إصطفافات للقوى السياسية استعدادا لـ 3 انتخابات جديدة
تيار جديد لإقصاء الإصلاحيين والمعتدلين في إيران
يوسف عزيزي من طهران :
بدأ المرشحون الايرانيون حملاتهم الدعائية لخوض ثلاثة انتخابات تخص مجلس الخبراء، والفرعية للبرلمان، و المجالس المحلية.

ومن المقرر ان تقام يوم الجمعة المقبل منتصف الشهر الحالي. وتقتصر مسؤوليات مجلس الخبراء الذي يحتكره رجال الدين في ايران، على انتخاب مرشد الثورة و الإشراف على الاداء العام. وتتم انتخابات هذا المجلس الذي بدأت الحملة الانتخابية له امس الخميس على مستوى المحافظات فقط حيث يضم 86 عضوا، و تستغرق دورته 8 سنوات، و يعقد جلساته العادية مرتين في العام.

وخلافا للانتخابات الاخرى، لم يهتم المواطن العادي كثيرا بانتخابات هذا المجلس لكنها تثير اهتمام رجال الدين وخاصة الفئات المشاركة في السلطة.
ويتعرض المرشحون لهذا المجلس لاختبارات دينية وسياسية صعبة يقوم بها مجلس صيانة الدستور المحسوب على المتشددين حيث لم ينجح فيها الا الموثوق بهم جدا. وفي كل دورة تثير تزكية المرشحين لمجلس الخبراء والاقصاء الواسع لرجال الدين الذين لا تتفق اتجاهاتهم مع المتشددين المهيمنين على مجلس صيانة الدستور ضجة سياسية واعلامية لم تسلم منها الدورة الحالية. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، لم يوافق مجلس صيانة الدستور الذي يرأسه اية الله احمد جنتي لهذه الدورة، على تزكية حجة الاسلام عباسي الذي كان عضوا لمدة 12 عاما في المجلس المذكور و كذلك مجيد انصاري احد اعضاء مجلس الخبراء السابقين و المحسوب على الاصلاحيين.

ويتهم الاصلاحيون مجلس صيانة الدستور بالفئوية في تزكية المرشحين ويقولون ان ذلك يتم لتسهيل انتخاب المرشحين المحسوبين على المحافظين.
وعلاوة على التنافس التقليدي بين المحافظين و الاصلاحيين، ظهرت في الاونة الاخيرة فئة ثالثة موالية لرجل الدين المتشدد اية الله مصباح يزدي الذي يرأس حاليا مؤسسة الامام الخميني للتعليم والبحوث في مدينة قم. وتناصب هذه الفئة المتشددة العداء ليس للاصلاحيين وزعمائهم من امثال الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي،بل المعتدلين ايضا من امثال رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني حيث تتهمه بالتساوم و موالاة الغرب و كنز الثروات.

وقد بدأت المواجهة السافرة مع رفسنجاني يوم 5 حزيران(يونيو) الماضي عندما منع مؤيدو مصباح يزدي، هاشمي رفسنجاني من إلقاء كلمته في مدينة قم.
ولم تتراجع هذه الفئة عن مواقفها المعادية لرفسنجاني، رغم الانتقادات التي جاءت من حلفائهم التقليديين من رجال الدين المحافظين كرابطة علماء الدين المجاهدين / روحانيت/ و رابطة مدرسي الحوزة الدينية في قم. اذ خلافا لهاتين الرابطتين اللتين درجتا اسم هاشمي رفسنجاني في قائمتهما لانتخابات مجلس الخبراء، قام مناصرو مصباح يزدي بحذف اسمه و رفيقه حسن روحاني من قائمتهم حيث تتهم الاخير الذي كان مسؤولا سابقا للملف النووي الايراني بالتهم نفسها الموجهة لرفسنجاني.

ويرى الاصلاحيون في هذه الامور خطة تسعى ليس لاقصائهم من مجلس الخبراء فحسب، بل اقصاء المحافظين ايضا او اضعافهم ليتمكن المتشددون من الهيمنة على المجلس. ويرى البعض ان المتشددين لا يشكلون خطرا على الاصلاحيين و المعتدلين فحسب بل على مرشد الثورة ايضا حيث يتهمون مؤيدي مصباح يزدي بالتمهيد لخلافته لهذا المنصب المهم في الجمهورية الاسلامية..

وفضلا عن القوى السياسية المعارضة، اعلنت قوى وفصائل اصلاحية كحزب جبهة المشاركة لايران الاسلامية و منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية ورابطة رجال الدين المناضلين( روحانيون) عدم المشاركة في انتخابات مجلس الخبراء بسبب ما وصفوه بالإقصاءات الواسعة لمرشحي معسكر الاصلاح وعدم وجود انتخابات حرة ومنافسة حقيقية بين المرشحين لهذا المجلس. لكن فصائل اصلاحية كبيت العمال، التنظيم العمالي المحسوب على الحكومة ، و حزب كوادر البناء الذي يضم شخصيات تكنوقراطية كرئيس بلدية طهران الاسبق غلامحسين كرباسجي اضافة الى الموالين لهاشمي رفسنجاني، اعلنت بانها ستشارك في انتخابات مجلس الخبراء.

