في العام 1969 قدم المخرج الكبير قاسم محمد مسرحيته الذائعة ( النخلة والجيران) عن رواية الكاتب الراحل غائب طعمة فرمان، وعد العرض، حينها وما زال، نقلة نوعية مهمة في مسيرة المسرح في العراق. لم يحسب العرض لمخرجه فقط، بل كان هناك من حصد نجومية رافقته إلى اليوم، وهم الممثلون الذين لعبوا أدوار العرض ومنهم الفنان مقداد عبد الرضا. وبعد ( النخلة والجيران) كان على عبد الرضا أن ينتظر دوره اللافت في المسلسل التلفزيوني الكبير( الذئب، النسر وعيون المدينة) للمخرج الراحل ابراهيم عبد الجليل، دور ( رؤوف أبو قنبورة)، ذلك الدور الذي رسخ تجربته التمثيلية في ذهن المتلقي ولم يخلص منه حتى وهو يلعب فيما بعد أدواراً أخرى مهمة ولافتة في الدراما التلفزيونية منذ ( الأيام العصيبة) وليس انتهاءاً بمسلس ( مناوي باشا) وما بينهما عدد كبير من الأدوار في السينما والمسرح والتلفزيون والاذاعة. ومقداد عبد الرضا ممثل كثير الأحلام، شديد الحساسية، مفرط في الحذر... هذه المواصفات النادرة في عمل الممثل العراقي كانت شفيعه وهو يختار أدواراه واحداً تلو الآخر، كما أنها من كان يدفعه لمغامرات فنية متتالية.
أخلص عبد الرضا كثيراً للسينما، وبالرغم من شح الانتاج السينمائي العراقي اجمالاً إلا أنه كان يسجل حضوراً لافتاً في مجمل الأفلام التي قام بلعب بطولتها، ومن ذلك دوره في فيلم( اللعبة) كتابة يوسف الصائغ واخراج محمد شكري جميل، وهو فيلم من نماذج الرواية البوليسية إلا أن مخرجه أصر على أن يلعب عبد الرضا دوره مرتدياً (باروكة) كثيراً ما ردد عبد الرضا أنها أفقدته تلقائيته وشعوره الداخلي بالرضا عن أداءه. كما لعب دور احدى الشخصيات القلقة والعدائية الهدامة والتي في النهاية تضع حداً لحياتها بالانتحار في فيلم( شيء من القوة) للمخرج كارلو هارتيون، وحصل فيه عبد الرضا على جائزة أفضل ممثل عراقي. ومن أدواره السينمائية اللافتة الأخرى دوره في فيلم ( عرس عراقي) لمحمد شكري جميل و(الحدود الملتهبة) لصاحب حداد وفيلم (ليلة سفر) للمخرج بسام الوردي.
عمل مقداد عبد الرضا في عدد من الأفلام التي أنتجت ضمن ما أطلق عليه في حينه بموجة أفلام السكرين، وهي أفلام مصورة تلفزيونياً ولكن بمواصفات سينمائية وتصلح للعرض من خلال شاشات السكرين متوسطة الحجم. لقد رافق ظاهرة أفلام السكرين التي غزت العراق أواسط التسعينيات الماضية، بسبب ركود الانتاج السينمائي العراقي والتلفزيوني على حد سواء، رافقتها موجة كبيرة من النقد باعتبار أن هذه الأفلام كانت تبحث عن ما يريده المشاهدون( مشاهد بوليسية أو خليعة ألخ) دون اهتمام بالأثر الفني والجمالي للسينما بشكل عام، ولكنها بالمقابل أفرزت عدداً من المهارات الإخراجية : فادي آكوب وأركان جهاد وجمال عبد جاسم وغيرهم ، كما منحت الممثل العراقي فرصة لإبراز مواهبه السينمائية. ولقد لعب عبد الرضا أدوار بعض هذه الأفلام، أهمها فيلم ( الانفجار)، ونزعم أن ظاهرة أفلام السكرين لو كانت استمرت لأفرزت عدداً من النتائج الجيدة على المستوى المستقبلي لصناعة السينما في العراق بالرغم من كل ما تتهم به من سلبيات.
