواء ً للسرطان وآخر للإيدز . وطوابير المواطنين العرب بانتظار السفارات الأجنبية لكي تفتح أبوابها ليبادروا في طلب الهجرة دون قيد أو شرط ، وطوابير العرب بانتظار دورهم لاستلام مواد تموينية مدعومة ، والملايين من العرب بانتظار الحصول على فرص عمل تناسب أو لا تناسب اختصاصاتهم ، وملايين العرب بانتظار فك أسر أبنائهم من معتقلات عربية شقيقة ، وآخرون بانتظار عفو عام عن معتقلي رأي أو تصريح أو تلميح . والعرب ينتظرون أن تمن عليهم اسرائيل وتسمح بمرور العملية الانتخابية لسلتطهم بسلام ، والعرب ينتظرون أن تخرج القوات الأجنبية من العراق ، وأن ينصفهم المجتمع الدولي ، والشعب العربي ينتظر أن يحل قضاء الله عز وجل بزعيم بلاده كي يأتي رئيس جديد لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتغيير زعماء العالم العربي. والعرب بانتظار نهاية الشهر لاستلام مرتباتهم الموازية لخط الفقر ، وبانتظار الالهام الالهي على الحكومات عسى ترفع رواتب الموظفين ، وإلى آخره من قائمة الانتظارات العربية .
في حين نجد الآخرين ، يصنعون السلام ، ويصنعون الحرب ، ويقيمون ديمقراطياتهم المحلية ، التي إن فاضت يصدرونها إلى مجتمعات أخرى ، ويقيمون الصناعات ، ويطورون الزراعات ، ويقدمون للبشرية أحدث الابتكارات والاختراعات ، ويبيحون حرية الرأي والتعبير والاعتناق والاعتقاد والانعتاق ، ويفتحون بلادهم للمهاجرين التعساء ، ويحترمون مواطنيهم ، ويحاسبون حكوماتهم المقصرة ، ويتيحون فرص العمل أو يمنحون رواتب البطالة – إن وجدت – ويتداولون السلطات برقي عبر انتخابات حرة نزيهة ، ولا ينتظرون إلا الأعياد و الاحتفالات و الكرنفالات و الانتصارات و المزيد من التقدم والحضارة واحترام حقوق الانسان في بلادهم .
لعل المبادرة الوحيدة التي قام بها العرب ،ومن دون ايعاز من احد ، هي الجلوس لانهم علموا _ ومن دون ان يخبرهم احد _ ان انتظارهم سيطول .