تحي الأوساط الأدبية في فرنسا، هذه الأيام، الذكرى المئوية لوفاة الأديب الروسي انطون تشيكوف (1860 -1904) أو "محترف مهنة بيع السعادة للآخرين"، على تعبير أحد النقاد الفرنسيين. ولعل أكثر ما يستحضره بهذه المناسبة، محبو تشيكوف وعاشقو أدبه هي، تلك المناجاة/ اللوعة، التي كانت قد رددتها شقيقة روحه وتوأمه في الإبداع القصصي، الإنكليزية كاترين مانسفيلد 1888 -1923: " آه، تشيكوف لم رحلت عنا؟ لم لا أستطيع أن أتسامر وإياك، داخل غرفة فارهة، في عتمة الهزيع الأخير من الليل، حين تخفف الأشجار المتمايلة في الخارج، وهج الضوء الأخضر؟"
الحق، أن القارئ الفرنسي، شأنه شأن القراء الأخرين في أنحاء كثيرة في العالم، ليس بحاجة لمناسبة ما، حتى يتذكر أو يعرف ما أضافه إلى الإبداع العالمي، صاحب "بستان الكرز" و"الأخوات الثلاث" و"العم فانيا" و"النورس". فقد ترجمت الكثير من أعمال تشيكوف إلى الفرنسية خلال السنوات الطويلة الماضية، وصدرت أعماله الكاملة في طبعة "بليارد" الفرنسية الفاخرة، المخصصة لنشر أعمال العمالقة، وما تزال مسرحياته يعاد عرضها، وتتوالى الدراسات النقدية عنه، وتتم ترجمة أعمال لم تنشر له سابقا، سواء عن لغته الروسية ألام، أو عن ترجمات بلغات أخرى.

وفي إطار إحياء الذكرى المئوية لوفاة تشيكوف في الثاني من تموز، صدر عن دار غاليمار المعروفة كتابا بعنوان "تعاسة الآخرين" Le Malheure des autres . والكتاب هو مجموعة قصص قصيرة لم تنشر سابقا، اختارتها وترجمتها من الروسية ليلي ديني، التي تعتبر أحدى المختصين بأدب تشيكوف. ويعود تاريخ كتابة هذه القصص إلى سنوات 1882 و 1883 و 1885 و 1886، تتصدرها قصة بعنوان ) رسالة إلى جاري العالم LETTRE A UN SAVANT VOISIN ( قالت المترجمة أنها أول قصة كتبها تشيكوف، ويعود تاريخها إلى 8 أكتوبر 1881، أي عندما كان في الحادية والعشرين من عمره.

وفي ملاحظة تمهيدية قدمت بها الكتاب، شرحت المترجمة الأسباب التي دعتها إلى ترجمة هذه القصص القصيرة إلى اللغة الفرنسية، فقالت، انه "ما بين 1880 و 1898، كتب تشيكوف 649 حكاية وقصة قصيرة. وقد تم نشر نحو 200 منها داخل فرنسا، خلال السنوات الماضية. ورغم أهمية هذه القصص الفائقة، إلا أنها اختيرت للنشر بطريقة عشوائية". وتتساءل المترجمة بقولها: " ماذا عن بقية الأعمال البالغ عددها 399 ؟ "تفسير هذا النقص يعود في رأيها إلى عدة أسباب منها، أن تشيكوف نفسه كان قد أعلن أن هناك بعض من أعماله لا يرغب أن تضمها مجموعات أعماله الكاملة، وقد تم احترام ما أراده تشيكوف، لفترة طويلة. لكن أكاديمية موسكو بادرت إلى كسر هذا المنع عندما بدأت منذ 1972 وحتى 1983، بنشر أعماله الكاملة، وأصبح منذ ذلك التاريخ، بأمكان القارئ الروسي، والقراء في بعض الدول الأوربية، الإطلاع على جميع أعماله. والسبب الثاني يرجع إلى رداءة بعض ما كتبه تشيكوف، خصوصا في مطلع شبابه، عندما كان ما يزال غريرا بعد، في حرفة الأدب، لا يهمه من كتابة ونشر أعماله إلا كسب بعض الروبلات، وهي أعمال تستحق، فعلا، أن توضع على رف النسيان، كما تقول المترجمة. أما السبب الثالث فيرجع إلى ذوق الناشرين أنفسهم، الذين غالبا ما يفضلون هذا العمل أو ذاك على دونه من بقية أعمال تشيكوف، لأسباب ذاتية، ليست لها علاقة بالقيمة الأدبية، أو بالمعايير النقدية.