وفي السينما أيضاً، وهي تمثل حقيقة حلمه الأكبر، ترى مقداد عبد الرضا صاحب أكبر مكتبة سينمائية في العراق حيث تضم ما لا يخطر على بال من روائع الفن السابع، وبالرغم من أنه يحلم يوماً ما بأن يقف خلف الكاميرا السينمائية مخرجاً إلا أن حضوره ممثلاً في عدد من الأفلام العراقية كان بمثابة تمرينات له على وقفته المنتظرة تلك. وليس غريباً أن يهرع مقداد عبد الرضا لأرشيف السينما العراقية عندما امتدت لها يد العبث بعد التاسع من نيسان 2003 فتراه يخترق النيران المندلعة هنا وهناك من أجل انقاذ هذه الثروة الوطنية بمساعدة عدد من الشرفاء. ولأنه عاشق كبير للسينما تراه يكرس قلمه لهذا الفن فقط، فهو كاتب دائم لما يستجد من شؤون السينما العالمية، ناهيك عن متابعاته الرصينة لآخر ما تقدمه من روائع.

أما في المسرح، حيث تربى مقداد عبد الرضا في أحضان الفرقة العريقة( المسرح الفني الحديث) ومن ثم في ( الفرقة القومية للتمثيل) فقد كان ميالاً للمسرحيات الشعبية على الدوام دون أن نغفل مشاركاته الفعالة في عروض مسرحية تجريبية مهمة ضمن خارطة المسرح العراقي كدوره في عرض الدكتور صلاح القصب المثير( حفلة الماس). كما أنه عمل في تجارب عديدة مع الفنانين ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد ومحسن العلي وغيرهم. إلا أن مقداد عبد الرضا لم يكن يوماً من الممثلين الذين يستسهلون الظهور على خشبة المسرح ولهذا تراه يغيب لفترات طويلة قبل أن يظهر في عمل جديد دون أن يمنعه ذلك من مراقبة ما يعرض في صالات المسرح العراقية من أعمال جديدة.

تلفزيونياً، يعد مقداد عبد الرضا واحداً من نجوم الصف الأمامي في الدراما العراقية منذ أكثر من ثلاثة عقود وإلى اليوم، ولقد عمل عبد الرضا مع كبار الممثلين العراقيين : خليل شوقي ويوسف العاني وسامي عبد الحميد وجعفر السعدي وبدري حسون فريد. والعمل مع هذه النخبة من الممثلين له ميزته حتماً، تلك الميزة التي تتجلى في المهارات والحرفية العالية التي تميزهم باعتبارهم كوكبة رواد التمثيل العراقي المعاصر. كان مقداد عبد الرضا قد حسب على جيل ما قبل السبعينيات، وهو جيل مؤثر اجمالاً في سياق المشهد الثقافي العراقي، ولأن مقداد عبد الرضا ممثل يجتهد في حضوره فقد كان حضوره ذاك مؤثراً وهو يقف إلى جوار عباقرة التمثيل العراقي في المسلسل الناجح( الذئب، النسر وعيون المدينة) الذي كتبه عادل كاظم وأخرجه ابراهي عبد الجليل. وظهر مقداد عبد الرضا في هذا المسلسل بدور( رؤوف أبو قنبورة) أحد ولدين للمتنفذ الاقطاعي ( اسماعيل جلبي، لعب دوره الفنان الكبير بدري حسون فريد) فيما لعب دور شقيق رؤوف الفنان محسن العلي. لم يكن من المألوف في الدراما العراقية أن يلعب الممثل دوراً لشخصية تعاني من عوق ما، ولعب هنا مقداد عبد الرضا الدور بحدبة رافقته طيلة حلقات المسلسل بجزئيه الأول والثاني. حدبة وتردد في النطق وصعوبة في الحركة أمام عدد لا يستهان به من اللاعبين، فكان رهاناً صعباً نجح فيه عبد الرضا بتفوق يحسب له، وكم كان مؤثراً ذلك المشهد الختامي الذي شنق فيه رؤوف أبو قنبورة نفسه احتجاجاً على سيرة المجتمع غير الوقورة وسيرته الشخصية أيضاً.
