جي أم كويتزي لا يقبل قواعد الصحافة للعبة. فهو يرفض تقريباً بشكل مطلق المؤتمرات الصحفية. لكنه إستثنى من ذلك دافيد آتويل، المختص الأكبر في كويتزي على النطاق العالمي. وننشر هنا تبادل الرسائل الذي خص هو به الداجنز نيهيتر والذي يغطي مسائل كثيرة من المعنى الذي تحمله جائزة نوبل الى دراسته للأدب وعلاقته بالأوضاع في جنوب أفريقيا.


دافيد آتويل: دعني في البداية أهنئك بحرارة على هذه الجائزة الأكثر إحتراماً بين الجوائز الأدبية قاطبة.


جي أم كويتزي: شكراً.


دافيد آتويل: ماهو بإعتقادك المعنى الذي تحمله الجائزة لك شخصيا وبشكل عام؟
جي أم كويتزي: ينتمي الأدب بطبيعته وبتزامنه مع كون المبدع – من خلال نشاطه الفني – لم يزل في موقع المتنبيْ السامي المقام الذي كان يستطيع التحدث، وكأنه القائد في لحظة غياب المؤسسات السلطوية، عن الحاضر وعن الحياة الأخلاقية. ( بالمناسبة أدهشني – وهذه ملاحظة عابرة – كون الفريد نوبل لم يخصص أبداً جائزة للفلسفة أو كونه وضع جائزة للفيزياء ونسي الرياضيات، ناهيك عن الموسيقى، فالموسيقى رغم كل شيْ هي أكثر عالمية من الأدب الذي يرتبط دائماً بلغة معينة).
فالتصور عن الأديب كونه متنبيْ هو أمر ميت في أيامنا. ومن جانبي على الأقل فأنني لن أكون مرتاحاً في موقع كهذا.


دافيد آتويل: ماذا يحمل المستقبل في رحمه للحائز على جائزة نوبل لعام 2003؟
جي أم كويتزي: لقد تناثرت عليه الدعوات من القاصي والداني لإلقاء المحاضرات. ولقد جذب ذلك إنتباهي دائماً كونه أحد جوانب الحياة الأدبية الملفتة للنظر: فحين يكون شخص ما قد أظهر كفاءته في الكتابة والغبداع القصصي تطالبه الناس فجأة بأن يلقي خطباً وأن يتحدث عن الوضع العالمي.


