حوار مع الأديبة الأردنية أمينة العدوان:

حاورهاد. إساعيل نوري الربيعي ــ تورنتو: كأنّها تترصد الأقحوان، تروم العبير في الحدائق التي تنثال منها الأحلام والرؤى والتنهدات،• على جسر المواجد تقف أمينة، أمينةً على هذا الإختراق الذي استبد بالضلوع، تشخص بكل ما فيها من توقدت، تركب الموجة العاتية علّها تقتل في ذاتها ذلك الخوف القديم• هي الساعية إلى البحر تتوسله أن يطهّر هذا العالم من آثاره وقبحه ورزاياه، تكابد وما زالت من وعثاء الاعتياد، عامدة إلى المضي في تأثيث مشهد البقاء الحر من دون الوقوع تحت سطوة اليقين• هي ولوازمها ومدركاتها وانعتاقاتها والنبض الدافق فيها، تسعى نحو تحسّس مقابض الأبواب التي أوصدها اليقينيون، تهتف في وجه الغثيانات والإقترافات المقيتة، تحاول بكل ما فيها تبييض صفحة الحياة، بعد أن أثخنتها الأيادي السوداء بالغزوات والتمزّقات والتقمّصات.
شاعرة تحاول تخطّي لباس السحر الذي أفنى القانعون جل ما فيهم، من أجل تكتيف الأحلام والرؤى والتأملات، وهي تراها تحلم وتشير وتتفاعل، من دون أن يهن فيها مضاء البلاغة، تعلم جيداً أنّ أسوار الحزن ما انفكت تعرش في القلوب والأفئدة، لكنها تمضي إلى الأقاصي في سبيل الوقوف على غواية المعاني. العالم ترصّه صفاً واحداً بإزاء الشعر، هذا الذي يستبد بها حد بلوغ المدى• ومن مداها ذاك، تروح تنشر أشرعتها في gt;مدى المدىlt;، حيث اللامسافة تترصدها سبيلاً للخلاص من التقنين والتحديد والترسيم والتموضع


* ممارسة الحياة بالكتابة، وأنت المتعددة الاهتمامات شعراً ونقداً وقصاً، تحاولين البحث عن شيء ما، وهذا gt;الشيء الماlt; كأنّه يقضّ عليك سكينتك، ترى هلى تركن أمينة إلى السكون ذات يوم؟
- أريد أن تتحقق الحريّة لفلسطين والعراق والتقدّم للعالم العربي إنّ مؤامرة أن يبقى العالم العربي في العبودية والتخلّف والعودة به إلى القرون الوسطى هي صورة العالم العربي المطلوبة، أن لا تستثمر طاقاته العقلية من علماء ومفكّرين، أن تُدفن وتتشتّت لكي لا يكون هنالك قوة أو تقدّم عربي، هذا يشعرني بمدى الخطر والمؤامرات ونرى ما جرى للعراق علمائها مطاردون ومراكز أبحاثها أغلقت وأسلحتها دمّرت ومقاومة السكّان لهذه الإبادة، كما نرى هدم المؤسسات في فلسطين واغتيال الشخصيات المهمة، كل الشخصيات المهمة والقيادية واغتيال آلاف العرب الذين أرادوا الحريّة والتقدّم، يحاربون ويدمّرون ويغتالون ويستبدلونهم بشخصيات تنفّذ هذا المخطّط المدمّر.
والواقع الذي أريده حر ومتقدّم أصبح هامش سراب.
إنّ ما يجري هو اغتيال للقيم، اغتيال للكائن العربي، اغتيال للعقل، حيث نرى التزوير والتضليل يجري، وغياب الحقيقة والتشتّت والتشويش ومزج الحقيقة بالخيال والأكذوبة بالواقع، هنا يجري إعدام الكائن العربي وإعدام قيمه وإعدام العقل حيث هو مرغم على أن يسير على رأسه وأن يسير إلى الخلف معظم الوقت، وأن يسير ثقيلاً لا بأجنحة، يده وقدمه قيد ورأسه حذاء وأن عليه وهو سائر أن يكسر كل الموازين ويحمل التشوّهات بكل قبحها ومهازلها ولامعقوليتها على أنّها الأصدق والأجمل والأفضل• إنّ الاحتلال والاستباحة وسرقة الثروات والعبودية وقتل الكفاءات والتخلّف يراها أجنحة ويوماً مشمس وسيرٌ إلى الأمام، ومن يرفض هذه المهزلة واللامعقول يُقتل، يُبعد، يجمّد، يهمّش، أي مهزلة وأي لامعقولية أن يكون الإنسان العربي معدّاً فقط للقتل، للعبودية، للجهل، ضحيةً للجلاد فقط.

