لندن من عبد القادر مام: العالم الان يواجه آفات متعددة تبدو خطرا واحدا وان تعددت المسميات. وبقدر ارتفاع إحصائيات البشر في العالم ، تزايدت وسائل فناء هذا البشر، وان لم تكن للبشرية يد في رفع حدة غضب الطبيعة عليها، فانه بالمقابل تتسبب هي في ابتكار وسائل دمار وفناء لا تقل عن تلك التي تصنعها الطبيعة. وربما اخطر آفتين انتجهما الإنسان لتدمير ذاته في العقود الأخيرة، هما المخدرات و«الإيدز» (مرض نقص المناعة المكتسبة). ورغم الجهود الدولية والمحلية المبذولة في تحقيق وإقرار علاجات ناجعة تخفف من الآلام والآثار التي باتت تضرب الكرة الأرضية برمتها في أسوأ صورة تشهدها البشرية ، الا انه لا يبدو هناك امل كبير في اقتلاع جذور الظاهرتين. في أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة عن وضع انتشار «الإيدز» في العالم ، أظهرت المنظمة أرقاما مخيفة جدا، قالت إنها أصبحت مقلقة وخطيرة ، تتطلب جهودا دولية لمواجهتها والتعاطي معها بكل جدية وصبر وأناة. فقبل نهاية العام 2004 ، وفى غمرة الاستعدادات للاحتفال بالعام الجديد وقبيل حدوث أسوا كارثة تصيب هذا العالم عندما خلف تسونامي عشرات الالاف من القتلى في مناطق شرق آسيا، أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات لهذا العالم من خطر انتشار فيروس (اتش.آي.في)، مشفوعة بأرقام فاقت التصورات ، محذرة من مخاطر هذه الكارثة التي سوف تزداد وتنتشر في جميع مناطق العالم، اذا لم تتكاتف الجهود الدولية لمعالجتها بصورة عاجلة.
وفي العام المنصرم وحده سجلت الأرقام الدولية اصابة 4.9 مليون شخص بفيروس (اتش.اي.في)، مما يرفع اجمالي عدد المصابين الى 39.4 مليون شخص يعيشون بالايدز فى العالم. وفي هذا الرقم المخيف نجد 37.2 مليون شخص تتراوح أعمارهم من 15 الى 49 عاما، نصفهم تقريبا من النساء. وفي العام الماضي فقط تسبب الإيدز في مقتل 3.1 مليون شخص في العالم.
وتقول منظمة مكافحة «الايدز» التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الأخير (أحدث بيانات وباء الإيدز) السنوي، إن معدلات الإصابة بفيروس (اتش.اي.في) قد زادت بنسبة مخيفة، خاصة في مناطق شرق ووسط آسيا وشرق أوروبا. غير أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لا تزال المنطقة الموبوءة الأولى في العالم بمرض الإيدز، اذ بلغ عدد المصابين فيها 25.4 مليون شخص نهاية عام 2004 ، مقارنة بنحو 22.5 مليون في عام 2002 . وتقول منظمة مكافحة الإيدز إن ما يتراوح ما بين خمسة وستة ملايين شخص سيلقون حتفهم بمرض الإيدز في العامين المقبلين، اذا لم تقدم لهم العقاقير المضادة للارتجاع الفيروسي.
والقارة الاقريقية عموما تأتي في قائمة المناطق الأخرى في العالم التي يتهددها وباء الإيدز بشكل لافت جدا للانتباه ، فالأرقام المعطاة قد لا تعكس حقيقة الواقع ، إذ هناك بعض الدول تتكتم على التعاطي مع الأرقام الحقيقية المسجلة لديها، خشية تعرضها لبعض (المنغصات) من قبل المجتمع الدولي، ومنها مثلا وضعها ضمن قائمة المتعامل معهم بحذر دوليا، وما قد ينجر عن ذلك من عواقب وخيمة لا تكون بالضرورة في صالح اقتصادياتها الهشة أصلا.