دافيد آتويل : أريد أن أطرح سؤالاً عن حياتك كأديب. فمنذ مجموعة المقالات" مضاعفة النقطة" التي صدرت عام 1992، فإنك كتبت(وكتبت حول) نصوص تتعلق بالسيرة الذاتية. كما كتبت في مقالة أقل شهرة بعنوان ( إجلال) نشرت في ذي ثري بني ريفيو قبل عشر سنوات عن التأثير الذي أحدثه عليك كل من راينر ماريا ريلكة وروبرت موسيل وعزرا باوند ووليم فوكنر وفورد مادوكس فورد وصموئيل بيكيت. إنه تجمع غير عادي للأسماء، إنه بألكاد مدفع برأس تقليدي، لكنه بالتأكيد مدفع يحمل سماتك الشخصية. وبأعتقادي فإن الأكثر إبهاراً هو علاقتك الفطرية وتقريباً الجسدية بأولئك الكتاب." أظن أن ذلك هو المعرفة الأعمق التي يمكن للكاتبأن يكتسبها من غيره من المؤلفين" كما كتبت أنت"إنه أمر يتعلق بالإيقاع بمعناه الأوسع". بينما تكتب بعد ذلك أن الكاتب لا يقتطف الأفكار بل أسلوباً "مبسطاً" من غيره من المؤلفين:" أسلوباً ، طريقة ما للعلاقة بالعالم تغور في ذاته وتصبح جزءاً من سخصيته، جزءاً من أناه لا يمكن بعد ذلك سلخها منها". يعني مدفعاً م أكثر من أن يكون كيساً مليئًا بالمصادر المناسبة؟ هل هو بتعبير أقرب طريقة للعيش؟
جي أم كويتزي: المقالة التي أشرت اليها كتبت على عجالة وكان ذلك في محاضرة عامة في ذلك الزمن الذي كنت لاأزال أمارس فيه تلك الأشياء. ولا أعتقد أنهاكانت تتحمل التدقيق الشديد. أولاً التأثيرات التي تحدثت عنها ليست ذات طبيعة واحدة. فالكاتب الذي يقرأه الناس في يفاعتهم وفي سنوات تقبل المعرفة هو الذي يترك التأثير الأقوى والأمر يتعلق بالأعمال الأدبية الأبكر للكاتب. وفيما يخص موسيلعلى سبيل المثال فإن ماجذبني اليه هو ليس" الرجل عديم الخصوصيات" بل الأعمال الابكر أقصد القصص القصيرة ذات المحتوى الغني. أما فيما يخص بيكيت فإنني قرأته بالأحرى قبل عام 1952 وليس بعدها. وهناك شيء آخر لم يتضح لي حين كتبت ذلك النص. هنالك صنف من الأدب له تأثير قوي ولكنه غير مباشر لكونه يصل الناس من خلال الثقافة بشكلها الشمولي وليس عن طريق التقليد. والمثال الأسطع على ذلك هو ووردز وورث. فأنا لا أجد آثاراً من أسلوب أو طريقة تفكير ووردز وورث، بيد أنني أجد أن لووردز وورث حضور دائم حين أكتب عن الناس وطريقة تعاملهم مع الطبيعة. وإذا أردت أن أجيب على سؤالك مع الأخذ بنظر الأعتبار الإعتراضات التي تفكر فيها- أو الإعتراضات الأخرى التي قد تبعث على الضجر حين أفكر بها – فإنني سأقول أن في مدفع أحدهم( وهي كلمة أستخدمتها في هذا الوقت بالذات لكنني لااحبها لأنه أسيء إستخدامها بشكل كبير) قد نجد طريقة لمقاربة الخبرة( أو تعبير مثير أكثراً للشك) أو طرق مختلفة هي شاهد على تقلب الأجوبة السريعة بخصوص الخبرة.