ثم تضيف المترجمة، أن الكتاب الصادر حديثا بعنوان "تعاسة الأخرين" هو، حصيلة لمراجعة قامت بها ل 399 من أعمال تشيكوف الغير منشورة، واختارت منها، بعد ذلك، 38 ثلاثين قصة، هي كل ما تضمه هذه المجموعة.

عنوان "تعاسة الأخرين" الذي ظهرت به هذه المجموعة القصصية، يعود في الأصل إلى عنوان أحدى القصص التي وردت في هذه المجموعة، وكان تشيكوف أنجزها في 28 تموز/ يوليو 1886. (ترجمة عربية لها في قسم "قص").
وفي مراجعته لمجموعة "تعاسة الأخرين"، قال الناقد الفرنسي، روجر غرينير، في مقال نشره في الملحق الأدبي لصحيفة لوفيغارو في عددها الصادر يوم الخميس 22 تموز، أن المترجمة ليلي دني، الخبيرة المتمرسة بما كتبه تشيكوف، قدمت لنا، عبر ترجمتها لهذه القصص التي لم تنشر سابقا، اضمامة جديدة من قصص تشيكوف، وهي قصص تلقي مزيدا من الضوء على جوانب مختلفة من أبداع، وخصال تشيكوف الشخصية: كرمه وأريحيته، إلى جانب فظاظته ; روحه الساخرة وسوداويته، معا ; أفعاله الخيرية الإنسانية، ولكن التي لا تمنعه، مع ذلك، ان يقول " أنا لا أحب أي إنسان" ورأى الناقد انه إذا كانت مسرحيات تشيكوف معروفة جيدا للقراء، وما تزال تعرض دون توقف، فإنها تظل، مع ذلك، شيئا نزيرا لو قورنت بقصصه القصيرة التي تربو على 649 قصة.

وعن رأيه بما كتبه تشيخوف، يقول الناقد روجر غرينير: "يخالجني، دائما وأبدا، إحساس بأني أعرف تشيكوف بصورة أفضل مما أعرف الكثير من هولاء البشر الذين يقاسمونني، يوميا، شؤون حياتي". و يفسر ذلك بقوله: "إن تشيكوف نفسه هو الذي يسهل هذا الأمر. فقد كان دائم الترحال، مثله مثل بقية مواطنيه الروس، بل هو كان الأكثر. وقد اعتاد تشيخوف، في كل مرة يسافر فيها، أن يبعث برسائل إلى عائلته وأصدقاءه، حتى ترك وراءه كما هائلا من المراسلات، تسمح لنا برصد حياته، يوما بيوم".
لكن معرفة أي كاتب، كما يرى الناقد، "لا تمم عن طريق تتبع حياته اليومية، بقدر ما تتم عبر قراءة أعماله الإبداعية. وتشيكوف خلف لنا الكثير الكثير من هذه الأعمال".

وعندما كان تشيكوف يكتب أعماله، فانه، كما يقول الناقد غرينيير، "لم يكن بحاجة إلى اختراع مواضيع من عندياته. كل ما كتبه يعود له. انه جزاء اللطف الحاذق الذي كان تشيكوف يكرسه للجميع. ولكن تشيكوف نفسه يظل، بالمقابل، عصيا على الإمساك به. ومثلما قال مرة في " السيدة صاحبة الكلب الصغير": (كل ذات بشرية تنطوي على سر من الأسرار)".

