من برلين: اشتهر فرانسيس فوكوياما ( 53 عاماً ) بكتابه "نهاية التاريخ" الذي أذنَ، إثر سقوط الأنظمة الإشتراكية، بنهاية عصر وبداية عصر جديد. وقد أثارت أفكاره جدلاً واسعاً بين المثقفين المعنيين بالتاريخ وبالسياسة، فيما إنه بكتابه يؤوّل ويحقق فلسفة التاريخ، كما لدى هيغل وماركس، في جوهرها وفي سياقها المعاصر اليوم. ويعتبر يوكوهاما من أكثر كتاب الموضوعات السياسية نجومية، وهو واحد من الشخصيات المهمة بين المحافظين الجدد، يركز في العديد من اطروحاته على اقتصاد السوق وعلى الديمقراطية الليبرالية وعلى الدور الأميركي. وققد عمل مشتشاراً اقتصادياً في وزارة خارجية الرئيس ريغان. وهو يشغل الآن مقعد بروفيسور في جامعة هوبكنز بنيويورك.

وبمناسبة صدور كتابه الأخير "بناء الدولة" باللغة الألمانية هذا الأسبوع، ومرور ثلاثة أعوام على 11 سبتمبر، أجرت معه العديد من الصحف ووكالات الأنباء لقاءات عن أفكاره وعن موقفه الحالي من الأحداث السياسية. وفيما يلي نص اللقاء الذي أجرته معه صحيفة "برلينر مورغنبوست" الذي تركزت على موضوعة الأرهاب وعلى العراق وعلى اوربا. هنا الحلقة الأولى من الحوار

ـ مع 11 سبتنمبر بدأ النضال ضد الإرهاب. كيف تقيِّم الحصيلة بعد مرور ثلاثة أعوام؟

ـ ليس من السهولة أن نحدد ذلك، لأننا ما زلنا وسط الحرب القائمة منذ ذلك الوقت. ومن الصعوبة التكهن متى سنخرج من هذه الحرب. ولكن، على كل حال، ثمة حقيقة مؤكدة وهي أن الحرب العراقية أحدثت ضربة معاكسة للنضال الشامل ضد الإرهاب على النطاق العالمي. لقد تحول العراق الى حاضنة ومرسى للإرهاب، يتوالد هناك إرهابيون، وهم يقومون بما يريدون. وفي الحقيقة تستطيع أن تشبّه العراق اليوم بما كانت عليه أفغانستان في الأمس. ولذلك يتوجب الإنتهاء من هذه الحاضنة الخطرة وبسرعة.

ـ هل كانت خطوة إزاحة نظام حسين خاطئة؟

على أية حال لم تكن إزاحة نظام صدام حسين لها علاقة بالحرب ضد الإرهاب وتندرج في هذا السياق. كان العراق تحت نظامه مشكلة قائمة بذاتها. وكان من الممكن التعامل مع المسألة على نحو مختلف، كاستمرار فرض العقوبات الإقتصادية مثلاً، بل وتشديدها. والحقيقة أن الحرب في العراق أرجعتنا خطوات الى الوراء في حربنا ضد الإرهاب.

ـ وهل ترى هناك تقدماً أو نجاحاً ملموساً في حربكم ضد الإرهاب؟

ـ طبعاً. كانت نهاية نظام طالبان نجاحاً استثنائياً. لقد دفع الإنتصار في أفغانستان تنظيم القاعدة الى الشلل ـ سحب منها معسكرات تدريب الإرهابيين، وضرب شبكتها التنظيمية وأضعفها للغاية. وثمة حقائق كثيرة للإنتصارات التي تحققت ضد القاعدة، وهي لاتتبين في العلن. وهكذا أصبحت اليوم مناطق عديدة في العالم أكثر أماناً.