دافيد آتويل: إذا كان هنالك شيْ ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح مدفع شخصي أو مدفع معاش، فإنه لا مناص من حمله طول الموقف التأريخي الذي قدر للإنسان أن يكون جزءاً منه. وهذا بإعتقادي سؤال ذو ماهية أخرى، سؤال ذو طبيعة أعظم، وفي المقال ذاته تكتب: " هنالك أزما وأماكن معينة تلد كتاباً يردون على حديات زمنهم، في حين لا يستطيع آخرون ذلك. وتضرب مثلاً كاتب من مستعمرة سابقة تتطابق سماتها الى حد ما مع جنوب أفريقيا، فتسمي باتريك وايت وبشكل خاص رواية " فوس" انا أعتقد أن هنالك إحتمالين، أما أن تكون وظيفة مسار المعرفة الأدبية للشخص هي أنه تحضيراً لتلك التحديات، أو أن لا يكون الأمر كذلك وفي تلك الحالة يجب عليه التأقلم. هل تجد نفسك في وضع العودة للتفكير في العلاقة بين مدفعك المعاش وجنوب أفريقيا؟ وإذا نظرت الى الوراء فكيف تتحرك تلك العلاقة في إطار كتابتك؟
جي أم كويتزي: إذا جرى النظر الي من فوق كعينة تأريخية فأنني نتاج متأخر للتوسع الأوربي الهائل من القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين، وهو التوسع الذي حقق اغراضه في أميركا الشمالية والجنوبية وإستراليا ونيوزيلنده لكنه تعرض الى إخفاق مريع في آسيا وفشل بشكل كبير تقريباً في أفريقياأقول أنني نتاج لذلك التوسع لأن إنتمائي الثقافي هو وبشكل جلي أوربي، وليس أفريقي.
كما أنني أنتمي الى جيل في جنوب أفريقيا من أجله وضعت سياسة التفرقة العنصرية، وهو الجيل الذي جرى التخطيط لكي يقوم هو بقطف ثمارذلك النظام السياسي.
وفيما يخص سؤالك حقاً، والمعادة صياغته من خلا ل تلك المصطلحات، عن ماهية العلاقة الصحيحة وكيف يجب أن تكون بين ممثلي هذه الكولونيالية الفاشلة، بكل الغظطهاد الذي جلبته معها، وبين ذلك الجزء من العالم( والإنسان الموجود على ذلك الجزء من العالم) الذي حاولت فيه تلك السياسة الإستعمارية تثبيت نفسها لكنها فشلت.
وجوابي – وهو متردد وغامض – بأنه كان ولربماسيبقى، خلال ماتبقى لي من العمر، أن أتمتع بالسؤال أكثر مما أجيب عليه بمصطلحات مجردة. وحينما أقول أنني تمتعت بالسؤال فإنني لا أفكر فقط بحياتي اليومية بل أيضاً بالكتابة.
وكما تعرف فإنني لاأعتبر عملية الإبداع الأدبي – أي إبتكار وتطوير الخيال – كشكل من أشكال التفكير المجرد. وأنا لا أريد التقليل من معنى العقل، بيد أنه تبرز أحياناً قناعة بأن العقل بحد ذاته لا يقودنا الى أي مكان.
وهنا قد يكون مناسباً القول أن التوتر المتجذر بين الفنان من جهة الذي من أجله ممكن أن يصبح ماندعوه " قضية حياته" أو "مسألة العيش بالطريقة المطلوب منه العيش بهافي ظروفه الخاصة"، مصدر تستقي منه دراما يجري تمثيلها خلال زمن معين بذروات وإنحدارات عديدة، ومن جهة أخرى الناقد أو الراصد أو القاريء الذي يريد وضع الكاتب و"قضيته" الخاصة في صندوق والسير نحو الأمام. وأقول هذا دون أن أقصد التجريح مطلقاً.


دافيد آتويل: ضمن الحقل الواسع للتأريخ الأوربي الذي تقصد أنك مشمول به فإن علم الجمال على مايبدو كان يحمل أهمية خاصة منذ بداية هذا الـتأريخ وحتى منتصف القرن العشرين. وحين عملت على ماركاته الخام "الحداثة"، "الحداثة المتأخرة"، "الحداثة الأوربية" فإن تلك المواد لم تكن رموزاً متكاملة، بيد أنني أذكرها للتبسيط، فإنك قدمت مساهماتهك من زاويتك الخاصة جداً، لربما جزئياً بسبب المكان الذي إنطلق منه قسم كبير من كتاباتك. ويبد أن جنوب أفريقيا من بين عوامل كثيرة ساهمت في إضفاء حساسية جارفة على المعاناة وموقع الجسد في التأريخ في كتاباتك. وهناك مثال آخر يمكن أن أضربه الا وهو مراجعتك المتميزة لمعنى التعايش( أخلاقياً وجمالياً) في خضم الفروق في لجة " الإختلاف". ومن هذه الزاوية فأن كتاباتك أكثر تحدياً مقارنة بالتعامل المكرور للتقاليد مع مسألة تمزق عرى التواصل بين الناس. وتوجد بالطبع صفحات أخرى مهمة في أعمالك يبدو أن الأكاديمية السويدية فهمتها وقومتها بشكل صحيح.
جي أم كويتزي: لا أستطيع التعليق على قرار الأكاديمية السويدية. ولكن بما أنك ذكرت ماتركه صموئيل بيكيت من تأثير علي، وكان رأيك صحيح تماماً، فإننيأريد أن أقول شيئاً عن بيكيت. يمكن نعت بيكيت بكونه محدث جداً او ما بعد حداثي. لقد كان بيكيت أيرلندياً أوربياً ولم تكن له أية روابط بأي شكل مع أفريقيا. ولكن حين يقع هو بين أيدي مسرحي ماهر وحساس مثل آتول فوجارد يمكن نقل بيكيت بشكل كامل الى أجواء جنوب أفريقيا بحيث يبدو وكأنه من جنوب أفريقيا. ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن تأريخ الفنون هو تأريخ للتقاطعات المثمرة التي لا تنقطع أبداً عابرة الحدود والحاجز.


