عشية الكتابة، قالها شاعرٌ ومات
عشرون نثرا

صنعةُ الشِّعْر

مِنْ ضلع الأفعال تنبجسُ الأسماء، ومن عين الأسماء تتسامى الأفعال درجةً في سلّم الخلق: "فليكن..." وها هي ولادةٌ جديدة للكون.
كان المبنى خاليـًا عندما انفتح ثقبٌ صغير يؤدّي إلى دائرة السلّم. إنّها ساعة الغروب. على أنّه في اللحظة التي ارتقيتُ فيها السلّم، بين النائم واليقظان، كان الرجلُ الذي يعيش في الطبقة العليا مع الجنّ والملاك، قد وصل إلى الدرجة الثالثة نزولاً، بينما رجلي اليمنى بلغت الدرجة الرابعة صعودًا. لكن كلّما تمر ثانية، أشعر بأن الدَرَجات تأخذ بالازدياد. وكلّما يُسرى بي، أسمع صوتاً يفيد أنّ ربَّ البيت سيرسلُ دابّةً يُقالُ لها البُراق، دون البغل وفوق الحمار، يصعد بي إلى سِدرة المبنى. كان مجموع درجات السلّم ستّ عشرة درجة. أنّى ينزل أصعد، أنّى أصعد ينزل: مباراة في القدرة على بلوغ الغاية، وما إن بلغت، حتى تراءت الدَرَجات كأنّها زحافات يجهش إليها الإيقاع، طفق الرجل يتوقّد فيتأجّج وكاد يُشطّر بَعضُه عن بَعض من أجل نزلةٍ أخرى؛ فاصلة مشدودة إلى وتِد بعيد يمكّنه من الثبات. غير أنّ علّة جعلته يتهاوى كتلةَ نورٍ ترتطم بأسفل السلّم فتتشظّى إلى شُعل صغيرة سرعان ما يكتنفها رجالُ الأرصاد الطالعون من حوائط المبنى.

الشكل والمضمون

حتّى الآن كان اللّيل جذرا يمتد في العوالم الأرضيّة، يغشى البحر والجبال. يمشي فوق الكون متثأْللا بالنجوم، وما سيكون كائنٌ، في جبته، أصلا. الليل، عالم الما وراء، تتناغم في هيولاه الأضداد... كان، وحتى الآن، قبرا مفتوحا تخرج منه الأرواح مثلما تخرج النار من فم التنين. يلعب في العين البصيرة، ينام مع السجناء عندما ينام النور في بياض الأرض، حارسا البئر الذي أُلقيت فيها الحقيقة. من فجر الزمن إلى منتهى الدهر، أمام الليل المطلق ينحني الظلام... الليل كان على وشك الحلول... حتى الآنَ المجدُ فيه.

بين السطور، يسفك الشاعرُ دمَ شيطانه

الدّم، وفقا سائل أحمر يجري في الأوردة والشرايين وينقلُ العناصر المغذية والنفايات المختلفة لجميع خلايا الجسم، تنقله الشرايينُ إلى مختلف أجزاء الجسم وتعيدهُ الأوردة إلى القلب الذي يقذفُ به الى الرئتين. القصيدة جزء من جسم الشاعر: لها حصتها في كل ما يتلقى هذا الجسم من دم.

ديدان

عشرات من الديدان تنخر في النص، تأكل حروفَ الجر، الأسماءَ، الأفعال. عشرات من الديدان تنبثق من كلّ زوايا شاشة الكومبيوتر، تنخر الناصبَ والمنصوب، الاسم والمصدرَ وشواذ الإدغام، تنخرُ في الجامد والمشتق. المجرد الثلاثي، الرباعي والمزيد من ديدان ننتجها في جملة النخر الدائر طوال كينونة لا يدركها إلا هذا الليل البهيم يؤول إليه مصيرُنا حيث لا بسملة ولا حوقلة، إنما نخرٌ على الدوام في قرائح المصير.

حياة

في ساعة لا شكل لها، يترامى نبأُ موته وكأنه يريد مرّة أخرى أن يدعك الحُجُرات بشمس الأرق؛ يترنّحَ بين القلم والكأسِ؛ يحرثَ التسكّعَ في يوم النّاس... كَمَن يختصر سنوات الخمر الضوئية مخالبَ ينشبها في جلد الحياة... كَمَن يترامى من شواهق العصيان ليستقر بين مآبر الأطباء سيان عنده الذاكرة والنسيان!
هكذا مات علي بن عاشور* تاركا كلَّ شيء يزفرُ في ظلمة خضراء.

