لماذا نقرأ تجارب أهل العشق الذين صدقوا ما عاهدوا الغرام والهيام عليه؟
هذا سؤال ما برح يلحّ على الذاكرة، ويدقّ أبوابها..
عندما يصرخ الشاعر كريم العراقي قائلاً: quot;خَانَنِي صِدْقِي وَدَمَّرَنِي وَفَائِيquot;.. هل يعني أن الوفاء والصدق لهما معنى آخر لا يعرفه إلا من وطأ جمرة الخيانة واكتوى بنار الغدر؟!
لا أردي كلما مررت بحالة عشق انتابتني مخاوف الغد ومخاطر المستقبل، ما خفي منها وما ظهر!
حيرة الغد لعبة تلامس القلوب الخافقة بذكر الغرام، والراجفة بلوعة الفراق، والرادفة بجمرة الغياب..
عندما صدحت أم كلثوم قائلة:
غَدٌ بِظَهْرِ الغَيْبِ لِي
وَكَمْ يَخِيبُ الظَّنَّ فِي المُقْبِلِ!
شعرَت أن الغد ليس بهذا السواد، لأنه نافذة الأمل، وحامل تباشير التفاؤل.. فوجدت في قصيدة quot;الزولquot; الهادي آدم quot;الكسولةquot; ndash;بما فيها من تكرار لمفردة quot;أغداًquot; وكثرة السكون والتسكين الذي يعتبر حمار النحاة يركبه كل عاجز عن الحركة- وجدت فيها بارقة أمل، لتقول:
أَغَداً أَلْقَاكَ يَا خَوْفَ فُؤَادِي مِنْ غَدٍ
يَا لَشَوْقِي وَاحْتِرَاقِي فِي انْتِظَارِ المَوْعِدِ
آهٍ كَمْ أَخْشَى غَدِي، وَأَرْجُوهُ اقْتِرَاباَ
كُنْتُ أَسْتَدْنِيه لَكِنْ هِبْتُهُ لَمَّا أَهَاباَ
هل لمست اللوعة والارتباك والتردد بين انتظار الغد والخوف من quot;حضورهquot; لتستمر الحيرة، التي تُحسم لصالح التفاؤل والحب والابتسامة، لتقول في ذلك:
أَغَداً تُشْرِقُ أَضْوَاؤُكَ فِي لَيْلِ عُيُونِي
آهٍ مِنْ فَرْحَةِ أَحْلاَمِي وَمِنْ خَوْفِ ظُنُونِي!
ولكن فرحة الأمل لم تعد تكفي لتطفئ نار الحيرة، فما كان من سيدة الغناء العربي ndash;كما يقول دعاة الألقاب وموزعي منتوجاتها- إلا أن زجت بالصراحة معلنة quot;فحوى الغدquot; ونوعية تحركاته وبيان معطياته، لتقول:
وَغَداً تَأْتَلِقُ الجَنَّةُ أَنْهَاراً وَظِلاً
وَغَداً تَنْسَى، فَلاَ تَأْسَى عَلَى مَاضٍ تَوَلَّى
وَغَداً نَسْمُو فَلاَ نَعْرِفُ لِلْغَيْبِ مَحَلاً
وَغَداً لِلْحَاضِرِ الزَّاهِرِ نَحْيَا لَيْسَ إِلاَّ!
يا إلهي كيف يحرّكنا الغد ومخبوءاته، والمستقبل ومكنوناته عن طورنا اليومي، وحاضرنا الزاخر بكل همّ؟ كيف نرجو الغد ونصبغه بلون الأمل والفرح والحب وهو كما يصفه الشاعر القديم، عندما قال:
نَرْجُو غَداً، وَغَداً كَحَامِلَةٍ
فِي الحَيِّ لاَ يَدْرُونَ مَا تَلِدُ!
حسناً، الشاعر هنا يصف quot;الغدquot; بأنه مثل quot;المرأة الحاملquot;، لا أحد يعلم ما جنس مولودها، ولكن ndash;وما بعد لكن مؤلم أحياناً- أضحى العلم الحديث.. بل أقرب مستوصف يمكن أن يحدد quot;جنس المولودquot; الأمر الذي حرق quot;فاعلية البيتquot; وquot;بدد جمالياتهquot; وquot;كشف عن عورتهquot;!
أمر آخر للسادة أهل اللغة ومولدي quot;الألفاظquot;، ما الصحيح؟ أن نقول: امرأة حامل؟ أو حاملة؟ رغم أن السؤال لا يرتقي لمستوى الأهمية، ولكن كل ما أريده هو تنشيط وتفعيل أهل البضائع الكاسدة!


أحمد عبد الرحمن العرفج
[email protected]