وفي ما يتعلق الأمر بالنساء، فأن الأمور، كما يرى غرينير، " تبدو أكثر تعقيدا. وفي جميع أعماله الإبداعية فأن تشيكوف لم يستطع إغفال هذا الموضوع. وينقل عن تشيخوف قوله: "أن أي قصة قصيرة لا تحتوي على نساء، إنما هي مثل ماكنة بدون بخار". ووفقا لما يراه الناقد، فان "تشيكوف لم يكن بحاجة إلى جهد كبير حتى يعثر على النساء اللواتي يريد. يكفيه أن يتلفت حوله ليجدهن أمامه: نساء تعيسات، مهانات، طائشات، قبيحات الخلق، ضحايا، بغايا. وبعض الأحيان تجد واحدة من هذه النساء نفسها وقد صيرها تشيكوف شخصية من شخصيات قصصه، وعندها تشعر تلك المرأة بعدم الرضا لأنها تجد أن تشيكوف قد ظلمها عندما حولها إلى شخصية قصصية". "ومثلما في قصصه، فان تشيكوف كان، في حياته اليومية، أيضا، بحاجة لصحبة النساء. ولكن حالما يدرك أن إحداهن تريد منه صحبة دائمية، فانه سرعان ما يهرب ويتركها وحدها. ولهذا فان تشيكوف لم يعرف قط، التعلق المشبوب بأمراة". ولهذا السبب، أيضا، فان فكرة " الهرب" غالبا ما تحتل مكانا بارزا في أعماله.

إن فن تشيكوف يعتمد، في رأي هذا الناقد، على مواضيع سهلة. إذ كان يكفيه أن يراقب الحياة والبشر، ليختار بعد ذلك ما يعجبه، معتمدا في كتابة قصصه على وسائل غاية في الاقتصاد.
وبالإضافة إلى مجموعة "تعاسة الاخرين" الذي أصدرتها دار غاليمار، صدر، أيضا، وبنفس المناسبة، كتاب بعنوان "نصائح إلى كاتب"، عن دار روشيه. والكتاب بقسمين. القسم الأول يضم مجموعة نصائح/ رسائل، كان تشيخوف قد بعث بها إلى معارفه وأصدقائه، وضمنها أرائه في فن كتابة القصة، وانطباعاته عن بعض الروايات التي قرأها، وموقفه إزاء علاقة الأديب بالسياسة، والقواعد التي يعتمدها في اختيار مواضيع قصصه ) أوردنا بعض نصائحه في هذا الملف (. وقد تمت ترجمة هذه الرسائل عن اللغة الروسية من قبل ماريان غورغ، سبقتها مقدمة، كانت قد كتبت، أصلا، بالإيطالية، بقلم بيرو برينولو، قبل ترجمتها إلى الفرنسية.
ومما كتبه برينولو في مقدمته المذكورة: "لم ينتم تشيكوف، قط، إلى أي حركة سياسية". وينقل برينولو عن الأديب الروسي
نابكوف قوله: "كان تشيكوف يؤمن أن أولى الضرورات، بالنسبة إليه هي، تحقيق العدالة. وطوال حياته كلها، وقف تشيكوف ضد الظلم بكل أنواعه، ولكنه كان يفعل ذلك ككاتب.لقد كان تشيكوف، وقبل كل شيء أخر، يتصرف كفرد، سواء كإنسان أو كأديب".
ويتحدث برينولو، بإسهاب، عن مواقف وأراء تشيكوف، إزاء مواضيع مختلفة، منها ريبته وشكوكه بدور " المثقفين"، عندما يطرحون أنفسهم كمنقذين للبشرية، وأصحاب "رسالة" في هذه الحياة، فيرى أن تشيكوف لم يكن يؤمن، في أي يوم من الأيام، بأن "المثقفين" هم خير من يحق لهم تقديم الدروس والمواعظ للآخرين. و" المثقف" الذي كان تشيكوف يريده هو، ذاك "المثقف الحر"، كفرد، كواحد، يبدع ويعمل ويتصرف بعيدا عن أي نوع من أنواع " التضامن "، سواء جاء هذا التضامن من زملاء المهنة، أو من الدوائر الثقافية العامة، أو الخاصة. وينقل عن تشيكوف قوله: " قدس الأقداس عندي هو، جسد الكائن البشري، وصحته، وصفاء ذهنه، وموهبته، وألهامه، وعشقه، وحريته، حريته المطلقة، حرية الوقوف ضد القوة الغاشمة والتدليس، مهما تلبست هذه القوة وهذا التدليس، من لبوس وأقنعة. هذا هو برنامجي الذي سأسير عليه وأطبقه، لو أصبحت كاتبا مرموقا".
وفيما يخص "نصائح" تشيكوف، فإنها رتبت، في هذا الكتاب، على عدة أبواب، هي: لماذا نكتب ؟ لمن نكتب ؟ ماذا، وكيف نكتب ؟ بالإضافة إلى قضايا أخرى تخص مسائل تقنية، تتعلق بالشخصيات الروائية، والسرد الوصفي، والأمور التي يتوجب تفاديها في كتابة القصة، والموقف إزاء
المنتديات والأتحادات والجمعيات الأدبية، وغيرها من القضايا الأخرى. وهذا القسم كله تمت ترجمته من الروسية، مباشرة.

