هل يحق لصاحب قضية مهما كانت محقة ان يقتل بريئاً ليلفت أنظار العالم الى الظلم اللاحق به؟ ألا يحول قتل البريء المرتكب من مظلوم الى ظالم ايضاً ويلطخ نبل القضية التي يدافع عنها؟ هل يحق لصاحب قضية مهما كانت محقة ان يزرع قنبلة في طائرة مدنية لمجرد انها تابعة لشركة من دولة تتخذ موقفاً ظالماً أو غير محق من قضيته؟

هل يحق له زرع عبوة في متجر بذريعة اثارة الرعب في قلب الشعب ليرغم حكومته على تغيير سياستها؟ وهل يحق لمسلح احتجاز أبرياء وترويعهم ليتولى ملثم شرح قضيته العادلة في شريط تبثه التلفزيونات؟ وهل يحق لـ"مقاوم" أو "مجاهد" ان ينحر رجلاً لأنه ينتمي الى دولة تتخذ موقفاً ظالماً في هذه البقعة أو تلك من العالم؟ وماذا يحل عندئذ بالبريق الانساني والاخلاقي للقضية العادلة التي انبرى المسلح لشطب الظلم اللاحق بها؟ وهل يحق لصاحب قضية مهما كانت عادلة ان يزرع عبوة ناسفة في دار للسينما أو مطعم أو حافلة تقل مدنيين؟ وهل يؤدي مثل هذا العمل الى اقناع الفريق الذي ينتمي اليه الضحايا بعدالة قضية المرتكب أم يستنفره للثأر ويضاعف تصلبه؟

لا يحتاج المرء الى جهد للتعرف على الظلم الذي لحق بالشيشان سواء في عهد القياصرة أم في عهد ستالين. تعرضوا للقتل والتهجير ومحاولة شطب الوجود والهوية. لكن هل يبيح هذا الظلم للمقاتلين الشيشان اقتحام مدرسة وتوزيع العبوات الناسفة بين الأطفال واعدادها للتفجير ثم تفجيرها واطلاق النار على الصغار الذين يحاولون النجاة؟ وهل يمكن الاعتقاد بأن مذبحة من هذا النوع ستدفع العالم الى تفهم أكبر لقضية الشيشان؟ وهل كان باستطاعة فلاديمير بوتين الانحناء أمام مطالب محتجزي التلامذة؟

واضح ان شامل باساييف لم يترك امام بوتين غير الخيار الذي اعتمده وهو الاندفاع في "الحرب على الارهاب" التي يقودها جورج بوش. وكلام رئيس الأركان الروسي عن توجيه ضربات وقائية ضد قواعد الارهابيين في العالم يصب مباشرة في خدمة الخيار الوحيد الذي تركه اسامة بن لادن لسيد البيت الأبيض. وإذا أخذنا في الاعتبار الانخراط المتزايد للاتحاد الأوروبي في الحرب على الارهاب, وان بمقاربات مختلفة أحياناً, ندرك اننا فعلاً في خضم حرب عالمية متعددة المسارح ويستحيل التكهن بموعد نهايتها.

مشاركة المقاتلين الجوالين العرب في نزاع الشيشان وكشمير فضلاً عن 11 ايلول (سبتمبر) ودعم حركات انفصالية في الصين تنذر بحرمان العرب من تعاطف كل الدول الكبرى بلا استثناء. وهكذا تكون معاناة العرب مزدوجة: تعاني الدول العربية من متشدديها في الداخل وتدفع ثمن بعض ممارساتهم في الخارج. ولأن هذه الحرب العالمية لا تزال في بداياتها يتعين على الدول العربية منفردة ومجتمعة اعطاء هذه المسألة الأولوية لجهة البحث في جذورها واسبابها وسبل المعالجة ولجهة انقاذ علاقات العرب بالعالم, خصوصاً ان هذه العلاقات بدت مستهدفة منذ 11 ايلول. لا بد للعرب حكومات واحزاباً ومنظمات ووسائل اعلام من رفض المنطق الذي يتذرع بوجود الظلم لتبرير ممارسات ارهابية تضع العرب والمسلمين في عزلة عن العالم وفي مواجهة مع الدول الكبرى تحرمهم فرص التقدم والاستقرار وفرص التوصل الى حلول عادلة لقضاياهم المعلقة.