في بلاد الأحداث التي لا تهدأ:
نجوم فلسطين يلمعون ويموتون في الخارج

شخصيات صنعت الحدث: إيلاف تستعرض نجوم العام

أسامة العيسة من القدس: في مجتمع تتعرض بناه ومؤسساته وهياكله، بشكل دائم إلى التدمير بسبب الصراع مع اسرائيل من جهة و صراع الفصائل السياسية الداخلية من جهة ، مثل المجتمع الفلسطيني، من الصعب أن يشكل بيئة مناسبة تظهر فيها المواهب نجوما في الفن والثقافة والآداب وغيرها من المجالات. وخلال العام 2007، لمعت نجوم فلسطينية عديدة، مع تفاوت درجة اللمعان، ولكن خارج فلسطين، والمثل الأبرز على ذلك الشاعر الشاب تميم البرغوثي، الذي دخل المشهد بقوة من خلال مشاركته في مسابقة أمير الشعراء التي جرت في الإمارات العربية المتحدة، ووصل إلى التصفيات النهائية. وساهم الظرف الذي ظهر فيه البرغوثي في المسابقة، إلى اصطفاف جماهيري حوله، إلى درجة أن تلفزيون فلسطين التابع لسلطة رام الله، وتلفزيون الأقصى التابع لسلطة غزة روجا له.

وبعد انتهاء البرنامج، عاد البرغوثي إلى فلسطين، ولكنه كنجم تتدافع الحشود لحضور أمسياته، مشكلا ظاهرة لم تشهدها الأراضي الفلسطينية، حتى أن البرغوثي نفسه عبر عن تفاجئه من الزحف الجماهيري لحضور أمسياته قائلا إنه لا يوجد مكان في العالم يمكن أن يشهد مثل ما حدث وان يزحف الناس لسماع شاعر.

الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي
ويدرك تميم، بموهبته وذكائه، اكثر من معجبيه، الإطار الذي وضع فيه كشاعر نجم، فحافظ على توازنه وسط عواصف الاستقبال الجماهيري العاصفة قائلا quot;أنا الان في امتحان لمدة عامين أو ثلاثة، حتى اعرف إذا كانت هذه المحبة التي منحني إياها الجمهور بسبب مشاركتي في مسابقة أمير الشعراء، أم لأنني اكتب شعرا جيدا. إذا استمر هذا الحب بعد عامين أو ثلاثة، فسأكون نجحت في الامتحانquot;.

وشهد هذا العام بروز باحث في التراث الشعبي الفلسطيني كنجم وكاسم تم تداوله في الإعلام، في ظروف غريبة، وهو الدكتور شريف كناعنة، والسبب، كتابه (قول يا طير)، الذي يضم حكايات شعبية فلسطينية.

ورغم أن كناعنة، باحث جاد، مهتم بالتراث الشعبي الفلسطيني، منذ نصف قرن من الزمان، لكنه لم يحظ بشهرة ونجومية مثل التي حدثت بعد الحديث عن منع كتابه وسحبه من مكتبات المدارس الفلسطينية، لانه يتضمن عبارات خادشة للحياء.

ومن دون أن يقصد، وجد كناعنة نفسه، في لعبة السياسة الداخلية، بين حركتي فتح وحماس، والسبب كتابه الذي صدر أولا باللغة الإنكليزية، عام 1989، ثم بالفرنسية عام 1997، وترجم عام 2001 إلى العربية.

ولو لم يترجم للعربية، لكسب كناعنة المولود في قرية عرّابة البطوف في الجليل سنة 1936، راحة البال، وظل منكبا على إعداد حكاية شعبية توفرت لديه للنشر، ولكن هذا ما حدث فاصبح نجما من نوع اخر، بسبب التجاذب الحزبي وصراع الأشقاء الأعداء في فلسطين، وليس لجهوده البحثية المهمة.

وينتظر كناعنة صدور طبعة جديدة من كتابه باللغة الصربية هذه المرة، وهو يدرس في عدة جامعات عالمية مثل جامعة شيكاغو، حيث لا توجد في تلك البلاد فصائل سياسية لا تتورع في الصراع ما بينها عن تدمير أي شيء.

