مدريد (رويترز) - دفع "الذئب" ثمنا باهظا لخيانته حركة أرض الباسك والحرية (ايتا). فقد أجبر على تغيير ملامح وجهه بجراحة تجميل وعلى ترك عائلته واصدقائه الى الابد. والان بعد مرور ثلاثة عقود على اختفائه يكشف فيلم للمخرج الفرنسي ميجل كورتوا عن أهم جاسوس اخترق المنظمة الانفصالية العنيفة التي تدعو لاستقلال اقليم الباسك. وبدأ يوم الجمعة عرض فيلم "الذئب" (Wolf) في 175 دارا للعرض في أسبانيا وحصل الفيلم الذي أخذ عنوانه من الاسم السري لمايكل ليخارزيا على ترخيص لعرضه دوليا في وقت لاحق من هذا العام. وأطاح ليخارزيا بقيادة ايتا بأسرها في عام 1975 بعد ثلاثة أعوام من العمل السري الذي أدى الى اعتقال 150 من قيادات ايتا وغير حياته الى الابد خلال السنوات الاخيرة لنظام الجنرال فرانشيسكو فرانكو الاستبدادي الذي حكم أسبانيا في الفترة من 1939 وحتى 1975. وجعلت منظمة ايتا الغاضبة ليخارزيا الذي كان عمره 25 عاما انذاك هدفها الاول بينما شعر سادته في المخابرات بالفخر لانهم أخفوه لثلاثين عاما.

المخرج الفرنسي ميجل كورتوا

قال الصحفي ملشور ميرال الذي كان أول من يروي قصة ليخارزيا والذي شارك في كتابة الفيلم "في أي دولة أخرى في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة كان سيحظى برعاية وحماية لكنه هنا كان منبوذا." وقال ميرال لرويترز في مقابلة "يشعر أن ساحته برئت. عندما شاهد الفيلم عانقني وقال.. حصل الاخرون جميعهم على ميداليات لكن حصولي على هذا تطلب 30 عاما." ويشير الفيلم الذي قام ببطولته المطرب الفرنسي باتريك برويل الذي لعب دور "نيلسون" الرجل القوي في ايتا الى أن الشرطة قامت بتجنيد ليخارزيا عندما اعترفت زوجته بايوائهما اثنين من أعضاء ايتا الهاربين. وتحول الى متسلل لحل مشكلاتهما المالية من ناحية ولمعارضته أعمال القتل التي تقوم بها ايتا من ناحية ثانية. وفي منتصف السبعينات كانت ايتا في ذروة سلطتها. وتمتعت بتأييد كبير في أرض الباسك حيث قمع فرانكو بوحشية لغتهم وثقافتهم المحلية وتعاطف كثيرون اخرون في مناطق أخرى في اسبانيا مع قتالها من أجل الديمقراطية. قال ليخارزيا لصحيفة الموندو في مقابلة "كانت ايتا في تلك الايام مختلفة تماما عنها اليوم فهي كانت تضم أناسا مؤهلين ثقافيا على نحو أكبر بكثير." ومضى يقول "كانت تتمتع بتأييد شعبي وفي فرنسا كذلك بل من السلطات الفرنسية. كان من الصعب اختراقهم." وفي عام 1973 قتلت ايتا الاميرال لويس كاريرو بلانكو نائب الدكتاتور وخليفته المحتمل بتفجير قنبلة تحت سيارته. وربما عجل الاغتيال بانتقال أسبانيا للديمقراطية لكن الفيلم يرى أن المتطرفين أسكتوا المعتدلين داخل ايتا الذين يؤيدون القاء السلاح لتأسيس حزب سياسي بشكل دائم غالبا. ومنذ عام 1968 قتلت ايتا أكثر من 800 شخص في حملة من أجل اقامة دولة مستقلة في شمال أسبانيا وجنوب غرب فرنسا. وجعل اغتيال كاريرا بلانكو نظام فرانكو مستميتا لتوجيه ضربة ثقيلة لايتا.

وكان "الذئب" هدية للجهاز السري وهو كاسكلدوني يتحدث لغة الباسك الاصلية ولديه صلات بعالم الباسك ويعارض استخدامهم للعنف. وكان ليخارزيا قادرا على اختراق معاقل ايتا في منطقة الباسك الفرنسية حيث كانت السلطات الفرنسية المعارضة لدكتاتورية فرانكو تتسامح مع وجودهم. وبينما يقف الفيلم على الحياد من القتال الذي خاضته ايتا ضد الدكتاتورية فانه يشير الى أن أجهزة الامن أضاعت فرصة نزع أسلحة الجماعة المسلحة بتجاهل طلبات ليخارزيا بالسماح له بقيادة الجماعة الى الحلبة السياسية. يقول الممثل الاسباني ادواردو نورييجا الذي قام بدور ليخارزيا ان "الذئب" كان أسيرا وضع خارج سيطرته. وأضاف نورييجا "حانت اللحظة عندما اعتقد أنه يستطيع القضاء على ايتا ويحاول أن يكون بطلا لكن الشرطة لم تسمح له وتوعدته ايتا بالقتل."

وبالنسبة لميرال فان قصة ليخارزيا قصة رجل أرغم على تغيير مظهره وهويته وهجر العائلة والاصدقاء ودفن سر ماضيه. وقبل المؤتمر الصحفي بمناسبة بدء عرض الفيلم في فندق ريتز بمدريد دلف ليخارزيا الى ردهة الفندق دون ان يلحظه أحد متعجبا من الاهتمام الذي احدثته قصته. ثم ترك المكان راحلا عن مدريد ليلا للمنفى. وقال لصحيفة الموندو "أعرف انني سأكون هدفا لايتا مادمت على قيد الحياة ... فقدت كل الاشياء التي كانت قبل 30 عاما مهمة لي."