دافيد آتويل: يوجد ميل الى الشكب الذات في أعمالك الأخيرة، "اليزابيث كاستيللو" الذي يتصاعد في ملحق الكتاب " رسالة من اليزابيث، ليدي جاندوس، الى فرانسيس بيكون" وهذا النص ينطلق من الرسالة الشهيرة لهوجو فون هوفمنتال الى جانتوس والتي ينكر فيها أن تكون هنالك جمالية في بواكيره الشعرية. وعلى مستوى أعمق تعبر رسالة هوفمنتال شكاً يبعث على الإختناق في اللغة نفسها وإمكانياتها في توحيدنا في عالم من الأشياء المجدية. وتضع الرسالة اليزابيث في موقع الشعور ذاته بالأزمة أو بتعبير أدق بالمحق، لأنك تختار لرسالتها تأريخ 11 سبتمبر(1603)! فهي تترك النص، بتعبير آخر، في حالة من نفي الذات. فهل تريد هي أن تقول أن عالم الأدب، رغم كل شيْ، لا يقدم نوعاً من الغفران أو التخفيف " " "للأرواح المتطرفة"؟
جي أم كويتزي: عادة ما أرفض الإقتراحات التي تدعوني الى تفسير رواياتي. فإذا ماتواجد سبيل أفضل وأسرع وأوضح لقول ماتقوله الروايات، لماذا إذن لا نضع كتابة الرواية جانباً؟ تعلن اليزابيث، الليدي سي، إنها تكتب عند حدود اللغة. اليس من الوقاحة أن الاحقها لتوضح لي ماتقصده بدلاً من أن أقول ذلك شخصياً؟ فيما يخص 11 سبتمبر دعنا بحق الله الاّ نعطي الأمريكان حقوقاً مطلقة لإمتلاك هذا التأريخ تماماً مثل 1 مايس أو 14 تموز أو 25 ديسمبر. فالحادي عشر من سبتمبر يعني أيضاً الكثير بالنسبة لبقة الناس، بينما هو بالنسبة لآخرين يوم كغيره من الأيام.
أما فيما يخص السؤال المتعلق بالعالم المناسب" للأرواح المتطرفة" فإنني أريد التأكيد على أن ماسميته " بعالم الأدب" أو أي سبيل آخر للعيش يمنحنا إمكانيات للبحث في كينونتنا ووضعها موضع التساؤل – في حالة الفنان الفانتازيا، اللغة الرمزية، فن القصة – هو عالم جميل، جميل بمعنى أنها من تعني المسؤولية الأخلاقية.

دافيد آتويل هو بروفيسور في اللغة الإنجليزية في جامعة ويتووترستراند ف جوهانسبيرج. ومنذ مجموعة المقالات ط مضاعفة النقطة" الصادرة عام 1992 فقد طور هو وكويتزي أسلوب المقابلات بالمراسلة وشذباه وأنزلوه الى حيز الواقع في المقال أعلاه.

المقال أعلاه مترجم عن السويدية وعن عدد جريدة الداجنز نيهيتر ليوم 7 ديسمبر 2003. وكما عرفت فهو المقال الوحيد النادر مع كويتزي الذي يرفض إن تجرى معه مقابلات. وقد خص به الداجنز نيهيتر لكونها الصحيفة الكبرى في السويد البلد المانح لجائزة نوبل.