الانتخابات التشريعية الفرعية

وتنحصر الانتخابات التشريعية الفرعية على مقعدين لمدينة طهران و مقعد لمدينة الاهواز و آخر لمدينة بام وهي مقاعد برلمانية اصبحت شاغرة خلال العامين الماضيين. فهذه الانتخابات ايضا لم تستقطب اهتمام المواطنين بسبب عدم وسعتها حيث يتنافس نحو 98 شخصا في طهران - بينهم محافظون و اصلاحيون و مستقلون- على المقعدين. فيما يتنافس نحو 19 شخصا في مدينة الاهواز حيث يشكل العرب اكثر من نصف هؤلاء غير ان معظم المرشحين العرب هم من المحسوبين على المتشددين و المحافظين. اذ تم اقصاء جميع المرشحين العرب من القوميين و الاصلاحيين.

انتخابات المجالس المحلية

وتعد انتخابات المجالس المحلية من الانتخابات الاكثر شعبية في ايران بسبب تأثيرها المباشر على حياة الجماهير؛ اذ تعتبرها الاحزاب و المؤسسات المدنية والسياسية من اهم الادوات لممارسة الديمقراطية لاسباب عديدة اهمها عدم شمولها لرقابة مجلس صيانة الدستور حيث ان البرلمان هو الذي يشرف على تزكية المرشحين. لكن بعد هيمنة المحافظين على البرلمان الحالي اخذت لجان الرقابة و التزكية تزيد من رفضها لصلاحيات كل من لايروق لها.
ويتنافس اكثر من 150 الفا من المرشحين في جميع المدن و الاقضية و القرى الايرانية لانتخاب المجالس المحلية فيها.

وللفوز في انتخابات المجالس المحلية الكثير من المعاني على المستوى الوطنى ومستوى القوميات و المحافظات و المدن. اذ لاننسى ان فوز الاصلاحيين في اول دورة لانتخابات المجالس المحلية عام 1998 ادى الى هيمنتهم على اغلبية مقاعد البرلمان في عام 2000 و اعادة انتخاب مرشحهم - محمد خاتمي - لرئاسة الجمهورية عام 2001. وحدث الامر نفسه للمتشددين حيث ادى فوزهم في انتخابات المجالس المحلية عام 2002 الى هيمنتهم شبه المطلقة على البرلمان في العام 2003 و انتخاب مرشحهم - محمود احمدي نجاد ndash; لرئاسة الجمهورية في العام 2005.

الائتلاف و الاختلاف

ويعلم الاصلاحيون هذا الامر جيدا حيث بذلوا قصارى جهودهم للائتلاف في ما بينهم خلافا للانتخابات الثلاثة الماضية التي خسروها لاسباب مختلفة اهمها عدم الاتفاق في ما بينهم. و قد ساعد خاتمي و رفسنجاني و كروبي الاصلاحيين - الذين ذاقوا الامرين خلال حكم احمدي نجاد- على الوصول الى قوائم ائتلافية اهمها في طهران حيث تضم 15 شخصا من الوزراء و المسؤولين السابقين. وهذا يعد بمثابة اول انتصار اولي للاصلاحيين، خاصة اذا تذكرنا الخلافات الحادة بين حزب quot;اعتماد مليquot; الذي يرأسه مهدي كروبي من جهة و حزب جبهة المشاركة و منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية من جهة اخرى في الانتخابات الرئاسية الماضية.

وخلافا للاصلاحيين، لم يتمكن المتشددون و المحافظون من الائتلاف الذي كان عاملا وراء انتصاراتهم الباهرة سابقا، و يعود ذلك الى نشوة الهيمنة على مقاليد السلطة في ايران. وقد ظهرت لهؤلاء 3 قوائم رئيسة تتعلق بمؤيدي الرئيس احمدي نجاد، و مؤيدي رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، و المحافظين التقليديين. والمؤكد ان الاصلاحيين بحاجة ماسة للانتصار في هذه الانتخابات حيث يحاولون العودة الى السلطة بعد ان فقدوا آخر مواقعهم فيها خلال الانتخابات الرئاسية عام 2005.

مواقف القوى الاخرى

وتتراوح مواقف القوى الاخرى، وتحديدا المعارضة والقوميات غير الفارسية، بين المقاطعة و شبه المقاطعة و المشاركة. فقد اعلنت حركة حرية ايران (نهضت آزادي) وهي اهم فصيل سياسي معارض، بانها ستشارك في انتخابات المجالس البلدية وستساند مرشحي الائتلاف الاصلاحي رغم اقصاء جميع مرشحيها. فيما اصدرت بعض الشخصيات البارزة من القوى القومية - الاسلامية ( الليبراليين الاسلاميين) بيانا منحت فيه الاختيار للناس للمشاركة او عدم المشاركة غير انها طلبت عدم التصويت للمتشددين. وقد اعلن اليسار الشيوعي يوم الاربعاء الماضي و على لسان فصيله الطلابي في اجتماع يوم الطالب في جامعة طهران، عن مقاطعته للانتخابات.