* توفي علي بن عاشور في الثاني والعشرين من شباط 1997. وبعد أن بقيت جثته في معرض الجثث أكثر من أسبوعين دون أن يطالب بها أحد ليجعلها تستقر بين أنامل التراب، برزت وصيةٌ تفيد أنّه نذر جثتَه إلى مدرسة الطب التونسي للاستفادة منها في عمليات التشريح. النثر هذا كتب يومين بعد وفات

ارتفاع

غارق في غمر الغيوم وكأن فكرة تدعوني إلى السفر. أتذكر بودلير. ثمة نوافذ تُفتح، يتسرب منها ضوء ملوّن. الطير يمرق في السماء، أراه منعكسا على زجاج النافذة. أدير ظهري، أرى شيئا لا أفهمه. فتيل الطائرة يشوّه الإيقاع. كل غيمة تنقشع إلى أخرى. كل غيمة تأكل أخرى. كل مداخن النظر تمركزت في كبد الفضاء. ساعات أقضيها في الشرفة، متطلعا إلى كتل الغيم. الشكل يتصاعد، يهبط، يختفي سحابا في قرار الأبد، رمادا في قبة الفكر الزرقاء. كم أنظر إلى هذي القمم حيث يَتَوطْوَطُ العالم على مدى البصر، يَنهَدَ إلى قبب الظلمات.

إشراق

لا أحد يعرف ما هي المرآة سوى "شخصان" الذي طالما يُصامتها عند الغسق، شاخصَ البصر. فشخصانُ هذا مثبورٌ بصورته ككل الشعراء الهائمين في واد من الظنّ بصورة جميلة... على أنّه عارفٌ، منذ نعومة أنظاره، أنّ وجههُ لن يُرى إلاّ معكوساً على جسمٍ صقيل لذا قرر اليوم أن ينفرد والمرآة. راح يُحاكيها عيناً ومعيوناً، ينفث فيها حتّى الدخول إلى جوفها: نورٌ أنّى يَرى، تتخايلُ فيه آلاف الصور المخزونة، يستحي بعضها من الآخر، تروح وتجيء موجاً بلا شاطئ. طفق يجمعها في قنان وكأنها هوامٌ مصيرها التلاشي في جسم النور. غير أنّ صورةً انزلقت من بين أصابعه إلى هَويّة المرآة، لم يستطع الإمساك بها. إذ أنغلق عليه الانعكاس. أخذ ينطّ برأسه إلى الشرخ مُردداً: إنّها صورتي. إنّها صورتي. اختلط عليه الرديد. شَعر أنّ بريقاً يجرفهُ إلى الجهة الأخرى، ينأى به إلى صورة تَوَهّمها... إذا هي خيالٌ يرتسمُ فيه شخصان تتقاذفهما الشظايا في قصدير البياض كأنّهما كوكبٌ في مجداف.

فاتورة

في المطعم، ذات مساء، يطلب الزبائن طعاما لا يشتهونه بالضرورة. المرأة التي تجلسُ زهائي، غرق تفكيرُها في لائحة الطعام. لم ينتبه الخادم إلى ما قد طلبته. نظرته كانت تزوغ في القرار. جاءها بفخذِ دجاجة مشوية، قدحٍ من النبيذ، ملعقةٍ وشوكةٍ من الذكريات.

الكتابة مطلقا

إلى رؤوبين سنير


الفجرُ واقفٌ فوق الجبل.
أشبه بدجاجةٍ، ينتفشُ ريشُ الليل والبُومة تفتحُ عينيها.

لن ينتظرنا أحدٌ. فنحن كالشيوخ الحكماء شاخصو البصر في قرى الجواب إلى نجم سُرعان ما يغيب. نتحدث إلى أنفسنا بذهن صاف. لبياض أعيننا صرخةٌ عشواء ضد بياض الأرض. الغدُ يطرقُ مسامعنا متهدّلاً وكأنّه لسانٌ جسيم يخرج من حلق الأفق.

لا أحد سوانا. النافذة مُلطّخة بالغبش. من محلول المشابهة ظلٌّ يسهر للحراسة.