تبع مقداد عبد الرضا هذا الدور بدور لا يقل أهمية عنه في مسلسل ( الأيام العصيبة) لعادل كاظم وابراهيم عبد الجليل أيضاً ( توفي عبد الجليل بعد أن أكمل سبع حلقات من عمر المسلسل فأكمل إخراجه الفنان عمانوئيل رسام)، وفي المسلسل الجديد نجد أنفسنا أمام حشد آخر من الممثلين الكبار: خليل شوقي، يوسف العاني، طعمة التميمي وغيرهم، وقد ظهر عبد الرضا في المسلسل بشخصية ضابط في الجندرمة العثمانية يعاني من عوق في قدمه.
كان عمل الراحل ابراهيم عبد الجليل شديد التأكيد على ما يسمى بالكاركتر ( الشخصية)، هكذا أفرزت المسلسلات التي قام باخراجها عدداً لا يستهان به من الممثلين الذين صاروا نجوماً، فيما ركز مخرجون آخرون على الجو النفسي والمناخ العام للدراما، ومع هؤلاء عمل مقداد عبد الرضا عدداً من الأدوار نذكر منها دوره في مسلسل ( ذئاب الليل الجزء الثاني ) حيث ظهر بشخصية أحد المجرمين من أعضاء عصابات القتل والنهب التي سادت أيام النظام البائد في العراق. أما شخصيته في مسلسل ( مناوي باشا) فكانت أحد يهود عراق العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
يجتهد عبد الرضا في أدواره التلفزيونية باختيار تلك الضخصيات التي تعاني من مركبات نفسية مختلفة، شخصيات فيها عوق جسدي أو نفسي ما يدفعها حيناً للعنف وأحياناً أخرى لعكس ذلك، ونعتقد أن أداء مثل هذه الشخصيات يتطلب مهارات تمثيلية تختلف عن تلك التي تتطلبها الأدوار الاعتيادية في الدراما التلفزيونية، كما أن أهم ما تتطلبه قوة الاقناع . ولمقداد عبد الرضا اهتمامات معروفة وذائعة في الوسط الفني العراقي، ومن ذلك ولعه غير المحدود بالكاميرا، الفوتوغراف خاصة، وله في هذا الفن ما لا يحصى من لقطات كان اشهرها ما عرضه في قاعة منتدى المسرح ببغداد أوائل عقد التسعنيات الماضي، ومن أجواء ذلك المعرض نذكر التقاطاته الذكية لرأس المخرج المسرحي ناجي عبد الأمير( صلعة رأسه بشكل خاص). وقد ظل عبد الرضا وفياً لكاميرته التي لا تفارقه، وهو يمتلك اليوم أرشيفاً مميزاً من الفوتوغراف العراقي يضم بشكل خاص مناظر عراقية مختلفة بالاضافة إلى عشرات الشخصيات العامة.
كما يعد مقداد عبد الرضا من أبرز العاملين في الإذاعة العراقية، مخرجاً لعدد كبير من برامجها وممثلاً في مسلسلاتها المختلفة، وهو من أول المسهمين في تأسيس إذاعة صوت الجماهير في العام 1970 كما أنه مؤسس إذاعة f m العراقية بين العامين 1980/1987 ، أما اهم الأعمال الدرامية التي أخرجها للإذاعة العراقية فكانت مسلسل المتنبي ومسلسل الجواهري ، وليس مصادفة أن يتولى اليوم مهمة إدارة إذاعة بغداد الرسمية، حيث قام خلال العامين المنصرمين بتكريم عدد من رموز الفن العراقي عبر الأثير كما أشرف على عدد من الدرامات الإذاعية والبرامج المختلفة الأخرى.