وبرزت خلال هذا العام نجومية لفرقة فنية، اتخذت اسما دالا هو (ولّعت) تضم شبانا من مدينة عكا، يتغنون بالهوية والانتماء، وبعد خمس سنوات من تأسيسها تمكنت في هذا العام من تحقيق انتشار ليس في الداخل الفلسطيني بين عرب 48 فحسب بل بين اليهود والمتضامنين الغربيين، وسكان الضفة والقطاع وبعض الدول العربية، أيضاً.

وتمزج الفرقة التي أصدرت ألبومين لغاية الآن، بين الآلات الغربية والشرقية، وتقدم أغنيات، لحن معظمها عضو الفرقة ماهر خوري، وكتب كلماتها خير فودة. ويقول خوري وهو أيضا عازف غيتار لإيلاف quot;نحاول التعبير عن هويتنا وهمومنا وتراثنا من خلال أغانينا الخاصة، ونحاول ملامسة الهموم الإنسانية العامة أيضاًquot;.

وتحولت أغنية quot;لو شربوا البحرquot; التي لحنها خوري، من كلمات فودة، إلى اشهر أغاني الفرقة التي يرددها الجمهور، وهي تتحدث عن الفلسطينيين الذين بقوا في عكا، بعد عام 1948، وتستعيد أمجاد هذه المدينة الفلسطينية المتوسطية الشامخة.

وبعد نحو ستين عاما على النكبة، تمكن أحفاد الذين رحلوا من وطنهم ، من تأسيس فرقة فنية في عكا التي اصبح سكانها العرب أقلية، ليعبروا ليس فقط عن آلام الأجداد وآمالهم وأحلام الأحفاد، ولكن أيضا ليبنوا جسرا بين من بقي في الوطن، ومن اصبح مشتتا في بقاع الدنيا.

الباحثة الفلسطينية مها السقا
وقبل أن ينهي هذا العام آخر فصوله، حققت الباحثة في التراث الشعبي مها السقا، التي أسست قبل 15 عاما مركزا للتراث الشعبي، إنجازا بحصول صورة شارك بها مركزها على المرتبة الأولى في المسابقة التي نظمتها منظمة السياحة العالمية لافضل صورة سياحية لهذا العام.

وتمثل الصورة فتيات فلسطينيات يرتدين أزياء فلسطينية شعبية، من مختلف المناطق الفلسطينية، وهو ما تعتبره السقا إحياء للتراث الشعبي الفلسطيني المهدد بالاندثار.

وفي بداية الشهر الأخير من هذا العام، توفي فجأة إعلامي فلسطيني بارز، كان حقق نجومية خلال السنوات الماضية، وهو الدكتور عمر الخطيب، صاحب برامج المسابقات الثقافية التي بثت على اكثر من محطة عربية.

والخطيب الذي رحل عن 80 عاما في مدينة عمان، ولد في قرية عين كارم الجميلة، غرب القدس، وشرد مع عائلته عام 1948، من قريته، ليشق طريقه وسط صعوبات كبيرة.

وبينما كانت قريته تتحول إلى مستوطنة يهودية، ويسكن في منزل العائلة مهاجرون يهود جدد، كان عليه أن يوازن بين عمله لكسب العيش ومساعدة أسرته، وفي الوقت نفسه العمل على تحقيق أحلامه. وواجه الخطيب مصاعب كثيرة، ليس بسبب موهبته ولكن لانتمائه الفلسطيني، وخصوصا ان بعضا من أفراد عائلته كانوا من النشطاء السياسيين المناهضين لبعض الأنظمة العربية، وسقط ابن شقيقه في خمسينات القرن الماضي، في الهبة الشعبية التي شهدتها الضفة الغربية ضد حلف بغداد، وتحول إلى رمز للحركة الطلابية الفلسطينية-الأردنية في تلك الفترة، أما شقيقه اسحق الخطيب، فاصبح أحد قادة المعارضة وعضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني، وعضوا في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ونجح الخطيب معتمدا على موهبته، وبعصامية، في تحقيق مكانة إعلامية بارزة له، وبقي يعمل حتى دهمته الجلطة في مكتبه في إحدى الضواحي الراقية في العاصمة الأردنية عمان، التي دفن فيها، بعيدا عن مسقط رأسه.