كل "ذكور المجتمع" هم على نحو ما "ولي أمر" لأية امرأة تمشي في الشارع لذلك كانت روايتي "انه جسدي"

حاورها في صنعاء: محمد الخامري: نبيلة الزبير شاعرة وقاصة يمنية معروفة، حازت على العديد من الجوائز المحلية والعالمية كان آخرها الجائزة الأولى في مسابقة نجيب محفوظ للرواية والقصة للعام 2002 الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ترأس حاليا ملتقى " لُقى " المتخصص في الثقافة النسوية وحوار الحضارات، ترجمت لها العديد من النصوص إلى الإسبانية، الانجليزية، الفرنسية، الألمانية، شاركت في العديد من الملتقيات الأدبية والمهرجانات الشعرية داخل اليمن وخارجه، دلفت إلى عالم الأدب من باب الصحافة التي اشتغلت بها بداية الثمانينيات لتصل إلى مرتبة متقدمة في المضمار الأدبي بين العديد من الأدباء والأديبات اليمنيات، إلتقتها إيلاف وكان معها هذا الحوار:

إيلاف: متى بدأت نبيلة الزبير رحلتها مع الإبداع الأدبي وما أول عمل نشر لك؟
دخلت عالم الأدب من باب الصحافة.. بمعنى أن بدايتي كانت صحفية.. كتبت عمودا شبه يومي في صحيفة الثورة العام 81-82 كان عنوانه " بالقلم الأزرق" أثناءها كنت أعمل في الصحيفة ـ الثورة ـ بالتعاقد في قسم التحقيقات، ظللت متحفظة على كتاباتي الأدبية حتى أواسط الثمانينات.. لم أكن أنشر شيئا.. وكانت بدايتي الأدبية ـ كنشر ـ ليست عبر الصحافة بل بدأت بأمسية شعرية نظمها لي نادي الوحدة في العام 84، بعدها شاركت في احتفالية العيد العشرين للثورة في أمسية شعرية ضمت علي بن علي صبرة وعبد الصمد القليسي وكان عريفها المرحوم الربادي في نفس العام.

يلاف: "من خلال تجربتك الشخصية" كيف ينظر المجتمع اليمني إلى المرأة المبدعة؟
تقابل الأديبة والأديب عموما بالترحاب ويحتفى بتجربته خاصة إذا ما كان هو محتفيا بهذه التجربة بمعنى أنه ينتهج الجدية والمثابرة ويخلص لهذه التجربة بتغذيتها بالدرس والقراءة والمتابعة والخ.. ولكن يبقى هذا الاحتفاء في مجتمعنا مقتصرا على ذوي الاهتمام وما أقلهم..
هذا فيما يخص الإبداع الأدبي عموما.. لن يختلف الأمر كثيرا في ما يخص المرأة المنتجة إبداعيا اللهم أنه ومن خلال موقع المرأة اللافت في مجال إنتاجي وهو لافت لقلة خروج النساء واشتغالاتهن في هذا المجال أو ذاك فهو لافت بسبب الندرة وهنا يكون الإصغاء إليها أسرع ووضعها تحت الاختبار أكثر وضوحا كما أن نتاجها يكون مشروطا أكثر من نتاج الرجل ومرتهنا بمدى قربها أو بعدها من المنظومة الأخلاقية الاجتماعية أي مدى تمثلها كذات "متكلمة" أو "كاتبة" لهذه المنظومة الاجتماعية وتعبيرها عنها، هنا يكون حكم المجتمع على نتاج هذه المرأة وعلى هذه المرأة عموما هو حكم على / ولصالح "القِيَمي" بغض النظر عن الإبداع.

إيلاف: لماذا تكتبين، ولمن؟ وما الذي تريدين قوله عبر الكتابة؟
اسمي هذا السؤال بالدائري: لمن اكتب.. نعم أكتب لأن لدي ما أريد أن أقوله كتابة.. لمن هذه مسألة أخرى لابد أن أحدا يشاركني ما أريد قوله ما لم فيستطيع أن يصغي لما أقول وربما لسبب لا يتعلق بطبيعة أو مادية أو محسوسية القول بقدر ما يتعلق بفعل التخاطب أو الكتابة التي لها دائما "آخر".
وقد وصفته بالسؤال الدائري أو التدويري ذلك لانه يمكن للإجابة فيه أن لا تنتهي إلا لتبدأ.. مثل ذلك السؤال الفلسفي الذي يمضغه البعض للتسلية والذي يتساءل أيهما بدأ أولا البيضة أم الدجاجة.. مثلا يعني ولا تؤاخذني في هذا التشبيه وهنالك من لا ينتهي في الإجابة على هذا السؤال فهو يكتب لنفسه.. وهو يكتب لقارىء افتراضي كما ذهب "إيكو" وهو يكتب لذات الكتابة.. وهو.. الخ..

