تعتبر كريستين مونتلبتي إحدى الكاتبات المعاصرات متقدمة صفوف الروائيين والروائيات الفرنسيين برغم عدم نيلها لأي من الجوائز الأدبية التي غالباَ ما تمنح دون اختيار سليم أو بمعزل عن التأثيرات الإعلامية وربما هذا لوحده يشكل نقطة تستوجب التوقف عندها. أي، إلى أي مدى يلعب الأعلام دوره في تقييم كاتب ما؟ ومدى تأثير أسم دور النشر بالتالي في رفع اسم كاتب ٍ دون آخر وجعله في الطليعة؟ وليس بالضرورة ما يحمل النص من تجديد وإبداع. كريستين مونتلبتي قارئة لجيرار جنيت، احد أهم الكتاب المعاصرين والمتخصصين في النظريات الأدبية. معروف عن كريستين مونتلبتي دقة قراءتها ومتابعتها لنتاجات جنيت وتقديمها. وهي أيضا، مبتدعة مصطلح "المكتبة الخيالية". وتعمل كأستاذة للأدب الفرنسي، متخصصة في نظريات الخيال في جامعة باريس.

في روايتيها الأخيرتين: ويسترن وخبرة الريف، حيث الأولى تبدأ بفكرة رجل جالس على كرسي يهز نفسه بطريقة ابعد ما تكون عن الجلوس المعتاد على كرسي هزاز، في إيوان مفتوح أمام دارةٍ يترقب طلوع الشمس، لينتهي المشهد في نهاية الرواية على الشخصية وهو يمشي نحو جواده يبطأ وكأن الكاتبة أرادت أن تعطي وقتا للقارئ ليرسم هذا المشهد في ذهنه ويعمق عنده لحظة امتطاء الشخصية لجواده مبتعدا صوب مغيب الشمس. ألأحداث كلها تسرد في يوم واحد- من بدأ جلوس الشخصية في الإيوان إلى سحبه مسدسه وإطلاقه على الخصم، فيترك المكان ورائحة بارود يسوده في سرد استثنائي بعيد عن ما نقرأه أو نشاهده في روايات وأفلام الو يسترن (رعاة البقر). رواية تجدد روح خيال رعاة البقر حيث الشخصية الرئيسية مرسومة في لوحة تمتزج فيه الألوان بحسب تغير الأحداث والأمزجة. احدهم ساردا الأحداث من الخارج- أي أن الراوي خارج عن الأحداث. الرواية تركز بعمق على فكرة وحدة راعي البقر أمام مواجهة وجوده، وجود لم يركز عليه في نتاجات سابقة حيث اعتدنا أن نقرأ وعلى الأغلب أن نشاهد في السينما أفلام تقترب من الطابع المعتاد لمثل تلك الأفلام مع إن ذكاء الكاتبة توجهت نحو استخدام كل العناصر المستخدمة عند رعاة البقر وفي فضاء الحدث: من نوعية الملابس إلى الأثاث والبيت الشهير لهؤلاء وبالطبع الحصان ونوع المعيشة. وربما من هنا تأتي أهمية نتاج ما موظفا العادي والمألوف في سبك أحداث تبدو للوهلة الأولى عادية وسرعان ما نتوقف عن اللغة التي تتمرسها الكاتبة كواحدة من أهم الكاتبات الفرنسيات المعاصرات في ابتداعها لأسلوبها الخاص التي تميزها بجدارة.
