هاتان العينان في صورة الغلاف كانتا تشعان دائمًا بالحماس والاندفاع، تعبِّران عن روح وثابة وغنج طفولي، "ليلى" اسم مستعار لفتاة مغربية ولدت في فرنسا، واقتيدت إلى المغرب رغما عنها من أجل الزواج من شخص لم تره قط، حكاية مأساوية لواقع تعيشه حسب جمعيات فرنسية أزيد من 50 ألف فتاة فرنسية من أصول مغاربية، تركية، وإفريقية. "ليلى" الجميلة، الجريئة والمتمردة،خرجت من العتمة فاتحة قلبها ومدلية بشهادتها التعيسة في كتاب "ليلى والزواج الإجباري" لماري تيريز كوني مشكلة صدمة
للقارئ الفرنسي في كتاب يعتبر سباقا في طرحه للزواج الإجباري، كتيمة مسكوت عنها في الأعمال الأدبية الفرنسية .
و لدت "ليلى" قبل سبع و عشرين عاما لأبوين مغربيين، شغب طفولي، وطفولة مرحة في ظل أسرة تتكون من عشرة إخوة " علي، إبراهيم، كريم و ميلود، محمد، حسن، منصور و سليمان، إدريس، رشيد....كانت أمي تنجب كل سنة أو سنتين طفلا جديدا،و كانت أسماؤهم تتسلسل في ذاكرتي كجينيريك النهاية في فيلم بئيس"، لكن تحولها الجسدي ومراهقتها المبكرة غير مجرى حياتها،فبين إجبارها على ارتداء الملابس الطويلة ومنعها من الخروج في المساء، وعدم مرافقتها لصديقاتاها الفرنسيات، ، وجدت ليلى نفسها حبسية... ملاذها الوحيد غرفتها الكئيبة،المدرسة، وشرفة المنزل.
تعرضت "ليلى" لتعنيف جسدي، عندما ضبطت ذات مساء في شرفة المنزل وبين أناملها سيجارة، "السيجارة للداعرات" بهذه العبارة هشم أخوها الأكبر وجهها الجميل، كانت المدرسة بالنسبة "ليلى" فرصة لأن تفتح عينيها على كونها فرنسية تعيش في بلد أوجد حقوق الإنسان، وفضاءا هائلا ومناسبا للنقاش والتعبير، وكما وجدت في أساتذتها الأذن الصاغية، وجدت في بعض من رفاقها المغاربيين الاستهزاء والتهميش "كانت كذبابة حقيرة، تسبح في قعر كأس، بلا أدنى أمل في النجاة" .
في العشرين من عمرها، تذوقت "ليلى" طعم الحب والقبلات عندما تعرفت على حبيبها الأول، ومع غيابها المتكرر عن المدرسة وأعذارها الواهية و تأخرها عن المنزل، لم يجد أبواها بدا من البحث لها عن عريس، رافقتها أمها لطبيب مختص من أجل إثبات عذريتها، وكان الاختيار على "موسى" مغربي في الثلاثينات من عمره، بالنسبة لـ"ليلى" بدا لها موسى زوجها المستقبلي، أضحوكة، بفرنسيته الهزيلة وشكله المبعثر، وبالنسبة إلى"موسى" الزواج من فتاة فرنسية من أصل مغربي يعتبر غنيمة، الجنسية الفرنسية مضمونة، علاوة على الضمان الاجتماعي، والتعويضات الاجتماعية والعائلية التي تضخها الحكومة الفرنسية، في جيوب العوائل الفرنسية، والتي يتعمد البعض منها إنجاب قطيع من الأطفال، بغية الحصول على أكبر قدر من التعويضات.
سيقت "ليلى" إلى زوجها موسى في حفل زفاف بالمغرب، ومع عودتهما إلى فرنسا كانت عشر دقائق أمام العمدة، كافية ليصبح زواجهما مدنيا حسب القوانين الفرنسية،ومع إنجابها لابنها الأول بدأت مشاكل ليلى مع زوجها موسى تطفو للسطح، دخلت "ليلى" حالة من الكآبة و اليأس الذي يتحول إلى صرع أثناء الخلافات الزوجية، مرض الصرع هذا فسره زوجها "موسى" بمس شيطاني، فكان يكيل لها اللكمات و الصفعات، وزارت مرغمة المشعوذين، ومن التعاويذ إلى الطلاسم مرروا بدماء الديكة المذبوحة و ألسنة البعير، عاشت ليلى كابوسا حقيقيا دفعها لمحاولة الانتحار مرتين،والاعتكاف في حجرتها أسبوعين بدون أكل، ليخرجها طفلها الصغير من عزلتها بعد أن أصبح يتلمس أولى الخطوات "عندما قفز فوق سريري، واضعا جبهته على صدري،أدركت أنه يجب أن أحيا من أجل إبني..."
كتاب "ليلى والزواج الإجباري" يقع في 288 صفحة، وهو يحمل شهادة تعيسة ومؤثرة لفتاة فرنسية من أصل مغربي أجبرت على الزواج بعد أن عاشت مراهقة قاسية ومسيجة،شهادة ليلى التي عانت في ظل دولة أوجدت حقوق الإنسان ستشكل صدمة للقارئ الغربي .
نقرأ في كتاب "ليلى و الزواج الإجباري" لماري تيريز كوني: "أصعد بخطوات متثاقلة، في فناء صغير يوجد "مكتب العمدة"... اسمي ليلى، في الواحدة و العشرين، ولدت بفرنسا، والدي لا هو بالعطوف ولا بالمتطرف الشرير، علمني أن أطيعه طاعة عمياء،و اليوم أجبرني على الزواج من هذا الشخص الأسمر الواقف أمامي، كنت أحلم بزواج أسطوري، فستان أبيض، باقة من الزهور، و فارس وسيم، كما هو الحال في كل القصص الرومانسية..."