* يجد المتلقي تكثيفاً شديد الوضوح في قصيدتك، اقتصاد في المفردات، وسعة في المعنى، كأنّه الإقتراب من تقنيات قصيدة الهايكو اليابانية؟
- القصيدة الحديثة أصبحت جملة أو كلمة، لها موضوع ومعنى ودلالة، حيث الإضاءات السريعة والتكثيف والإيجاز، كتبت بهذا الشكل قبل أن أقرأ قصيدة الهايكو، فجأة انبثقت الكلمات وأنا اندهشت، لم أكن أعدُّ نفسي لكتابة الشعر، قد أكون كنت أفكّر أن أكتب الرواية، المهم أصبح بعد ذلك أن تكون القصيدة الموجزة موضوع محدّد له دلالة عدا عن الصورة الفنيّة، الآن بدأت أقرأ قصيدة الهايكو، وجدت أنّي أحب هذا الشعر الياباني الجميل، ولكن إن قارنت بدقة ما أكتب أجده يختلف، هنالك القصيدة الواحدة لي بصور كثيرة وليس صورة واحدة أو تصوير حالة واحدة، أصوّر عدّة حالات أو تكثيف للحالة بعدّة صور، هذا أراه إن نظرت بدقة اختلاف، وهنالك قصائد طويلة وقصائد متوسطة وليس كلّها قصيرة جداً عدا عن الاختلاف في الشكل والمضمون عمّا أكتب، إنّها مضامين عربية بأشكال متجدّدة قد أكون تأثّرت بالتراث الشعري العالمي، ولكن أختلف أنّ لي صوتي العربي الخاص أسمعه لا صوت آخر أكرّره، صوت خاص بي.

* بوح شفيف من المفردات والأنين، الذي نراه يتوارى تارة ويضج ويصخب تارة أخرى• أنت مولعة بالتعدّد؛ تعدّد الأصوات، تعدّد المعنى، التنويعات، الإختلاف، وليس الخلاف بكل تأكيد؟
- إنني أصوّر مراحل تاريخية في حياة الأمّة العربية، ولكن نسمع أصوات مختلفة لا صوت واحد، صوت البطل، صوت الشهيد، صوت الجلاّد والضحية، صوت المقاومة، وصوت اللامبالي والمتواطئ ورؤية المناجم في القبور والزنزانة لكائنات تريد الحرية لا الاحتلال. الاختلاف هو بين المؤامرة والتخطيط للتدمير واحتلال الإنسان وقهره والأساليب الكاذبة اللامعقولة للتغضية والتمويه وتكريس التخلف والاحتلال لكي تتم المؤامرة، وبين أصوات أخرى مختلفة صوت المصلح، صوت المقاوم، صوت المثقف النزيه والباحث والعسكري والصحفي والفنان التشكيلي كما نراه في الانتفاضة الفلسطينية، صوت ضد تدمير العقل العربي، ضد تدمير القيم والمفاهيم، ضد تدمير المواطن• إنّ هذه الأصوات المتعددة مشروع حريّة ونهضة في واقع مستعبد ومقهور، ورفض هذا المشهد المأساوي، المجابهة والحرب والرفض حيث يتفاوت الإبداع بين إرحل أيها العدو بصوت عالي وبين عبودية الإنسان العربي، عيونه معصوبة ويده مقيدة وبيته ووطنه زنزانة وقبر، وفمه لا يغلق، صرخة ألم لا تنتهي• حصار، كمّاشة حواجز، قيود، المواطن العربي في ظل الاحتلال، ورفض هذا المشهد، لذا نرى جرحى وقتلى دماؤنا تسيل، القبور تزداد، المخطط ما يزال ينفّذ، تدمير واستعباد العرب، دخان وغيم وضباب أسود يبدو أننا لن نرى يوماً مشمس•

