"الحشيش هاهو أمام عينيك قطعة صغيرة خضراء لاتزيد فى حجمها عن حبة البندق ليست لها أى رائحة على الإطلاق .. هاهى إذن سعادتك .إن لك الحق الآن فى أن تعتبر نفسك فى مرتبة أعلى من كل الرجال ..إن أحداً لايعرف ولايمكنه أن يفهم كل ماتفكر فيه وكل ماتشعر أو تحس به إنه ملك مجهول يعيش وحيداً فى معتقدات ولكن من يهتم؟؟ لقد أصبحت إلهاً!".
هذه ليست كلمات معلم من الباطنيه أو أقوال أحد مساطيل الغرز بل إنها كلمات الشاعر الفرنسى الكبير بودلير يصف بها إحساسه بهذا العقار السحرى الذى تحرق منه مصر أكثر من خمسين طناً كل عام .ومابين دواوين بودلير وملفات الشرطه ومابين متعة الكيف وتهمة التعاطى يظل الحشيش لغزاً مستعصياً على الفهم فكلما زادت الكبسات الأمنيه وتضخمت ملفات الضبط والمطارده كلما زاد عدد المتعاطين الذين يراوغون رجال الأمن كما يراوغهم دخانه الأزرق وكلما علت أصوات المنع والإدانه زادت أصوات كركرة الجوزه وقهقهات السلطنه!!.
ومن أهم أسباب تعاطى الحشيش فى العالم بصفة عامه وفى مصر بصفة خاصه الجنس أو الحصول على المزيد من متعة الجنس ففى دراسة أجراها المجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان سنة 1992 على عينة كبيرة من طلبة الجامعات والمدارس الثانوية فى مصر ظهر أن الجنس هو الدافع الأول لتعاطى الحشيش وهذا يفسر لنا إذا خرجنا على نطاق أوسع من طلبة الجامعه أى على نطاق مصر كلها سر إرتباط الحشيش دائماً فى الأذهان بليل ومساء يوم الخميس ففضلاً عن أنه فى يوم الخميس الأول من كل شهر والذى كانت تتجمع فيه الأسر المصريه حول أجهزة الراديو لتستمتع بصوت أم كلثوم والذى كان عند نسبة كبيرة منهم لايداعب المزاج إلا من خلال دخان الحشيش، فضلاً عن ذلك الإستمتاع الكلثومى فليل الخميس هنا فى مصر له قدسية خاصه فهذه الليله هى ليلة الجنس ليه ماحدش فاهم، هل لأنها نهاية الأسبوع وبعدها يوم أجازه وهو الجمعه؟!، ومازال هذا الإرتباط الشرطى بين الخميس والجنس فزورة من الفوازير المصرية المستعصية على الحل، فى هذا اليوم يزيد التعاطى ويزيد الإتجار فيصبح الخميس كابوساً أسوداً لإدارة مكافحة المخدرات وحلماً وردياً لسوق المنشطات الجنسيه والذى يتوهم الناس أن الحشيش هو أهم عناصرها أى أنه بمثابة الزعيم لهذه المنشطات التى إبتدعتها القريحة البشرية والتى تبدأ بالقواقع البحرية والجمبرى وجذور الجينسنج ومخاصى الثور وبيض السلحفاه وقرن وحيد القرن وتنتهى بالسبانيش فلاى Spanish fly ولابأس من أن نذكر لك كنهه وماهيته فهو عباره عن بودرة خنافس مطحونه من جنوب أوروبا !!، إلى هذه الدرجه وتطبيقاً لشعار "الحاجه أم الإختراع " دفعت حمى الجنس الإنسان إلى مواصلة البحث عما ينشط شهوته وكان الأهم والأرخص هو الحشيش