في وقائع روايتها الأخرى التي ظهرت في نفس الوقت مع روايتها الأخرى، كريستين مونتلبتي تسرد على لسان راوي يتنكر في ضمير الشخص الثالث بأسلوب شيق خبرة سيمون، الشخصية المحورية يتواجد في الريف، في فضاء رمزي حيث الشخصية عبارة عن صورة ثنائية بين الكاتب والقارئ. ولان الكاتبة تتقن لعبة توزيع الأدوار وخلق الكلمات فإنها في تناص متقن بعيد عن المعنى الكلاسيكي المعروف للتناص، أعادت إحياء رواية الكاتب الياباني هاروكي موراكامي"نهاية الأزمان" في هذه الرواية القصيرة بطريقة شيقة، رفيعة، لا تخلو من غرابة. فلا تعلو سلطة على سلطة خيال المبدع وهو يمتلك فقط أدواته كنحات فريد يطوع الأحجار لخدمة الجمال والفن الرفيع. في تصوير هندسي أيضا الراوي يجبر القارئ أن يقرأ رواية موراكامي أو يعيد قراءتها. فالتداخل الفانتازي بين أجواء خبرة سيمون في الريف وخبرة بطل موراكامي اللامسمى في عالمين متناقضين يوقف القارئ في لحظة تكوين آخر- قراءة روايتين في رواية واحدة! الكاتبة لا تهمل التفاصيل وبالأخص في الوصف الفوتوغرافي للمنا ضر في الريف وتزاوج الألوان على خامة السرد. ومن صفحة لأخرى تعلن رأيها حول الكتابة بصورة مضمرة في جمل طويلة أتقنت بسلاسة بوضعهم في مكانها المناسب وبالأخص من خلال رواية موركامي بحيث لا تحكم على أنهم جمل محشورة في نص رواية. ألوقت الذي يقضيه شخص ما في إحدى الأرياف للاستجمام في لب الطبيعة التي تحيط به، لا تتضمن زمنا ضائعاً حيث الهدوء والصخب يتواجهان، ليس في خارج الفرد بل في داخله أيضاً. ليتعدى ذالك فكرة قضاء وقت برفقة النفس، إلى تأمل عميق ونقاشٍ حول وجود الكتابة وليس فقط الكتابة كعملية أثبات للذكاء، إذ التأمل هنا يتجاوز لحظة السقوط في الذاكرة إلى لحظة الارتفاع بالذات لتصنف المعاني وأحيانا إعادة تصنيفهم، فالتأمل نفسه يبدو ككتابة عند مونتلبتي ولا يتوقف عند إيجاد معنى للعالم وإنما البحث عن ربط بين العالم والكتابة، لان الكتابة نفسها عالم مخلوق ينتصر فيها الكلمة. ومن هنا فروايات مونتلبتي تنفرد بنفسها في دقة البناء السردي وتنوع استخدامها لصوت الراوي وبنية الشخصيات وخلق نقاشا تدير دفة محاورها الكلمات ليبقى الكاتب فقط اسم على غلاف الرواية، نعرف من خلالها لغة الكاتب، تجاربه المسرودة داخل الملفوظات وعلى لسان الشخصية المصورة، وآراءه الضمنية الموافقة أحيانا مع بعض الشخصيات أو المضادة لهم. الصداقة، الوحدة، الأصل، وما لا يخلو من فكاهة راقية، مواضيع تخصهم كرستين مونتلبتي مكانة خاصة في رواياتها، مواضيع يمكن أن يكتب أي واحد عنهم، ولكن كيف؟ بأية وسيلة؟ وكيف يمكن تجاوز بديهية موضوعا ما بعملية خلق وإبداع؟ أخيرا، تعبر الكاتبة على لسان الراوي في (ص74 )، خبرة الريف: " كتابة رواية، لا تتضمن فقط ترتيب صوره الداخلية دون معرفتهم، بطريقة تزود بقراءة لاحقة".

أهم نتاجات كرستين مونتلبتي المطبوعة:
صور القارئ في النصوص الرومانتيكية (دراسة ملخصة)، بيرتران لاكوست، 1992
الخيال(نصوص مختارة ومقدمة)، فلاماريون، 2001
الشخصية، نصوص مختارة ومقدمة، 2003، فلاماريون، 2003

أسطورته انتهت، وله عنوان ثانوي: سيمون يخرج من الرذاذ- رواية، 2001
أصل الإنسان- رواية، 2002
خبرة الريف- رواية، 2005
ويسترن- رواية، 2005
جميع الروايات مطبوعة في دار نشر: P.O.L