أعاجيب وفذلكات الجماعات الأصولية والتكفيرية والسلفية تتميز في أن لها من الحيل وأساليب الخداع وحركات ( الهمبكة ) المختلطة بالسذاجة والغباء المؤدلج مايثير إشمئزاز وتعجب كل متابع وهو يرى ويسمع ويتناقل البدع الغريبة والإستباطات العجيبة والتحليلات الغبية والهائمةللتاريخ العربي والإسلامي التي يتفوه بها أهل الفكر السلفي والتكفيري في أوائل القرن الحادي والعشرين وفي ظل التقدم العلمي والفكري الهائل الذي وصل له العالم بينما يقبع أهل السلف في كهوفهم التنظيرية المضحكة التي يرجع أصلها وفصلها وطريقة حوارها لأكثر من أربعة عشر قرنا ماضيات بالتمام والكمال وفقط لاغير ؟ وطبعا للناس فيما يعشقون ويفضلون ويفكرون مذاهب، ولكنني وفي إطار متابعتي الدؤوب لما يدور من تطورات في العالم العربي لم أكن أتصور أنه سيأتي على الناس حين من الدهر يتفرغ فيه سلفيو السودان لإقرار توصيات ومعالجات تتنعلق بالأوضاع في دولة الكويت !! وهي الدولة العربية الصغيرة والمسالمة والتي تشرفت بحمل ألوية التنوير والتطور وإعادة الهيكلة الحضارية ومحاولة بناء الدولة النموذج والمعادل الموضوعي لدولة الرفاهية في الغرب المتطور بعد عقود طويلة من الحرمان المادي بسبب ظروف الماضي المرهقة، والكويت الحديثة التي قطعت من خطوات التطور ومواكبة روح العصر مع الإلتزام بالثوابت والقيم الدينية والأخلاقية لها من الحصانة الذاتية والتجربة الثرية والغنية مايجعلها في حالة محصنة من كل الأراجيف والإشاعات والتصورات المغرضة التي تحاول النيل من وحدتها الوطنية أو التشكيك في إتجاهاتها وعروبتها وإسلامها فضلا عن تحديد الطريق المستقبلي والذي يلجه الكويتيون بكل حساسية وحرص دقيق على إكمال المسيرة التطورية في إطار التواصل بين الأجيال والتوائم مع الظروف والمتغيرات الدولية والإقليمية، لذلك كانت دهشتي كبيرة وأنا أقرأ تصريحات السيد ( محمد الهدية ) الرئيس العام لما يسمى بجماعة ( أنصار السنة المحمدية السلفية في السودان ) خلال زيارته الأخيرة للكويت والتي حشر فيها سماحته ( أنفه ) في شؤون وشجون السياسة الداخلية والإجتماعية الكويتية متقمصا دور ( الولي الفقيه )!، ورافعا للشعارات المستهلكة البالية ومشوها للتاريخ الإسلامي ومستنبطا حكما غريبا ومضحكا يرفض من خلاله فكرة دخول المرأة الكويتية للحياة السياسية !! مؤيدا بذلك فكرة وتوجهات الجماعات الأصولية في الكويت وواقفا بالضد تماما من إرادة قمة الهرم القيادي الكويتي ممثلا في رأي الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح ومواقف لولب السياسة الكويتية ورئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد اللذان ومن خلفهما القيادة السياسية الكويتية يحرصان أشد الحرص على تعديل الموازين السياسية وتطوير آلية العمل الديمقراطي لتشمل نصف المجتمع الكويتي الفاعل عبر إيلاج المرأة الكويتية في المشاركة السياسية وهي قضية باتت محسومة وأضحت قضية إقرارها مسألة وقت فقط لاغير رغم إعتراضات التيارات التي تحاول مصادرة الحياة والبسمة في الكويت ؟ والطريف إن حجة المفتي السلفي السوداني في رفض مشاركة المرأة الكويتية في الحياة السياسية هي حجة هزلية وتعبر عن تفسير أعور للتاريخ فهو يقول : {إنه بعد وفاة الرسول ( ص) وقيام دولة الخلفاء الراشدين ( رض) لم يكن للمرأة أي دور في ممارسة السلطة ؟ وطبعا لن أتوسع في مناقشة هذه الحجة السقيمة من الناحية السياسية والفقهية لأنه ملف طويل ومتشعب ويحتاج لسلسلة من المقالات لإثبات سقم وتهافت هذا الرأي ؟ ولا أدري كيف سمح السيد الهدية لنفسه بإهداء هديته المسمومة لمستضيفيه ! ولا أدري ماذا يسمي مواقف السيدة عائشة ( رض ) من خلافة الصحابي الجليل عثمان بن عفان ( رض ) وهي مواقف سياسية معارضة من الطراز الأول؟ ولا أدري أين يضع موقعة ( الجمل ) في أولياته التاريخية وهي المعركة التي قادتها السيد عائشة بنت أبي بكر ( رض ) ضد الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه)! والتي جندت من خلفها كبار الصحابة من الرعيل الأول وجرت أحداثها في البصرة وحيث لم تزل قبور الصحابيان الجليلان الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله من شواهد تلك المعركة المؤسفة؟! ولاأدري كيف قفز السيد الهدية السلفي على مواقف وأسماء العديد من النساء اللواتي دخلن التاريخ الإسلامي ومارسن السلطة ولو من خلف الحجب والستائر كالخيزران زوجة الخليفة العباسي المهدي وأم الهادي والرشيد أو السيدة زبيدة بنت جعفر العباسية زوجة الرشيد وأم الأمين العباسي أو السيدة مراجل أم المأمون وشغب أم المقتدر وغيرهن الكثير الكثير مما تحفل به صفحات التاريخ العربي والإسلامي كشجرة الدر... إلخ، فضلا عن أن المنطق الصحيح والقراءة الموضوعية لما يدور في العالم لاتجعل المرء أسيرا لإتجاهات وسياسات مرحلة معينة كانت للظروف الإجتماعية والقبلية والتطورية دورا في إقرارها ولاتصح قياسا منطقيا يستدل به في العصر الحديث ؟ فالخلفاء الراشدون لم يستعملوا السيارات ولا الطائرات ولا الهواتف النقالة لعدم وجودها آنذاك فهل هي حرام؟ كما أن الخلفاء الراشدون لم يتسن لهم ركوب الطائرات وعلى درجة رجال الأعمال التي جاء بواسطتها السلفي السوداني للكويت مخالفا سنة السلف الصالح كما يراها هو ! إذ كان بإستطاعته إستعمال السفينة والبعير في الوصول للكويت عبر الجزيرة العربية وبعد عبور البحر الأحمر وهي مهمة لاأحسبها عسيرة عليه ولكنه فضل ركوب طائرات الكفار بدلا عن ذلك ؟ وأعتقد أن السيد السلفي السوداني يعيش في حالة إنقطاع تام عن أحوال العالم المعاصر وهو يفتي ومن على أرض الكويت الحرة العربية المسلمة ضد إعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية والإنسانية كاملة رغم أنها ساهمت أكبر مساهمة في الكفاح الوطني من أجل الحرية وتصدت للبعثيين الغزاة عبر التظاهرات أو أعمال المقاومة الجريئة والبطولية كالشهيدة أسرار القبندي وغيرها من الجنود الكويتيات المجهولات اللواتي يسطر لهن تاريخ الكويت المعاصرة حروف الكرامة والحرية والإعتزاز، وسفر كفاح المرأة الكويتية قد سجلت جانبا مهما منه الكاتبة والإعلامية الكويتية السيدة ( عزيزة المفرج ) في كتابها القيم ( زنزانة 60 ) والذي يضم صورا مضيئة وناصعة لمشاركة المرأة الكويتية لأخيها الرجل من أجل التحرر من نير الجاهلية والظلام البعثي ! والذي لايعرفه السلفي السوداني هو أن المرأة الكويتية تخوض ساحات التحدي والبناء اليومية وتساهم مساهمة قيادية في إدارة عجلة الحياة والتطور في الكويت وعبر مختلف التخصصات العلمية والإدارية والسياسية
وأبرزن حرفية هائلة في جميع ميادين الحياة فهنالك السفيرة الكويتية كالسيدة نبيلة الملا وهنالك الإعلامية كالسيدة زينة الجوعان وهنالك فيالق من الأديبات الراقيات والمربيات الفاضلات بدءا من السيدة ليلى العثمان وليس إنتهاءا بفاطمة يوسف العلي وليلى محمد صالح، والعديد من عقود الجواهر الكويتية التي تزين جيد المرأة الخليجية والعربية والمسلمة بشكل عام، وأعتقد جازما إن السيد السلفي السوداني في فتواه المضحكة وإدعاءاته الهزيلة إنما يمثل النموذج الأنصع للإنعزال عن الحياة الدولية المعاصرة والحديثة إذ أنني لاأدري كيف يفسر سماحته وصول النساء في باكستان المسلمة وبنغلاديش المسلمة وإندونيسيا المسلمة لأرفع المناصب القيادية دون نسيان الهند وسيريلانكا ؟ فهل سمع ببي نظير بوتو وخالدة ضياء وحسينة واجد وميغواتي سوكارنو وإنديرا غاندي وبندرانايكة وغيرهن العشرات ؟ وبصرف النظر عن كل الإعتبارات الأخرى فإن المرأة الكويتية ليست بحاجة لفتاوي القهاوي ولو جاءت من الخرطوم..! فأهل الديرة نساءا ورجالا أدرى بشؤونهم! ولكنها بدع السلفية الجديدة؟.
- آخر تحديث :















التعليقات