صدر في الولايات المتحدة وكندا الكتاب الأول للكاتب والصحفي العراقي ماجد عزيزة ( صحافة بلا خوف) ، وهو عبارة عن مجموعة المقالات التي نشرها الكاتب بعد خروجه من العراق عام 1999 ، وقسم كتابه إلى جزئين الأول مقالات قبل سقوط الدكتاتور، والثاني بعد السقوط .
ووظف الكاتب الفصول الأولى من الكتاب الذي حوى 250 صفحة ، لتفصيل دقيق للأيام التي قضاها في ( معتقل الرضوانية) في بغداد ، فيما قدم رؤاه الخاصة عن الإعلام والصحافة والرياضة في العهد السابق ، اضافة إلى مجموعة المقالات المتميزة التي كتبت خلال فترة ما قبل التاسع من نيسان 2003 ، ثم ما بعد ذلك التاريخ. وجائت أغلب فصول ومقالات الكتاب بالطريقة الساخرة التي عرف بها الكاتب ، وبسبب بسبب انفتاح شخصيته وسلاستها ودعابتها وانبساط ضفافها إلى درجة يسهل معها الرسو على شواطئها بكل رفق وسهولة ودون الحاجة إلى ياطر ، بحيث جائت المقالات بشكل عفوي وحقيقي بسبب انها كتبت بنفس كاتب يشكل الناس وسطهم الحياتي اليومي الذي لا يمكنهم الإستغناء عنه .
في مقدمة الكتاب التي كلفني أخي ماجد عزيزة بكتابتها و حين أردت الكتابة وضعت في حسباني أن اتطرق إلى جوانب في سيرة وشخصية الكاتب قبل أن أتناول الكتاب ، أولاً لأن الكاتب هو الأصل والكتاب هو النتاج ، وثانيا لأنك تستطيع قراءة الكتاب من خلال شفافية شخصية ماجد عزيزة ، وثالثا لجرأته في تمزيق الحبال التي كانت تشده إلى الخلف والإنتقال إلى مواقع فكرية وثقافية واجتماعية طافحة بالحياة والحب والسلام . انه انسان مشحون بالحركة ومليء بالطاقة ويعشق مهنة الصحافة إلى حد الولع والإغواء ، مما يجعل قلمه لايكل من الكتابة بغزارة ورشاقة .
يمتد الكتاب ، زمنيا ، ليشمل جزئين : الأول يضم كتابات فترة ما قبل سقوط النظام الدكتاتوري في العراق ، والثاني يحتضن كتابات ما بعد التاسع من نيسان 2003 ، وتتوزع مواضيع الكتاب لتشمل السياسة والأخلاق والثقافة والإنسان والرياضة . ولكن ، وبالنظر لتلاحق الأحداث السياسية في العراق على مر العقود الماضية ، ولشدة انطباع المجتمع العراقي بالسياسة ، ولكون الكاتب قد عمل وكتب في الكثير من الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى ، لكل ذلك فإن الطابع السياسي هو الذي يغلب على كتاباته التي يركز فيها بشكل خاص على موبقات ومثالم ومظالم النظام البعثي والعائلة الحاكمة .
في ثنايا الكتاب ، وعلى صفحاته يحاول الكاتب أن يقلب كل حجرة من أجل أن يقف بامعان على ما تحتها ، انه يدرس ويحلل ويستنبط البديل الإيجابي المشرق ، ولكن أكثر ما يلفت الإنتباه هو تناوله بالنقد للكثير من ظواهر الحياة ، ليس من أجل النقد فقط وانما في سبيل تسليط الضوء على الظاهرة والحدث والممارسة الحياتية من جميع الزوايا بغية الوصول إلى هدف أسمى إلا وهو احتضان الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة . وفي مسعاه هذا يتلاعب الكاتب بالكلمات ليرتبها في سياق يجعلها تقع على الأذن وكأنها سيمفونية موسيقية ، على أن ما يضفي على كتاباته من جاذبية خاصة ، هو تسخيره للموروث الشعبي العراقي بحيث يكتسب كل مقال يكتبه نكهة خاصة . ولكن قدرته للدخول إلى قلب القاريء وملامسة أحاسيسه تنجلي بشكل رائع عندما يفجر محطاته الدعابية بين الفين والآخر ، ليحول الهزل والدعابة إلى مهرجان تتمازج فيه الفكاهة بأقصى درجات الجد والمسؤولية .
والكاتب ماجد عزيزة يبدو لك وهو يقدم كتابه الأول بأنه وكما قال : لم أشعر يوماً بالحرية كما شعرت بها يوم عبرت الحدود من بلدي العراق نحو تركيا في الثاني والعشرين من تموز من عام 1999 ، في ذلك اليوم ورغم أنه كان ثقيلاً ومرعباً لأنه أبعدني عن تلك التربة الحبيبة التي نشأت فوقها ، إلا أني شعرت بأن حملاً ثقيلاً نفضته عن كاهلي ، وكابوساً ابتعد عني بعد أن خيم على حياتي سنوات طويلة .. كان ذلك هو ( الخوف ) !
فبعد أيام من اجتيازي الحدود نحو ( المنفى ) الذي لم اكن أعلم أين سيكون ومتى ؟ وكيف ؟ شعرت بأني أريد أن أكتب ، تلك المهنة التي علقت بها وعلقت بي ، كانت ثياب الخوف ما زالت تلفني ، كنت أشعر أن ( شرطي الأمن – الرقيب ) ما زال هاجسي عندما مسكت القلم في تلك المدينة التركية الصغيرة الجميلة ( قونيا ) ، لكني ومع اول كلمة كتبتها في المقالة الأولى ( وأنا في المنفى ) شعرت بأني أمتلك حريتي الكاملة في التعبير عما أنا ممتليء به من أفكار ، ومنذ ذلك الوقت ، شعرت بأني مخلوق جديد ، يستطيع أن يمشي ويتحرك ويكتب دون ان يسمع كلمة ( ممنوع ) التي عاشت معي ومع جميع زملائي وزميلاتي من الصحفيين العراقيين سنوات طويلة . وانا لا أحسب نفسي مؤلفاً او كاتباً بقدر ما أعتز بكوني ( صحفياً ) ، فمنذ أن ولجت عالم ( صاحبة الجلالة ) الكبير قبل منتصف السبعينات بقليل ، قطعت عهداً على نفسي أن لا أترك القلم يوماً ، ومثلما كانت مقولة صديقي العزيز الدكتور عوني كرومي في يوم ما ( العمل العمل حتى الموت ) ... أكررها أنا بالقول ( من القلم والمحبرة إلى الكفن والمقبرة ) .
الكتاب أخيرا هو مجموعة من المقالات التي كتبت خارج حدود الوطن ، كتبت في المنفى ، وكل مقالة منها منفية مثلي ، لكنها حرة تتنفس كما أتنفس أنا .. هواء الحرية ، الحرية التي افتقدناها في بلدنا العراق ، ووجدناها ناضجة عند الغرباء ، مقالات منها مانشر في صحف عربية كثيرة ( كالزمان والمؤتمر ونداء المستقبل والبلاد وعرب 2000 وأكد ) ومنها ما لم ينشر سابقاً ، لكنها ( أي المقالات ) تشترك معي في شيئين .. انها كتبت في المنفى .. وبلا خوف من الرقيب .