نُساري أبراجا بعيدة ً تتعاقبُ بانتظام، ننهش في جسد الظلام حتى يداهمنا مطرٌ شديد ما يجعل الصمتَ يحمل مظلّته ويمضي إلى شقة القول. وفجأة ينشقُّ القمرُ، فتشرب السماءُ من ماء كلِّ ما أسودّ باصقةً إيّاه في مجاري الكلام

"بيت الكائن"

إلى صديقي الشاعر الإسرائيليامير اور

وحيدٌ في السهل، قرميديُّ اللون. مُسيَّج بملتويات الحواس، الضباب والظلال المائلة عند مدرج الألفاظ. غرفه متلاصقة واحدة بالأخرى. تسيرُ الأفكارُ وحائطه، تتجاسد وإيّاه بسخامها الحلمي في صالة الاعجاز. كم هو غريبٌ غناءُ الداخل! هذه المنائرُ، الجوهرُ، وهذا الطائر.
ثابتٌ كالذكرى. وحيدٌ في السهل يُضيئه النّجمُ الصامتُ وعيناه تحدّقان في كل بهائم الأرض.

فلسفة البؤس

في كلِّ نهار، ظلٌّ من الليل ينظر إلى الأسود بعين ملؤها الحسد.

مشاعر مختلطة

باكرا، أنهض من الفراش. أدخل الحمّام. أفطر. أتّزِرُ أمام المرأة. هذيانٌ ينطبعُ على مائها، يستوقفُ نظري: الشارع الذي أقطعه كلّ يوم، الكتاب الذي لم أنته منه، المطبخ، السجادة، أنا، الباب، كلُّ هذا سيُجبَل من جديد. وإذا في مُستَل الاشاباه، أعثر على توازني.

الآلهة السبعة
For Elesheva Greenbaum

من ضلع الشّجر الأخضر، أُقتُطِعَ الأوّل في ليلٍ مشظّى بالنجوم. ذا هو يشدُّ بعنف شَعرَ الثاني المتهدّل من سماء الصورة، بينما الثالثُ تذرفُ من الرَّهْز عيناهُ، والرابعُ يحتلمُ في الأرض الرّطبة حيث يَفضُّ القمرُ أغلاقَ الشمس، ينحلُّ في المياه النشوانية، والخامسُ يُحرَقُ بتهمة الزّندقة.
السادسُ جَرحته المفاجأةُ وظلَّ حيّاً.
السابع مِكْسالٌ قطعَ يد البحر وطار مع الغريبة.

الأفق شعرة

في ذكرى يوسف الخال

أمّا الشاعرُ المولعُ بالصّور والتعاويذ، فإنّ مناماً يبهره إلى الكتاب. لحظةٌ بيضاءُ تشرقُ فيه. تَتنفّسُ سطورَ اليد وتقاطيعَ الدماغ. وها هو الضبابُ آخذٌ بالانقشاع تحت أشعة الشاعر المتوهجة في في مسالك النّور حيث آثار لا براهين.
ما أنفذ حَرفَه إلى قلب المتلقّي، وخيالُهُ - منعكسا في ماء النّسوة اللواتي حملن ثلج الشيء إلى حنايا الجبال - سهوبٌ من النّسلِ.
ذي هي النبوءةُ تفيضُ مفلولة الحرف.


فكلُّ قصيدة ضمير.
وكلُّ ضمير جيل.

نقد الذات

رجلٌ تطير العصافير من معدته، صوب عينيه، تخترق بؤبؤه، تحلق في بياضه. من فُوهة مثبّتة في دماغه، تنطلق رصاصةٌ: الطيور تسقط في الهاوية، والرجل يجد نفسه عاريا أمام ماضيه.

ما هذا شعرا

إنّا نكتب.
إنّا نكتب لكي نموت، فيما بعد، مرّات عديدة.

إنّا نحيا.
إنّا نحيا من أجل شاهدة ضوئية.

إنّا نقرأُ.
إنّا نقرأُ حتى تكون الريحُ في مهبنا.

ليلا، الذاكرة تتدفقُ والموتُ يبتسمُ.
ليلا، الشيء في ذاته.