إيلاف: تكتبين القصيدة والقصة، فأين تنصبين خيمتك وترتاحين؟
في الشعر، وعموما فأنا أجد نفسي في الكتابة بشكل عام لكن قاعدتي وانطلاقي وربما ذهابي أيضا هو إلى الشعر.

إيلاف: رواية انه جسدي الذي نلت عنه جائزة نجيب محفوظ كانت من أجمل رواياتك لكن لماذا " انه جسدي ".
رواية "إنه جسدي" وهي روايتي الأولى التي نشرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة 2000 وفازت بجائزة نجيب محفوظ عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة 2002، أما لماذا إنه جسدي فهي محاولة لمقاربة الاجتماعي في علاقته الامتلاكية لخصوصيات النساء في كل مفرداتها حتى الجسد يصبح وفقا لهذا مجرد مقولة اجتماعية ويعترف بوجوده في "المعنى" ويحتفى بالموجود المادي منه طالما هذا الموجود المادي الذي هو هنا "الجسم" ممتثل لشروط المكان وعلاقاته طبعا العلاقات التي ينتجها الأقوى أو الآخر الكبير "المجتمع" بكل تراتيبه كل "ذكور المجتمع" هم على نحو ما "ولي أمر" لأية امرأة تمشي في الشارع وهم شركاء في قرار وشكل وأسلوب سلوكها الاجتماعي.

إيلاف: كيف تكتب نبيلة الزبير، وهل لديك طقوس معينة للكتابة؟؟
لدي شروط أكثر منها طقوس، فانا أولا لا أقرب الكتابة إلا بجديد.. وهذا الجديد يعني مرور وقت من القراءة والتأمل و..و..و.. كل عوامل الامتلاء والتهيؤ بجديد.
ثانيا لا أقرب الكتابة إلا وقد هيأت نفسي كما أسلفت وهيأت كذلك ظروف الكتابة، الظروف الخارجية المتعلقة بمكان الكتابة، فانا أكتب عادة في مكان مخصص لا أجترح فعل الكتابة أينما كان، وكذلك وقت الكتابة مهم أن لا يقاطعني أحد، فأن أضمن خلو هذه المساحة من الزمن خلوها من أي زائر أو واجبات أو ارتهانات بآخرين، كما اني في السفر لا أفعل شيئا غير السفر، بمعنى أنني أعيش المكان الجديد أقرأه وأتأمله وأعيش علاقاته وأقابل الآخرين دون توجس من "ظرف خاص" الذي هو عند الكتاب والشعراء تحديدا ظرف "كتابة جديدة" يوحي بها المكان.

11 سبتمبر والمشهد الثقافي
إيلاف: كيف تنظرين إلى المشهد الثقافي في الوطن العربي بعد تحولات 11 سبتمبر وما بعدها؟
عادة هنالك توقعات لانتهاء متحول بعد هزات كبرى من مثل هزة 11 سبتمبر لكن أن نتوقع هذه التحولات في هذه الفترة القصيرة التي تعد قصيرة طبعا لأن أعمار الشعوب وبالتالي ثقافاتها لا تقاس ببضعة سنين ولا بعقد وربما ننتظر جيلا أو أكثر كي نلمس هذه التحولات، الحاصل الآن هو ارتطامات، بل محاولات لمعرفة واستيعاب ما يحدث وعلى كل الأصعدة أقصد الفكر أو التنظير السياسي الاجتماعي.
لننظر إلى تحولات عمرها أبعد قليلا من أحداث سبتمبر وإن لم تكن مجتثة أو منفصلة عنها، هنالك تحولات في الاتجاه للذات وللآخر وللحياة وللواقع وللوقائع أسفرت عنه قصيدة النثر وفقط قصيدة النثر وكما تعلم عمرها ليس قصيرا لكن دعني أخص قصيدة النثر الشابة والتسعينية على وجه الخصوص لأقول أن هنالك بالفعل جديد في السلوك الوجداني المكتوب وأنا هنا أحدد هذا السلوك "بالنص" وتحديدا أيضا "النثر" لأقول أن هذا الجديد هو في الأفق المقروء لدى الشعراء/ات وليس في المعيشي واليومي.. ليس في راهن يومهم.. لم نتمثله بعد ليصبح هو واقعنا الذي نعيشه ولذلك طبعا أسبابه لأن أي واقع جديد لا يمكن أن يصبح واقعا عاديا ويوميا ومطروقا ومألوفا ما لم يكن قد تمكن من كسب شرعيته وفعليته وهذا مالم ولن يحدث دون شراكة الأطراف الباقية وإقرار المجتمع بأحقية الشباب في هذا الجديد وأحقية الواقع عموما.