[حتى نستطيع التعرف على ماإذا كان الحشيش منشطاً جنسياً أم لا؟؟، لابد أولاً من أن نتعرف عليه هوشخصياً، ماهى مادته الفعاله وماهى آثاره العامه حتى نستطيع فهم تأثيره الجنسى وهل هو وهم أم حقيقه؟؟
الحشيش المصرى أو الماريجوانا الأمريكيه أو الجانجا الهنديه أو الداجا الأفريقيه أو الماكونا المكسيكيه ...الخ، كل هذه الطوائف والمسميات تنمى إلى نبات واحد هو نبات القنب ولكن الإختلافات ترجع إلى الأجزاء المأخوذه من النبات هل هى الأوراق ؟هل هى الرؤوس المزهره ؟هل هى المادة الراتنجيه ؟أم هى النبات كله؟، وبالنسبه للحشيش الذى نحن بصدده فإنه من المادة الراتنجية التى هى خلاصة إفرازات زهور نبات القنب ولذلك فهو أقوى هذه العقاقير جميعاً ويكفى أن نعرف أن الحشيش أقوى بثمانى مرات عن الماريجوانا والغريب أن نبات القنب كان يستخدم فى البداية فى أغراض نافعه فقد صنعت من أليافه أحبال وأنواع من الأقمشة المتينه كما كان الأطباء يصفونه لعلاج بعض الأمراض وكذلك إستعمل نبات القنب فى أغراض دينيه ويقال أنه ظهر أول ماظهر فوق جبال الهيمالايا فى شمال الهند منذ مايقرب من 35 قرناً أما عن دخوله إلى مصر فتشير بعض المراجع التاريخية إلى أنه عرف فيها منذ حوالى القرن العشرين قبل الميلاد وإستخدم حينئذ فى علاج بعض أمراض العيون ولكن هذا الرأى شابته بعض الإنتقادات التى جعلت المؤرخين والباحثين لايميلون إليه ولكن المؤكد أنه دخل إلى مصر خلال القرن الثانى عشر فى أوائل حكم الأيوبيين وفى هذا القرن نفسه يكتب عالم النبات العربى إبن البيطار عن القنب فيقول"إنه يزرع فى مصر ويعرف فيها بالحشيش وهو يؤكل وآكله يشعر بالخفه والسرور" وقال" ان الصوفية والطائفة الإسماعيلية يتعاطونه فى ممارساتهم الدينيه"، وظل الحشيش بعدها بين المنع والإباحة فى حالة المد والجذر يمنعه الظاهر بيبرس بالقوة حين لاحظ تأثيره السئ على معنويات جنوده أثناء حرب المغول ويبيحه الإمام القرافى ويقول أنه لاحرج فى تعاطى القنب بمقادير صغيرة بحيث لاتؤثر فى العقل أو تفسد الحس، ولقد إتهمت مصر لذلك من الغرب بأنها قد أخذت من الحملة الفرنسية المطبعه وأعارتها الحشيش الذى عادت به إلى بلاد النور باريس وإنتشر حتى أصبح له نادٍ هناك يسمى نادى الحشاشين والذى كان من أبرز أعضائه الشاعر بودلير والأديب جوتيه،
ويحتوى نبات القنب على 421 مادة كيميائية وأهم هذه المواد جميعاً مادة دلتا-9-تترا هيدرو كنابينول أو إختصاراً دلتا-9-تى-اتش-سى وتأثيرها يظل فى الجسم فى حالة تدخينها مدة من 2إلى 4ساعات، أما فى حالة التناول بالفم أو البلع تظل من 5 إلى 12 ساعة ولكن السؤال الذى لابد من طرحه لكى نفهم بالتدريج مدى تأثيره على الحالة الجنسيه هو أين تظل هذه المادة الفعالة والخطيرة ؟إنها من المواد العاشقة للدهون ولذلك فأفضل الأماكن التى تجتذبها هى المخ والخصيتين وهنا تكمن أولى العلاقات بين الحشيش والجنس.
