من فضل الله على العرب أن بعث خاتم النبيين من جنسهم وأنزل القرآن الكريم بلغتهم وغير ذلك مما فضّلهم به الله على خلقه، ولكن معطيات الحاضر تجعلنا نعيد التفكير في استحقاقنا لهذا الشرف الإلهي فنظرة الى مجتمعات العرب تكفي لاكتشاف كثير من العيوب الاجتماعية الخطيرة التي لا تليق بالتفضيل وتحصيل وزن مناسب في الميزان البشري لأثينيات الدنيا، وذلك ما جعل معجم ويبستر يعرف العربي بأنه: متشرد، متسول، منحرف، متسكع، عالة، منبوذ، مدع، أخرق،غبي، شحاذ، معاد للسامية، وهي مترادفات وإن كانت متطرفة وغير موضوعية، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهلها باعتبارها جزءا من فكرة الآخر عنّا، وقد نحتاج لزمن طويل لإلغائها بموضوعية وتفنيدها.


ولكن من واقع الحال فإننا مسؤولون كمجتمعات عن هذه الصورة البائسة لنا في الذهنية الغربية تحديدا، وما لم يكن موضوعي فلسنا مضطرين للرد عليه، لأن ذلك تحصيل حاصل، ولكن هل وقفنا مع أنفسنا لاكتشاف أخطائنا ومحاولة علاجها؟، إجمالا نرفض تعييبنا والانتقاص منّا بوجود أنفة غير حقيقية في دواخلنا، رغم أن بعض السلف الصالح سبقنا بالقول ( رحم الله إمرءا أهدى اليّ عيوبي )، إضافة لذلك تختفي لدينا ثقافة التناصح وقبول الرأي الآخر، وربما كانت جميع الآراء الأخرى خطأ، وهذا واقع ينسجم مع مجتمعات لاتزال ناشئة وغير ناضجة حضاريا وثلثها أمّي لا يعرف القراءة والكتابة، مع تقصير واضح من مؤسسات السلطات في العالم العربي وخمول منظمات المجتمع المدني، وخلل واضح في أساليب التنشئة الأسرية والمدرسية.


في معظم المجتمعات العربية خلل بنيوي في التركيبة العقلية والنفسية للفرد الذي ربما وجد نفسه منذ باكر مولده أسيرا لمجموعات مفارقات تربوية وقيمية تجعله غير متوازن في نظرته لما حوله وكأن هناك خللا في الشخصية، وذلك في اعتقادي يعزز من النزعات الفردية للإنسان العربي ويجعله معتدا بنفسه لدرجة الإفراط بصرف النظر عمّا إذا كان هناك ما يوجب ذلك من عدمه، وعموما لكل عربي تصور ذاتي لنفسه أضخم من الواقع والحقيقة، وفي بعض المجتمعات وخاصة الخليجية حيث تلعب القبلية دورا مؤثرا ونافذا في تحديد قيمة الفرد نجد أن مسألة الأصل والفصل في الأنساب تحتل حيزا كبيرا فيما يشغل بال الناس وإن لم يظهر ذلك للعلن بشكل واضح، وهي مسألة سطحية ورجعية تعاني منها المجتمعات الخليجية بشكل كبير، فما قيمة من كان في تصنيف الأصل إذا انطبقت عليه بعض أو كل مترادفات معنى عربي التي وردت في معجم ويبستر؟، وإذا ما نظرنا في أن الله خلق البشر دون تصنيف ولا يحاسبهم إلا على تصنيف التقوى فإننا نجد أن هذه المسألة تضر بالحالة المجتمعية للمجتمعات وتعزز التنافر والتشاحن، وتستشري معها حزمة خصال غير حميدة مثل النفاق الاجتماعي والكذب، وقد قال رسولنا الكريم عن القبلية ( دعوها فإنها منتنة ) وإن لم ندعها فإن ذلك تلقائيا من عدم طاعتنا لرسولنا الكريم، وهذه حسبة بسيطة، ولكن الاستهتار بالقيم والطاعات إجمالا مما هو موجود في واقعنا المعاصر، وكثيرا ما ترتكب المعاصي،رغم العلم بها وبحرمتها، ارتكازا على قول الله ( إن الله غفور رحيم ).


المصريون في زاوية من نفسهم يشعرون بأنهم مسؤولون أو يجب أن يكونوا مسؤولين عما يجري حولهم، وفيهم تناقض بين انتمائهم العربي والفرعوني وتلك الحضارة التي عمرها سبعة آلاف سنة وما هي إلا مجموعة حجارة كأصنام الجاهلية، وهم وإن كانت دولتهم محورية بالنسبة للعرب جميعا إلا أن ذلك ليس ميزة ترتقي بهم دون أن يبذلوا مجهودا حقيقيا في الرقي والقيادة الجماعية، فكل العرب يشعرون أنهم أفضل من بعضهم، وما فيش حد أحسن من حد، وبالنسبة لمجتمعات المغرب العربي فهم في زاوية بعيدة يعيشون واقعا ينتمي الى أوروبا وتحديدا فرنسا التي يتأثرون بها حتى في طريقة نومهم ومشيهم.
هذا الوضع الغريب يضطرنا الى أن نعمل على استعادة إنسانيتنا بشكل أفضل من محاولات بعض النخبة الفكرية، ولكن ذلك في الواقع صعب لأن قادة الرأي في المجتمعات العربية مشغولون بذواتهم ولا يملكون هموما حقيقية للتغيير وبناء الإنسان العربي وفق حيثيات العصر واستحقاقات الماضي وتعصفهم تيارات الفكر الغربي وتتنازعهم لدرجة الاختلاف المزمن، وعلى ذلك لا يمكن التنظير لمفاهيم ضخمة مثل مجتمع المعرفة في واقع يفقد حظه من هذه المعرفة لمجرد أنه يتمسك بالقشور والأفكار الدينية المتطرفة والسياسية السطحية، هناك فجوة كبيرة بين المجتمعات من ناحية والسلطات السياسية ( ولاة الأمر) والنخبة ( قادة الرأي ) من ناحية أخرى، وبدون ردم هذه الفجوة، فإن هذه المجتمعات لن تنهض وسيظل شبابها مشغولون دوما بكل ما هو سطحي وأطفالها منعزلون تربويا عن الأسس التربوية الصحيحة لبناء الأجيال ورجالات ونساء الغد المشرق.

سكينة المشيخص