إيلاف: إلى أين وصلت رواية " بنت سعدان " التي سمعنا عنها في وقت سابق؟
" بنت سعدان " كانت بطلة رواية افتراضية الرواية نفسها كانت بطلة "مقالة" ساخرة تقول بتحقق وانجاز ما لا يمكن انجازه إلا تخيليا وعبر أبطال "أشاوس" نخلقهم ونضع في أيديهم قرارات شجاعة وقد ألمحت في مقال لاحق إلى رواية "كلنتون" وصدورها الذي تزامن مع صيحاتنا ب"لا للحرب" وكيف اعتبرناها إضافة صيحانية في صفنا.

إيلاف: هل تمارسين الكتابة المنتظمة ام ان الكتابة تستدعيك؟
كتاباتي موسمية، فأنا اكتب كل فترة وفترة وأباعد بين الفترات، تتخلل تلك الفترات طبعا مواسم قراءة.. لا أجمع بينهما في نشاط واحد.. وقد تمتد فترة كتاباتي "المتواصلة" لشهرين ما لم يقطعني فيها ظرف.

إيلاف: وهل أنتي راضية عن كل ما كتبتي في السابق؟
من حيث الرضا فالله وحده يملك الرضا لأنه وحده ينجز بإتقان، أما بالنسبة لي فالعمل الذي يخرج من يدي مجرد خروجه من المطبعة هو خروج عن رضاي.

إيلاف: يعني انك غير راضية عن جميع أعمالك السابقة؟
نعم.. فعادة يظل آخرعمل محتفظا نوعا ما باعتزازي به ولن أقول بإعجابي إلى أن يجدّ عمل آخر يكون هو شاغلي وأظل أحيطه بالمشذبات تعديل وتنضيد وهكذا إلى أن يخرج من يدي..

النقد نائم
إيلاف: ما مدى حساسيتك وحساباتك للنقد؟
أثناء الكتابة تحديدا لا أحسب حسابا حتى لنفسي لشخصي، أما بعد الكتابة الأولى فيظل أمامي اعتبارات عدة يأتي في آخرها النقد، وليس لدي أي حساسية منه لان النقد أصلا عندنا نائم ومن السذاجة أن تحسب له حساب، فالنقد متأخر عن النص.. والنص الذي نزعم أنه جديد وبالتالي نزعم أن النقد سيجيء بعده بزمن طويل.. وأيضا نحن أنا وكثيرون/ات مثلي يتجهون للتجريب في الكتابة وهذا يؤكد حقيقة الشعور بغياب الناقد إذا لم يعن أيضا تغييبه من حيث المبدأ.. والحق أنه لا نحتاج لتغييب الناقد لأنه والحمد لله مغيب حاله

إيلاف: هل تتوسمين في الجيل الحالي بداية نهضة أدبية ؟؟
نعم هناك مواهب شبابية واعدة وأتوسم فيهم ان يقوموا بنهضة جيدة في مجال الإبداع بشكل عام .

إيلاف: هل تشعرين بالتفرد عندما يلح عليك الهاجس الأدبي بالكتابة؟؟
ما لم أكن أمام "كتابة جديدة" فإنني لا أغامر بالجلوس إلى البياض، البياض يصبح شاهقا ويبتلع قدراتي وطاقتي إذا لم أواجهه بجدة وقوة وفرادة، ربما هنا فرادتي في تحديي لذاتي ولقديمي كله وحرصي على الجدة.

الكتابة مغامرة وليست ملاذ
إيلاف: هل الكتابة ملاذ لنبيلة الزبير ام واقع مؤلم؟؟
الكتابة ليست ملاذا.. الكتابة مغامرة وخوض في المجهول والغائب.. وقرار دخولها يشبه قرار الذهاب بلا يقين أو احتمالات أوبة أو حتى رسو.. من أين تكون الكتابة ملاذ وهي محفوفة بكل تلك المخاطر أقلها انفجار بؤرة النص قبل تشكله.. وليست واقعا مؤلما إلا بقدر ما تكون إحباطاتها، أما هي ناجحة ومتحققة فلذة وسيرورة وللبعض أيضا صيرورة وتحقق ذاتي.