نثر استطلاعي

سار على وجهه. كان هواء القرية يصْفُر بينما عين تترصده. عين جد كبيرة - ومع هذا لا تراها العين المجردة - كانت تتجسس أي اسم مر في ملف أو كتاب. كان يريد أن يتعلم الأبجدية، لكنه يقضي أوقاته استكشاف ما لا يعلم. سار على وجهه تخفِضُهُ غيمةٌ وترفعه نجمةٌ حتى اخترق تيك العين ونام في بياضها. فكان له في الصباح اسم وتاريخ وقضية.

القطيعة

في حجرة لا باب لها، كان رجل، ربطة في عنقه، يبحث عن ماضيه الثقافي في ديار المخطوطات. وفي زاوية قائمة بين الأطلال، تذكر أن المفتاح الذي في يديه بلا جدوى. أيموت على حوافي المعلقات مغطى برغوة التأويل، أم يطيش إلى وهج التغيير، تاركا الذباب تتهافت على "نور" أطفأته الأحداث. بضربة واحدة، كسر قفل النوم، وشربَ الأفق بكأس نظرةٍ. غَداة غدٍ، تتعالى ألحان النّاي!

موت

والآن بعد أنْ حلَّ المساءُ، وطفِقت طيور الشارع تأمنُ إلى أعشاشِها، عليّ أن أقعد هنا، وأترسَّمَ الساعةَ وأنا بمَسْمَع من الموسيقى. أخذَ ضجيجُ الآخرين يخفّ شيئاً فشيئاً. الكتابُ مفتوحٌ على صفحةٍ جاء في نهايتها: " كلُّ الأشياء الحيّة، الشجرةُ، الصحراءُ، ميلادُ الكلمة في القلب، اللمعانُ في الخارج، لها رائحة العدم". نهضتُ لآتي بقلمٍ وورقةٍ. فرأيتُ ما كنتُ أحسبه جملاً مفيدة، أطيافاً تحملُني إلى السفح الثاني من الحياة؛ إلى زرّ كان يكفي أنْ أضغطه فينطفئ الضوء.
حزينةٌ هي الظلال، في حجرة الغياب الطويل. تبحث وحدها في قمامة العتمة عن غبار النجوم.

جُملٌ عارية في برد الإهمال

للعين أسنان: أهدابها.
الآذان تلتقم الكلمات.
قشور ما نسمعه تلفظه آذاننا قيحا.
الرائحة عضو المرأة.
القراءة سرير الذاكرة.
تاريخُكَ في النوم.
الصمت صخب يسترق السمع.
الخير شر متقاعد.
في ذلك الزمان، كان الشرق ظلمة... رأى النور وتاه.
الصحافة رقيق الكلمات الأبيض.
في الغرب الأفكار تتجذّر لكي يقتلعها العرب.
صوت جريان القلم كأنه نحيب فكرة.
الشاطئ صفرُ يدي البحر.
الخوف يبدأ حال أن تزول دواعيه.
التاريخ مؤذن بلا مئذنة.
الاحتراز من الخطأ خوف من فكرة طارقة.
الشيطان يوحّدُ فرقَ المؤمنين.
السراديب بعبع المنائر.
دمعة البدوي نطفة الجمل.
الماضي مولودٌ بلا سبب.
حتى تُشعر، عليك بطبيعة وجدت وزنها.
أن تكون شاعرا، أن تعود إنسانا ذا مسؤولية، يعني أن تتحمل عبءَ الغريب والغامض واللامفهوم.
الوضوح لا يرجو احتضان الحياة.
الشعر صراط غير مستقيم.
متى سيعرف الغمام انّه يحوي المطر؟

***

بيان "الجملة الجديدة"

(قبل 8 أشهر، كان لدينا، الشاعر المغربي جمال بدومة وأنا، مشروع: إصدار مجلة عنوانها "الجملة الجديدة" تُعنى بشفوف النثر الواسعة". وكانت رؤوس الأقلام هذه مدخلا لكتابة بيان – افتتاحية للمجلة. على أنه بسبب انشغالات عديدة وكسلي واضطرار جمال أن يعود إلى المغرب، استراح المشروع جانبا. أنشرها كما هي على أمل أن أعودَ إلى تطويرها نصا كاملا)

فيما وراء الأبواب: تكتشف جلدَكَ كما الليل؛ كما الرعد.

رأيت النثرَ يصغي وشاهدتُه يصرخ في زرقة المجاز المُرسَل. رؤى تأتيه إبان سيله. في الشفوف الواسعة لفضائه، يبني الشاعر خيمته التّبْنيّة.