أما القسم الثاني من كتاب "نصائح إلى كاتب"، فهو بعنوان "حياة انطون تشيخوف"، بقلم ناتاليا غينزبيرغ، وقد تمت ترجمته إلى اللغة الفرنسية، من اللغة الإيطالية. ويتعقب هذا القسم حياة تشيكوف: طفولته وصباه وشبابه وكهولته. ويسرد معلومات عن الظروف العائلية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نشأ فيها الكاتب.

وفي هذا القسم المعنون "حياة انطون تيشكوف"، تكشف ناتاليا غينزبيرغ عن تلك الجوانب البائسة التي عاشها تشيكوف إثناء طفولته، وكيف كان يتلقى "ضربات الحزام" من والده، عندما كان تشيكوف الطفل يخطأ في درس الحساب، وكذلك تتحدث عن تلك العلاقة المرتبكة التي كانت تربط بين أب تشيكوف، بتصرفاته الفظة المتجبرة، وبين أمه، ذات الطبيعة الخانعة. وترى أن ما تعلمه تشيكوف من طفولته تلك هما، أمرين، أولهما "كراهيته ورفضه لأي ممارسة دينية أصولية ومتعصبة. والأمر الأخر هو، كراهيته التي تصل حد الهوس، ضد كنز المال، فقد ورث من أيام طفولته البائسة تلك، لامبالاة عميقة ضد النقود، وهي لامبالاة تحولت عنده إلى رغبة غريزية، تدفعه إلى أن يوزع ما يملكه من نقود لكل محتاج". وفيما يتعلق بانعكاسات تلك الفترة على أبداع تشيكوف، تقول المؤلفة، أن ما تعلمه تشيكوف يكمن " في تلك الطريقة الرائعة التي يكتب فيها قصصه، وهي طريقة حاذقة، مرنة، صاعقة وحاسمة، مثله مثل شخص يفتح، على حين غرة، نافذة واسعة، أو بابا: ثم يضع أمام عيني القارئ ملامح لشخصية إنسانية واحدة، أو لعدة شخصيات، ويترك، بعد ذلك، القاري يستمع لأصوات هذه الشخصيات ويخمن أي حال هم عليه، دناءتهم، أو جدارتهم، سماحتهم، أو عجرفتهم. ثم، وبصورة مفاجأة تماما، يقوم، وبالطريقة المفاجأة نفسها التي فتح بها النافذة أو الشباك، بغلقهما من جديد، رغم أنف القاري، تاركا هذا القارئ في استغراقه، ونشوته وذهوله".

بعض من نصائح تشيكوف:


" نك تنتقدني، لأن أبطالي سوداويون. وأقول لك، بحسرة، ليس أنا من يلام. فالأمر كله خارج عن إرادتي. وأنا عندما أشرع في الكتابة، فليس في نيتي الكتابة عن أمور سوداوية. وعلى العموم، فعندما اجلس أمام مكتبي وأبدأ الكتابة، فأن مزاجي دائما ما يكون على أحسن ما يرام. إنه لأمر معروف جيدا، أن الأشخاص السوداويين والكئيبين، دائما ما يكتبون مواضيع سعيدة، بينما نجد إن المواضيع التي يكتبها أشخاص سعداء في الحياة، تفيض بالحزن. عدا عن ذلك، فأنا أحب الحياة. وعلى الأقل، فقد عشت السنوات الثلاثين الأخيرة من حياتي، طوعا لرغبتي الخاصة، كما يقال."
رسالة مؤرخة في 6 أكتوبر 1897.