ـ قبل فترة قصيرة انتقدت، في مقال لك، حكومة الولايات المتحدة الأميركية. ما هو الخطأ الذي ارتكبه البيت الأبيض؟

ـ ثمة أخطاء.. ولكن الخطأ الأول كان الإعتقاد الجازم والقناعة التامة بإمكانية تحويل العراق الى الديمقراطية، بينما كنت، منذ البداية، متأكداً من صعوبة التحول. وأرى بأن المسألة عسيرة للغاية، وتلزمها طاقة كبيرة وتحتاج الى نفس طويل. لقد قللت حكومة الولايات المتحدة الأميركية من أهمية العملية وامتثلت للسهولة، وفق قناعتها، بصدد التحول في العراق. وهكذا فإن الأخطاء جعلت من العملية الديمقراطية أكثر صعوبة.
ثمة خطأ آخر، هو ان الولايات المتحدة الأميركية تعتمد على القوة فقط، وهي القوة العظمى الوحيدة. ولكن هذه القوة تفتقد اليوم جدل السيطرة وتستعملها دون حساب لمعرفة النتائج. وهكذا تمتثل الحكومة على القوة والحزم أكثر ما تمتثل لقوة الإقناع. وبذلك غالباً ما تسلك بغير تحفظ أزاء الآخرين وتنظر إليهم باستصغار. وأعتقد بأن هذا يقود الى أزمة ثقة تجاة القوّة الأمريكية.

ـ في كتابك الجديد دعوةٌ لبناء الدولة. ما الذي تقترحه في هذا السياق بخصوص العراق؟

ـ أظهر النموذج العراقي حتى الآن إخفاق الولايات المتحدة في بناء الدولة. وما زال عليها ان تتعلم الكثير. على الأرجح نحن لم نستعد للأمر ونحضّر له بقدر كاف من الإستعداد. وبسبب من التعثر أو الفشل تضعف رغبتنا وربما تزول بعد فيرة قصيرة. وينطبق الأمر بهذا الخصوص على الموقف من الأمم المتحدة.

ـ وأفغانستان؟

ـ هناك تمضي الأمور على نحو أفضل، كما يصرح الكثيرون. وأعتقد بأن موقفاً، كما نلاحظه ونلمسه في العراق، سوف لن يحدث في أفغانستان.، على الرغم من الخسارة التي مني بها أمراء الحرب وبارونات المخدرات. في الواقع أنا متفائل بخصوص أفغانستان.

ـ لنعد الى 11 / 9 ، هل تغير العالم العربي بعد هذا التاريخ المشهود؟

ـ لقد استيقظ العديد من الحكومات العربية. ولأول مرة أخذت تنتبه وترى وتعترف بمرض مجتمعاتها، وتحاول معالجة ذلك. وأعتقد بأن معالجة تلك الأمراض ـ الفساد وغياب الحريات والحقوق المدنية..الخ ـ سيطول بغية الشفاء الكامل.

ـ وهل غيّرَ 11 سبتمبر الأوروبيين؟

ـ عندما تقصد العقلية الأوروبية، ما إذا تغيرت بعد 11 سبتمبر، فالجواب كلاّ مع الأسف. الأوروبيون يغلقون أعينهم أمام مشكلات الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، يعتقد الفرنسيون بأنهم سيكونون بمنأى عن الإرهاب حينما يتخذون موقفاً مناهضاً من الحرب في العراق. الى جانب هذا تواجه اوروبا مشكلة معقدة مع الإسلام هي أشد مما تواجهه الولايات المتحدة الأميركية. على خلاف اميركا فإن اوروبا تضم جالية اسلامية كثيرة العدد. وهذه الجالية ـ الأقلية ستصبح على المدى البعيد مشكلة حقيقية. وكذلك، على خلاف الولايات المتحدة، فإن اوروبا سهت وتقاعست عن إدماج هذه الأقلية في مجتمعها.

ـ أنت ترى، على الأرجح، حرباً على جبهتين قادمة نحونا؟

ـ نعم، أعتقد ذلك. بل اعتقد أيضاً بأن الصراع الداخلي ـ هو أصعب وأقسى بالنسبة الى أوروبا من غيرها. أما الخطوة الأولى في هذا الصراع فينبغي ان تكون، قبل فوات الأوان، محاولة الربط بين الهجرة وبين الإندماج. و تتطلب العملية تلازماً متيناً بين الأثنين على نحو لا انفصام فيه ليتحقق النجاح. ولهذا فالفصل بين الهجرة والدمج سوف لا يؤدي الى الغرض المطلوب، بل سيعمق الأزمة الإجتماعية. ينبغي أخيراً أن يقال، وبكل وضوح أن ثمة ارتباط وثيق بين معدل الجريمة والهجرة الأجنبية.وحينما لا تكون أوربا حاسمة في موضوع الهجرة الأجنبية، ولا تولي انتباها خاصا للمهاجرين اليها من المسلمين فإن الأمر سيودي الى الإنفجار.

يتبع

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف