تقابلنا آخر مرة في انحاء المستشفي‏,‏ بين أجنحة المرضي ووجوه الاطباء والممرضات‏..‏ كل منا يحمل هموم مرضه ومعاناة جسده وعقله داخل دولاب من الصبر والسكينة والتسليم‏..‏ فوجئت به يبادرني بالزيارة وأنا طريح الفراش لا أعلم لي رأسا من قدمين‏,‏ وانا ادرك كي الوهاب مطاوع يعاني طوال السنوات الاخيرة من علة في الكلي تفتك بآلاف المصريين‏.
لم يكن يتحدث كثيرا عن مرضه رغم خطورته‏,‏ ورغم ما يسببه له من آلام تلزمه الفراش ساعات وأياما طويلة‏.‏ ورغم كل ما كان يسببه له من انصراف عن كتابة مقالاته وقصصه الانسانية‏,‏ التي جعلت منه اشهر كاتب انساني اجتماعي عرفته الصحافة المصرية والعربية‏,‏ ولكنالب آلامه‏,‏ ويصارع مرضه بنفس الشجاعة والقوة والعزم الذي يصارع به المرء معارك الحياة وتحدياتها‏,‏ مدفوعا بقدرة هائلة علي العطاء والتجرد‏,‏ والايمان بنزعة انسانية طاغية مترعة بالنبل والا
يمثل عبد الوهاب مطاوع علما بارزا في جيل من الصحفيين الذين حملوا عبء التحولات الجارفة التي عصفت بالصحافة وفنون الاعلام صعودا وهبوطا طوال نصف القرن الاخير‏,‏ وهو الجيل الذي تعلم المهنة علي اصولها ولم يأخذ نصيبه كاملا واستقرت لديه قناعات خالصة بدور الصحافة لاعلام في بناء الانسان والمجتمع‏,‏ وسعي من ثم الي تكوين نفسه وصقل مهاراته واستيعاب حقائق العصر‏..‏ وتحمل في سبيل ذلك الوانا من الضغوط والمضايقات تأتيه من فوق ومن تحت‏,‏ وضروبا من التقلبات السياسية والاجتماعية والعصف بالحريات وغلبة الاهواء والطموحات غؤهلة‏.‏ ولكن هذا الجيل بقي هو عنصر الدوام والاستمرار في مسيرة الصحافة المصرية‏.‏ علي يديه أحرزت فنون الصحافة والاعلام كل ما حققته من تقدم وتطوير ومواكبة للصحافة العالمية في شتي المجالات‏.‏ وعلي يديه ذهبت هذه المهارات الي صحف الخليج والصحف العربية في الوطن العربي تنشر التقدم وتنقل وتؤسس صحفا ومجلات عربية في مناطق لم تكن لديها فكرة عن الصحافة‏.‏ فاذا بها اليوم بفضل هذا الجيل تقف في المقدمة صحفيا واعلاميا وفضائيا والكترونيا‏.‏ ولم يغب عبد الوهاب مطاوع عن هذا الدور في حياته المهنية وأمضي بضع سنوات في ل الصحفي بالدول العربية‏.
عرف عبد الوهاب مطاوع في مطلع حياته المهنية كواحد من المبدعين في فنون كتابة التحقيق الصحفي وحين بدأ تحرير باب بريد الاهرام الاسبوعي ثم اليومي تبوأ مكانة فريدة في الصحافة العربية‏,‏ وتحول بريد الجمعة الي ما يشبه محكمة الاسرة
تمضي الشخوص وتصعد الارواح الي بارئها ولكن تبقي صنائع المرء وابداعاته‏..‏ وكذلك يبقي عبد الوهاب مطاوع بابداعه وادبه وكتبه في ذاكرة الزمن‏.‏ رحمه الله