"لقد رأيت أمورا كثيرة في حياتي، والسؤال المطروح حاليا هو، ليس في هذه الأشياء التي رأيتها، ولكن عن الطريقة التي شاهدت بها تلك الأشياء".
رسالة مؤرخة في 11 أيلول 1890


"ليست مهمة الفنان محاكمة شخصياته وما تتفوه به، ولكن عليه أن يكون شاهدا محايدا. فعندما أستمع لحديث يدور بين روسيين، يطغي عليه التشاؤم والتشوش وغياب الحلول، فأن واجبي، ككاتب هو، أن أنقل محادثتهما، مثلما سمعتها. والحكام وحدهم، عنيت القراء، هم الذين من حقهم أن يصدروا ما يشاءون من أحكام. )... ( لقد حان الوقت لكي يدرك الكتاب والفنانون، على وجه الخصوص، الحقيقة القائلة انه من المستحيل أن يفهم شيئا في هذا العالم، مثلما سبق وأن قال ذلك سقراط، وبعده فولتير".
رسالة مؤرخة في 30 مايو 1888


"أي قصة قصيرة يجب أن تعاد كتابتها خمس أو ست مرات، وأن تشغل كتابتها تفكيرنا، بطريقة مستمرة، حتى لا تفوتنا الجمل الصحيحة التي نكتب بها القصة. وقبل أن نرمي بالمفردات على الورق، فأن كل مفردة يتوجب أن تتخمر يومين داخل دماغنا، لكي يتم صقلها، وهذا أمر أنصح به الكتاب الشباب، دون غيرهم".
رسالة مؤرخة في 13 آذار 1890


" يجب أن لا نكذب، أبدا. فالفن لا يتحمل، بسبب عظمته الخاصة به، الكذب. بأمكاننا أن نكذب في الحب، وفي السياسة وفي الطب، وبأمكاننا أن نخدع الناس، وأن نخدع حتى السماء، ولكن لا يمكننا أن نفعل ذلك في الفن". رسالة مؤرخة في 1900

"في كل ليلة أستيقظ فأقرأ رواية ) الحرب والسلام (.وبكل ما في الأمر من غرابة وسذاجة، معا، أشعر وكأني أقرأها للمرة الأولى. إنه أمر عجيب. الشيء الوحيد الذي لا أحبه في هذه الرواية هي، تلك المقاطع التي يظهر فيها نابليون. من جهتي، فأنا أرى أنه يكفي أن يظهر نابليون في الرواية وقد سحب من شعره، وأتمنى لو أن المؤلف بذل كل ما في وسعه من أجل تصوير نابليون كشخص غبي، حتى أكثر غباء مما هو في الواقع. إن كل ما تقوله الشخصيات الأخرى في الرواية، يتسم بالذكاء والتلقائية ويترك أثره في النفس. وبالمقابل، فأن كل ما يفعله ويفكر به نابليون، لا تتوفر فيه ذرة من التلقائية و الذكاء".
رسالة مؤرخة في 25 تشرين الأول 1891


"دائما ما أعتدت الهروب من الأمسيات الأدبية العامة والخاصة، وكذلك من الاجتماعات، مهما كان نوعها. ودائما ما كنت أرغب أن يتعامل معي أصدقائي، كطبيب وليس ككاتب".
رسالة مؤرخة في 10 آذار 1898


"لم أضع يوما ثقتي بالأنتليجيسيا الروسية، فهي منافقة ومزيفة ومخبولة وسيئة التربية وكسولة. وأنا لا أمنحها ثقتي حتى عندما تعاني وتتألم، لأن جلاديها خلقوا من نفس النسيج التي خلقت هي منه. أنا أثق بالأنتليجيسيا الروسية، ولكن كأفراد. وعندي أن الخلاص يتم على أيدي الأفراد، باعتبارهم شخصيات متنوعة، متناثرين هنا وهناك، داخل عموم روسيا.... وهذه الشخصيات المميزة التي أعنيها تلعب دورا غير بارز داخل المجتمع. ورغم أنها لا تملك سيطرة تفرضها، إلا أن عملها نفسه ظاهر للعيان. ومهما يكن، فأن العلم لا يكف عن التقدم للأمام، والمجتمع يصبح، يوما بعد يوم، أكثرا وعيا بنفسه، والمسائل الأخلاقية بدأت تقدم صورة لا تبعث على الارتياح... الخ الخ. وهذا كله يحدث بعيدا عن رغبة القضاة والمهندسين وحكام المحافظات، أي بعيدا عن تأثير الأنتليجيسيا كمجموعة موحدة، وهو يحدث رغم كل شيء".
رسالة مؤرخة في 22 شباط 1899