*

سال حبر كثير تحت جسر النثر: ادخلْ مقهى، شارعا أو ماخورَ شعراء، وترَ النثر ينتابك من جميع جهات. الجملة الجديدة تمنعه من أن يجمحَ بك.


*


لكل حقبة نثرها ليقف أمام كل ما لم يعد كما كان، ليجمع بينها وبين ما تحبل به من أعمال... في لغة يتحرر بها شعراؤها من المعطى وميت التركيب.
نثر يلقي بالماضي كما الأفعى تنزع جلدها، في مثانة خنزير.


*


الجملة الجديدة عكس النثر الشعري، ليس لها فجوات حتى تضطر إلى استخدام زوائد الألفاظ. كما أنّها عدوة الإفراط، كذلك هي وليدة الحذف المطلوب. ظاهرها تجريد وباطنها سرد طويل. تسري ما وراء القاعدة والاستثناء.


*


الجملة الجديدة لغة. وليست أداة لحلب اللغة. أنْ تكتبَ حتى تشتعلَ حواشي المكتوب فيتجلى الجوهر:


ساحة صغيرة
يفترق منها شوارعُ
كل شارع له بنايات
لكل بناية نوافذ وسلم
لكل نافذة زجاج
يعكس شجرة بعيدة
تتساقط منها أوراق على الأرض

*


خذ بهذه النصيحة: اقفل جملتك فالنعت كلب مشرّد يدخل من الباب الخلفي بحثا عن فاعلٍ... مفعولٍ به، عن قصد ينخر فيه. الشاعر يلعب في الشعاع.


*


يا كلَّ الشعراء والناثرين، يا أخواننا في الحبر وليس في الدم... لنسرْ باتجاه نثر يعيد الى الشعر أنثويته.


*


الوزن يتهلل لكل بيت يخطه في الرمال...
النثر في أوجّه: ألسنة سوداء في لهيب المدن.


*


ثمة أشعار جد رديئة: لها فرصة التحول إلى روائع شعرية لو تعاد كتابتها نثرا. صيدليُّ النثر يوقظ شاعرا مغميا بين الأوزان. الوزن شاهد واه في حضرة ما هو حي وضد التيار.


*


النثر يستمد سطوعه من سير الكلمات في دهاليز الإيقاع.


*


للنثر مداه
للشعر وقفته. كل يشبه الآخر متنافرين.


*


كم يجري النهر وكم تشرب الأرض!
الحنفية كما هي!
وحدُها الضفافُ تتجدد.


*


في الجملة الجديدة: "الشعر يقترب مذعورا من مدى نار مخيمك، اذهبْ لمقابلته عند حافة الضوء".

***

السماء ستمطر قبل صياح الديك...

واجهْ قدركَ البعيدْ
لا تسكبْ كلماتكَ في النهر
الصباحُ يطلع من أجلك
كلُّ ساعة بدايةٌ جديدة
كلُّ بناية ملجأٌ جديد
كلُّ شارع طريقٌ آخرَ
إلى هذا الذي كنتَ تبكيه.


الآنَ نافذتُكَ مفتوحةٌ
لسانُكَ طليقٌ
لا ظلَّ للشسوع
لا معنى للخفاء

كلُّ ما تراهُ
ملتئمٌ في حضن النظر.

لا تبكي أحداً ولا أحدَ يبكيك.

وحدُكَ في غرفةٍ
سقفُها قبّةٌ
تتقاطرُ فيها الأشجارُ والأوراقْ
العَرَقُ واللّيل.

هكذا الأسماءُ تولد من الماء
تنتشر في رياض الحجر
في غرف الدماغ.

عبثا إذا
ترسم لنا بلدك!

صلَّ من أجل هذا الشيء الصغير
وترَ العقلَ سمادا لك
وتراثك السماء.

ملاحظة: مع أن معظم هذا النثر منشور في كراريس منذ ثمانينات القرن الماضي، إلا انه تم جمعه ونشر في موقع إيلاف القديم ما بين اوكتوبر ونوفمبر 2003.جنحة نقاد الأدب العرب "الجدد" المجبولة بصدأالانتحال والتعتيم، أوجبت إعادة نشره... صفعة لهذا الذييخشى أن يكون المكتوب في متناول الجميع!

ثقافة إيلاف
[email protected]