إيلاف: الأدب النسائي متهم بأنه مجرد انفعالات وجدانية، ما رأيك بهذا؟
ماذا أقول، أدب النساء دائما متهم! أين المشكلة؟ في النساء أم في الذين يتلقون إنتاج النساء بلوائح وقوانين وشروط ومشارط وافتراضات وتكهنات وحشد غفير من التهم الجاهزة والمعممة على كل النساء وكل التجارب.

إيلاف: سمعنا عن ملتقى نسائي يعقد في منزلكم، ما أهدافه ومن الذي يحضره؟
نعم لدينا ملتقى أسميناه "لُقى" متخصص في الثقافة النسوية وحوار الحضارات، ويضم العديد من الأديبات والمنتجات إبداعيا واجتماعيا في أكثر من مجال وقد بدأ في العام 98 وكانت فعالياته فعلا جلسة كل ثاني خميس تحضرها نساء ذات اهتمام ثقافي وتحضرنا ضيفات وباحثات وصحفيات وأديبات من خارج البلاد بحسب فرصة وظروف تواجدها في البلاد واهتمامها وطلبها التعرف على الأدب والثقافة من خلال أديبات ومثقفات البلد وبالفعل نحن تقريبا نلتقي معظم أديبات الساحة ومؤخرا ازددنا بملتقى الشقائق وهو ناشط اجتماعيا وثقافيا في مجال حقوق الإنسان ترأسه "أمل باشا" وكذلك منتدى الإعلاميات الذي ترأسه الصحفية " رحمة حجيرة ".

إيلاف: كلمة أخيرة تودين قولها.
اشكر إيلاف التي أتابعها دائما وأبارك لها موقعها الجديد ولو أني أرى " من وجهة نظري " أن السابق كان أفضل وله مميزات أكثر من الحالي لكن ربما مع الوقت نتعود عليه ويصبح ممتعا كما كان الموقع السابق.


من هي الشاعرة نبيلة الزبير
* شاعرة روائية من الهَجَرة (صنعاء) اليمن
* أتمت دراستها الجامعية في جامعة صنعاء/ آداب /علم نفس 1995.
* ترأس "لُقى" مؤسسة الثقافة النسوية وحوار الحضارات
* تكتب الشعر منذ أواسط الثمانينات
* تكتب العمود الصحفي منذ أوائل الثمانينات لها حاليا عمود بعنوان "تماسات" بصحيفة "الثقافية".
* ترجمت لها العديد من النصوص إلى الإسبانية، الانجليزية، الفرنسية، الألمانية.
* شاركت في العديد من الفعاليات الإبداعية محليا وعربيا.
* حازت روايتها "إنه جسدي" على الجائزة الأولى في مسابقة جائزة نجيب محفوظ للرواية والقصة للعام 2002 عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.

*من المؤتمرات التي شاركت فيها:
مؤتمر الشعر العربي الألماني صنعاء سبتمبر/أيلول 2000
مهرجان الخنساء للشاعرات العربيات عُمان أبريل/نيسان 2002
مؤتمر المناهج والتربية الفنية /اليونسكو/ عمّان مايو/أيار 2002
مؤتمر الآليات القانونية لحماية الإناث والحد من ظاهرة الختان القاهرة مايو/أيار 2003
دعوة "مؤسسة كونراد" وفد رفيع المستوى في إطار حوار الحضارات. بون، برلين يونيو/حزيران 2003.
ندوة أشغال الرواية العربية نهاية القرن "رؤى ومسارات" /الرباط سبتمبر/أيلول 2003
مؤتمر الرواية العربية "الرواية والمكان" القاهرة أكتوبر/تشرين أول 2003
مؤتمر الخريف "الأكاديمية الألمانية للغة والشعر" لحوار الثقافتين العربية/الألمانية دارميشتات أكتوبر/ تشرين أول 2003
مؤتمر المرأة والسياسة معوقات مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار. اسطنبول شباط/فبراير2004م.
مهرجان إكس آي في الدولي بمدلين/كولومبيا حزيران/يونيو2004

إصداراتها الأدبية:
متواليات الكذبة الرائعةشعر -دارالمستقبل دمشق ط1 91. وط2 عكرمة 97
ثمة بحر يعاودني شعر - الفكر دمشق ط الأولى 97
محايا شعر - الهيئة العامة للكتاب صنعاء 99
إنه جسدي رواية - الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة - 2000
تنوين الغائب شعر - دار الآفاق - صنعاء - ط1. 2001.
رقصتْ في الصخر سرد - اتحاد الأدباء اليمنيين ط أولى 2003
صعودا إلى فردة كبريت شعر - اتحاد الأدباء اليمنيين ط أولى 2003
زوج حذاء لعائشة رواية - تحت الطبع