[أما ثانى العلاقات فسنستطيع فهمه إذا فهمنا التأثيرات النفسية للحشيش بعد أن ألقينا الضوء على تأثيراته البيولوجية فالحشيش يضخم الإحساس بالتأثيرات الخارجية حتى النكته التى لاتستحق حتى الإبتسام تجعل الحشاش يستلقى على قفاه من الضحك، إنه يطرب للموسيقى سواء كمطرب أو كمستمع أفضل، إنه أكثر بهجة بالألوان والمناظر الطبيعية والأهم أن اللمس لديه أكثر حساسية وهذه أيضاً نضعها فى خانة الإرتباط بين الحشيش والجنس، أما إحساس الزمان والمكان فيتعرضان للتشوه الشديد على يد الحشيش فتصبح الدقيقه ساعه وحجرة المساكن الشعبية قصراً من قصور ألف ليله وليله!!، وهذا الإحساس الزمنى المشوه بالذات هو نقطة من النقاط الأساسية التى تروج للحشيش فى دنيا الجنس خاصة عند الذين يعانون من سرعة القذف أو من البرود الجنسى للزوجات ولكنه فى الواقع ماهو إلا وهم كما سنعرف فيما بعد حين نتعرف على الدراسات التى أجريت على هذه المسأله، وآخر هذه التأثيرات النفسيه والتى أعتقد أن لها دوراً كبيراً فى إرتباط الحشيش بالجنس هى ذوبان كل الكوابح والفرامل التى تقيد وتكتف شخصية المتعاطى فى ظروفه الطبيعيه ويقول مرجع الطب النفسى الأمريكى لكابلان وسادوك وهو من أهم هذه المراجع فى العالم يقول أن هذا الذوبان أو التحرر يحدث على مستوى التعبير بالكلام فضلاًعن التعبير بالتصرفات ولكن بالنسبة للتصرفات السلوكيه ينفى المرجع أن يفعل الحشاش عموماً أى تصرفات إجراميه إلا إذا كانت طبيعة شخصيته الأصليه تميل إلىالإجرام أما بالنسبه للجنس فى هذه النقطة بالذات فالحشيش هنا يذيب الوقار المصطنع ويشجع المتعاطى على إتيان أشياء أثناء الممارسة تجلب له اللذه كان من المستحيل أن يفكر فيها فى الحالة الطبيعية وأعتقد أن هذا سبب مهم آخر لتعاطى الحشيش هنا فى مجتمع يريد أن يتصرف فى غرف النوم كما يتصرف فى حفلات الكوكتيل الدبلوماسى وهو يرتدى الردنجوت والبابيون!!
[يقولون فى الأمثال الشعبية "إسأل مجرب ولاتسأل طبيب" فمابالك إذا كان ذلك المجرب هو الطبيب أو الصيدلى نفسه هنا يكون الحديث أكثر دقة والوصف أكثر تشويقاً وقد جرب كثير من العلماء والأطباء تحت تأثير الفضول العلمى الحشيش بكافة أنواعه ووسائل تناوله ومنهم العالم الفرنسى "باسكال بروتو" والعالم الألمانى شنيدر والذى كان يتعاطاه بجرعة تبلغ ثلاثة ملليجرامات من خلاصة الحشيش أما تجربة العالم "بور" والذى جرب الحشيش بتناول ستين نقطة من خلاصة الحشيش كانت تحضرها له إحدى الشركات فقد كانت تجربته أهم هذه التجارب ونقتبس هنا فقرة يلخص لنا فيها حالته الجنسيه بعد تناول الحشيش، يقول بور أنه وجد نفسه وقد أصيب بحالة من الرعشة المتعمدة وأنه كان يعلم بأنه يرمى بذراعيه حوله ويتحرك وهو يكتب كالثعبان ويبدو كالبلياتشو لما يقوم به من حركات عجيبه بوجهه وبعينيه وفمه ولكن المهم فى الأمر أنه لم يكن فى إمكانه الإمتناع عن هذا الأداء، أما من ناحية الرغبة الجنسية فقد كان يشعر أنها غائبة تماماً وأن ملكة الجمال فينوس نفسها لو تجسدت أمامه لما أغرته ولكن رغم ذلك الهبوط فى الرغبة الجنسيه إلا أن شهيته للطعام كانت كبيره إذ أنه إبتلع دجاجة كامله وكمية كبيرة من العيش والزبد، وما لبث بعدها أن أخذته موجة من الهلوسة إذ شعر بأنه يجلس فى قارب يبحر به فى السماء وسط سحب وردية اللون !!