* إلى أي حدّ يمكن لأمينة الناقدة والشاعرة من الاقتناع بفكرة الفصل الذي يعمد إلى تجنيسه البعض من النقّاد حول موضوعية أدب الذكورة و أدب الأنثى، مسألة الإبداع كيف تنظرين إليها؟
- أي إبداع يقدّم لا يقيّم إلاّ بمقدار استيفائه للشروط الفنية، لا فصل لأدب المرأة عن الرجل، وأرى أنّ أدب المرأة العربية يُساهم ويشارك الرجل في العطاء، فإبداع المرأة العربي ازداد في مجال القصة والشعر والرواية، فهي تشارك في هذا الجهد والبناء له في إعطاء وجه حضاري للوطن •

* مسألة الإبداع كيف تنظرين له؟
- أجنحة تطير بي من القفص .
حريّة.
ــ أو مرّات فراشات تزور البيت
ــ أو ألم، بكاء، تعذيب حين أرى من يحب وطنه في القبر أو في الأسر أو حين أكتب عن شهيد أو قمع أو إذلال أو ظلم الإنسان العربي، أو رحيل أو اغتيال أو تعذيب الكائنات التي تحب وطنها حرّة.
ــ قبور وأكفان.
ــ أو فرح بالبطولات العربية
أكتاف، وهامات، وجبال
ــ زلزال ، عجز، أوراقي تتمزّق تتناثر في الهواء حين تُحتل المدن العربية وتدمّر.
قد يكون إبداع أي أديب عربي ذاكرة تحفظ جراحات وآلام وبطولات الأمّة العربية. الأبداع كل هذا وأيضاً جهدٌ، عمل شاق وطويل في واقع متفرّج يمزّقني، دوامة، دوائر لا تنتهي تدور بي وما أزال أدور .

* التواصل مع هذا العالم، حيث الإرتباك الذي يسوده، والنكوص الذي يتبدّى فاغراً فاه على الواقع العربي، مكابدات المرأة المبدعة والمثقفة، التخصيص هنا يتعلّق بالمضامين الاجتماعية؟
- أي تواصل؟
هامشٌ الكائن وهامش الواقع، في عالم تُغتال فيه القيم والكائنات والأوطان والعقل • المهزلة أم اللامعقول أم التزوير؟ من أصبح أكذوبة نحن أم المحتل المقاومة تُجيب العلماء والمفكّرون العرب، والطاقات المفكّرة الإيجابية تقول أنّ الشعب العربي يبقى، الدنيا بخير، وآمل أن يصحو الغافون حين يصبحون على خير لا على كلّ هذه الشرور وطارق بن زياد ما زال يسأل أين المفرّ؟

* فسحة التعبير، الترميز الذي يعمد إليه البعض، والمباشرة التي يسقط فيها البعض الآخر، صوت الشاعر ونبوءته، هل يمكن أن يخفت في ظل التقحّمات والتدخلات والإقواءات التي تفرضها البعض من القوى؟
- المثقف العربي بالرغم من الاضطهاد والتعتيم والتشويه والتهميش والإقصاء والتهديد، المثقف العربي ما زال يقول كلمته بالرغم من الحصار والقيود والتعتيم على فكره والترويج لنشر الضحالة والتفاهة في العقول وإبراز وتكريس الأصوات التي تنشر اللامبالاة والسطحية والجهل، ما زال المثقف العربي يحارب ويخلق منابر للفكر القومي ويردّد مهما جرى لي أقول كلمتي وأمشي وسيأتي كثيرون مثلي، هكذا أرى أؤمن، الشعوب العربية لن تموت، الشعوب العربية باقية حتى لو بعد حين، والمحتل يرحل.