العرب و القوميات الاخرى

واذا تسامح مجلس صيانة الدستور مع المرشحين من التيار الاصلاحي و قام بتزكيتهم في طهران و معظم المدن الكبرى الا انه لم يتسامح مع مرشحي القوميات غير الفارسية الذين يشتبه في نشاطاتهم او حتى اتجاهاتهم القومية. وتقول التقارير من الاهواز انه تم إقصاء اكثر من 90 في المئة من المرشحين العرب لانتخابات المجالس المحلية في مدينة الاهواز.

ومن المفيد التذكير بان الجماهير العربية قامت بانتخاب جميع اعضاء مجلس بلدية الاهواز التسعة من بين العرب في العام 2002 حيث تمت في ظروف ديمقراطية نسبيا في عهد الرئيس السابق خاتمي. و كانت اصداء تلك الانتخابات مدوية في ايران، حيث هزم حزب الوفاق الاسلامي - الذي تأسس عام 1998 ليمثل عرب الاهواز في المحافظة- جميع خصومه القوميين و السياسيين من غير العرب. اي ان الاحزاب الاصلاحية و الاسلامية الليبرالية و القومية الايرانية واجهت فشلا ذريعا في تلك الانتخابات في الاهواز.

ومن اجل الحيلولة دون تكرار ما جرى قبل 4 سنوات، قامت لجنة الرقابة و التزكية المشرفة على انتخابات المجالس المحلية برفض العشرات من العرب المرشحين بمن فيهم الاعضاء الحاليون في مجلس بلدية مدينة الاهواز وهم قمندار غزي و المهندس سعيد آل كثير و عبدالله النواصري و هادي السواري و سيد ناصر الموسوي و سيد مهدي الموسوي و منيجه جاسم نجاد و خيريه بيت مشعل و الدكتورة نجمة حميد. كما اصدرت محكمة الثورة في الاهواز حكما يحظر اي نشاط لحزب الوفاق الاسلامي.

التوقعات بشأن النتائج

تجري الحملة الانتخابية هذه الايام في اجواء باردة ( في الطقس و السياسة) لكن يتوقع البعض ان تسخن الاجواء الانتخابية خلال الايام القادمة اي قبل اجراء انتخابات يوم الجمعة ببضعة ايام. وقد اكدت عدة انتخابات سابقة ان الحضور الجماهيري الواسع على صناديق الاقتراع سيكون لصالح مرشحي الاصلاح والمعارضة، والعكس صحيح. اي ان المتشددين يستطيعون الانتصار في الانتخابات اذا كانت المشاركة الشعبية متدنية حيث يسمح لهم ذلك بتنظيم صفوف مؤيديهم الذين لايزيدون عن 10- 15 في المئة من المصوتين في كل ايران. وهذا ما ظهر في انتخابات المجالس البلدية في طهران و المدن الكبرى عام 2002 حيث هيمن المحافظون على المجلس البلدي في طهران بنسبة اقل من 5 في المئة من اصوات اهل العاصمة.

ويطالب الاصلاحيون و بعض القوى المعارضة، الجماهير المقاطعة، الذين كان عددهم في الانتخابات السابقة 17 مليونا في كل ايران، ان يشاركوا في هذه الانتخابات مذكرينهم بما جرى في ايران اثر هيمنة المتشددين على معظم المجالس البلدية وعلى الحكومة خلال الاعوام الاربعة الماضية.
ويعول الاصلاحيون كثيرا على ائتلافهم للفوز في انتخابات المجالس البلدية؛ فيما يتوقع البعض منهم ان تكون المجالس البلدية القادمة خليطا من المتشددين الموالين للرئيس احمدي نجاد، و المحافظين الموالين لقاليباف رئيس بلدية طهران، والاصلاحيين. غير ان المتشائمين يشككون في ذلك ويقولون ان المتشددين سيحاولون الفوز باي ثمن حيث لا يرغبون في مشاركة الاصلاحيين لهم في اي موقع من مواقع السلطة.

وفي الحقيقة يصعب التكهن بنسبة المشاركة و نتائج الانتخابات، خاصة تلك التي تتعلق بالمجالس البلدية حيث لا يكشف الشعب الايراني في اغلب الاحيان عن اتجاهاته السياسية الا في الدقيقة التسعين. وهذا ما شاهدناه في الانتخابات الرئاسية عام 1998 حيث تم انتخاب محمد خاتمي رغم توقع الجميع بانتخاب منافسه اليميني ناطق نوري الذي كان يحظى بدعم اركان السلطة انذاك وكذلك الامر حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2005 حيث تم انتخاب احمدي نجاد فيما كانت الاستطلاعات جميعها تشير الى فوز مهدي كروبي في المرحلة الاولى او رفسنجاني في المرحلة الثانية.