*ومازال سؤال هل الحشيش إدمان أم عادة مطروحاً بشده على ساحة الطب النفسى ولكن أغلب الأطباء النفسيين يميلون إلى الرأى الثانى وهو أنه مجرد عادة لأنه ليست له أعراض إنسحاب مثل الأفيون إذا تخلى عنه المتعاطى وهذا ماجعل المجتمع المصرى يصدم بشده حين أعلن هذا الرأى د.حسن الساعاتى ود.محمد شعلان فى بداية الثمانينات حين طالبا بالإباحة بدلاً من المنع وكان رد الفعل عنيفاً إذ سرعان ماتكونت جبهة مضادة تتشكل وعلى رأسها د.مصطفى سويف ود أبو العزايم وقد ذكر د.سويف أن الخطر الأكبر فى الحشيش هو فى أن متعاطيه يصعد درجات أعلى فى سلم المخدرات فقد أعلن أن الإنتقال إلى تعاطى الأفيون يتم بمعدل 3% سنوياً من بين المتعاطين المنتظمين للحشيش .
[أقدم الدراسات التى عالجت مسألة الحشيش والجنس أجريت فى الهند عام 1939 بواسطة د. كوبرا على 1238 متعاطٍ للحشيش وقد جاءت النتيجه كما يلى
-24% ذكروا أن العقار لم يكن له أى تأثير على رغبتهم الجنسيه أو أدائهم الجنسى .
-20% أشاروا إلى أنه تسبب فى بعض الإنتعاش فى البداية ثم حدث هبوط بعد ذلك.
-16% ذكروا أنه نبههم جنسياً وساعدهم فى الأداء
-40% سبب لهم هبوطاً جنسياً سواء فى الرغبة أو فى الأداء .
وفى دراسة أحدث أجراها العالم كولدونى بمعهد جونسون سنة 1973 على خمسمائة رجل تتراوح أعمارهم مابين الثامنة عشره والثلاثين وإستمر تعاطيهم لمدة ست أو سبع سنوات وقد كتب فى تقريره النهائى "بإزدياد تعاطى الحشيش تتناقص معدلات النشاط الجنسى ويقل تكرار حدوث التهيج"
وقد أرجع ماسترز وجونسون وهما أكبر عالمين فى مجال العلوم الجنسيه SEXOLOGY الإحساس بتحسن الأداء الجنسى الذى قد يشعر به المتعاطى إلى مايمنحه الحشيش من زيادة حساسية اللمس أو الراحة من بعض القيود النفسية التى تكبله فى حياته العاديه، هذا عن الرجل الحشاش فماذا عن الست الحشاشه ؟؟ ذكر العالمان ماسترز وجونسون أن الحشيش يسبب جفافاً مؤقتاً لجدار المهبل والذى يسبب للمرأة فى معظم الأحيان ألماً حاداً أثناء الجماع .

[كانت هذه الدراسات السابقه عن الأداء الجنسى فماذا عن علاقة الحشيش بالخصوبه الجنسيه؟، أثبتت دراسات عديده أن للحشيش تأثيراً على عدد وحركة وشكل الحيوانات المنويه مما يؤثر على خصوبة الرجل ولكن معظم هذه الدراسات أثبتت أن هذه التأثيرات قابلة للعوده لمعدلاتها الطبيعيه بعد الإمتناع عن الحشيش ومن أهم هذه الدراسات العلميه الدراسة التى أجراها د.ويلى همبرى بجامعة كولومبيا فى منتصف السبعينات على ستة عشر شاباً ممن كانوا يتعاطون الحشيش فقط وقد أقام هؤلاء المتعاطين الشباب فى المستشفى لمدة ثلاثة أشهر تحت الملاحظه وكان د.همبرى يأخذ منهم تحليلاً للسائل المنوى كل إسبوعين وتحليلاً هورمونياً كل أسبوع وكانت النتيجه كما يلى:
-نقص يقدر بحوالى 40% فى عدد الحيوانات المنويه.
-نقص يقدر بحوالى 20% فى حركة الحيوانات المنويه.
-زيادات مختلفه فى الأشكال المشوهه للحيوانات المنويه.
*وبرغم كل هذه الأرقام السابقه فمازال صندوق الحشيش الأسود مفقودا ً هنا فى مصر لأنه فى مجتمعنا له عالم خاص وأبجدية خاصه وسبب لجوء الناس إليه مختلف هنا عن الغرب الذين أجريت عليهم هذه الدراسات ولذلك فنحن نحتاج لدراسات خاصة بنا لنفهم من خلالها لماذا نصرف كل هذه المليارات لنظل فى حالة السطل ؟ ولماذا نحل مشاكلنا الجنسيه خلف غلالة رقيقه من الدخان الأزرق.