وإذا كان شغفه بالسينما والفوتوغراف يمثلان صفة تلازمه فإن في الحقيبة التي يحملها على كتفه بعض من أسرار شخصيته، تلك الحقيبة التي يخفي فيها كتاباً جديداً غالباً ما يكون رواية عراقية أو ديوان شعر، كما أنها تضم كأسه الذي لا يستغني عنه ونظاراته وأقلامه وأوراقه ومشاريع غير مكتملة دائماً في السينما.
إن شخصية مقداد عبد الرضا في الوسط الفني العراقي شخصية جذابة بكل المقاييس، فهو سريع البديهة كثير التأمل، أصدقاؤه من الأدباء أكثر منهم من الفنانين، مهتم بأدق التفاصيل اليومية التي تطرأ في الشارع العراقي ولذلك كثيراً ما تراه متجولاً في الأسواق البغدادية القديمة كما أن حضوره النشاطات الثقافية والفنية أمر دائم.
أما في ما يتعلق بالمواصفات الأدائية لعبد الرضا فنستطيع القول أن ميزته الجسدية تكمن في طول معقول يتناسب مع وزن مثالي لممثل في مثل عمره، وقد منحه ذلك قدرة على لعب أدوار الحركة، كمها هو الحال في المسلسلات البوليسية على سبيل المثال، فيما يمتلك عبد الرضا صوتاً واضح النبر شديد الكثافة. على أن اللعب بالوجه يعد ميزة خاصة لعبد الرضا ما يؤهله للوقوف أما كاميرات السينما بشك واضح، حيث تعتمد السينما اعتماداً شبه كلي على ما يمكن أن يمنحه وجه الممثل من تعبيرات مختلفة. ولأن ممثلنا يمتاز أيضاً بثقافة متنوعة فإن ذلك ما يدفعه للتدقيق كثيراً في اختيار أدواره .
في حوار طويل أجريته معه قبل أعوام في العاصمة الأردنية عمان سألته أن يضع خطة مفترضة للنهوض بالمسرح العراقي فقال لي: سأبدأ من محاضرات تعلم حب الوطن والكف عن سرقته بهذه القسوة، وأقدم رجاء إلى الغجر بأن يصعدوا إلى السماء وأطرد الباعة وتجار الشورجة وأحمل منتدى المسرح إلى دجلة وأمسح عن جسده العفونة وأعيد بناء مسرح بغداد وأتمنى أن تعود الحياة إلى الكاهن بهنام ميخائيل كي يقف وسط الناس ويعلمهم كيفية الدخول إلى المسرح ويمنع أهل ( الدشاديش والنعال) من الدخول... وآتي بعربات تدور في الشوارع تحمل مايكرفونات تزف البشرى بأن العافية قد عادت للمسرح فهناك سامي عبد الحميد يقف في أول الصف يزيح الستار عن ملحمة الشيخ بدر الدين لناظم حكمت والذي طالما حلم بأن يقدمها وأعيد العفية لصور صلاح القصب وأهمس في أذن محسن العزاوي بعض الشيء وأقول لعادل كاظم: دع تموز يقرع الناقوس مرة أخرى فنحن لم نعد بحاجة إلى نوع من حل وألهب بالسياط أولئك الشباب الذين تبدأ ذاكرتهم من التسعينأما قبلها فمعدومة تماماً. أعلمهم أن ابراهيم جلال كان لديه حس في الايقاع قل نظيره وأقول لأستاذي الجليل قاسم محمد: تعال نتعلم نظام الازاحة فإن التراكم يولد أوراماً خبيثة، وأعطي دروس الحرب لطلاب الابتدائية حتى يتعلموا الحب.