والدولة الوحيدة التي وضعت أخيرا حدا للجدل السياسي والشعبي الذي ظل يحيط بمعركة التعاطي مع قضية الايدز، هي دولة جنوب افريقيا. فهي تعترف الان أنها واحدة من أعلى معدلات الاصابة بفيروس اتش.اي.في. في العالم، وأنها تعترف في الوقت ذاته انها تشعر بالعجز والفشل والإحباط امام تنامي هذا الخطر. وتعلن الحكومة أنها لم تتوفر بعد على طواقم طبية مختصة في رعاية مرضى الإيدز، ولم تستطع المستشفيات الحكومية وضح حد للهلع الذي بدأ ينتاب قطاعا واسعا من المواطنين جراء فشل السلطات في تصديها لانتشار الفيروس.
لكن الحكومة التي تواجه الصيحات المتعالية للمجتمع الدولي، اعتبرت ان عام 2005 سيكون عام التصدي الحقيقي لانتشار المرض.
وبمقابل من له شجاعة في الجهر بالحقيقة وتحمل نتائجها، وبين من يتكتم عنها لأسباب سياسية واقتصادية أحيانا في تلك الدول، نجد بلدانا أخرى تخضع للتستر الشديد عن المرض بسبب طبيعة المجتمع وتقاليده التي تخجل من الحديث اصلا عن الايدز. وعلى سبيل المثال باكستان التي استمر فيها الزعماء الدينيون يغذون الاعتقاد لفترة طويلة، بان الايدز لا يصيب سوى «الكفار او المسلمين الضالين». وفي حقيقة الأمر فان كثيرا من الباكستانيين، انطلت عليهم مثل هذه الافكار، كما في دول اسلامية اخرى، اذ يعتبرون الايدز دليلا على غضب الله الذي لا يصيب الا المخطئين. وبسبب هذا الاعتقاد لم يصدق كثير من الباكستانيين ان المرض القاتل قد اصاب فعلا الكثير من الناس في هذا البلد، وانه بدأ ينتشر بشكل لافت. ويحذر تقرير الامم المتحدة الخاص بالايدز ان على باكستان القيام باجراءات قوية وفورية لمنع انتشار فيروس (اتس.اي.في)، والا ستواجه خطر التعرض للتداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الافة. وحقيقة ان نحو مائة منظمة غير حكومية قد شرعت في تقديم الرعاية والمساندة للباكستانيين المصابين بالايدز.
وما ينطبق على باكستان ينطبق ايضا على بعض الدول العربية والإسلامية، فبحسب خبراء الامم المتحدة فان معظم هذه البلدان يعيش وضعا مضللا سببه ايضا خجل الناس من الإفصاح علنية عن الإصابات مرده «العار» المرتبط ذهنيا بممارسة العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج. ويشاع في هذه الدول ان بعض حالات الوفاة المسجلة هنا وهناك قد تكون بسبب الايدز، ولكن لا توجد جهة بامكانها تحمل المسؤولية والاعلان عن ذلك.
واستنادا الى منظمة مكافحة الايدز التابعة للامم المتحدة ، فان انتشار الايدز لم يترك رقعة في العالم الا واصابها، وربما تقل درجة الاصابة بين العديد من الدول، حسب درجة وعي هذا المجتمع او ذاك، او حسب تطور الاوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية فيها.
وعندما نتحدث عن الايدز، نتحدث عن المخدرات ، نظرا لترابط الآفتين معا، وتشير التقارير الصادرة عن عدة هيئات دولية ان المنحى العام اخذ في الصعود، وبات يثير الفزع والقلق في العالم كالايدز تماما، ففي نشرات صادرة عن الامم المتحدة ، بلغ عدد المتعاطين للمخدرات 185 مليون شخص عام 2004 بزيادة 5 ملايين عن عام 2000. وتأتي المنطقة العربية وحدها على سبيل المثال واستنادا الى نتائج مكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في الشرق الاوسط في مرتبة متقدمة ، اذ ان نحو 400 الف عربي يتعاطون مخدر الهروين، وغالبيتهم من فئة الشباب ذكورا واناثا على السواء، ويلاحظ المصدر ان العدد في تزايد في مشرق كما في مغرب العالم العربي.
وتشير احدث التقارير الى ان افغانستان لا تزال المعضلة الكبرى في مجال انتاج وتصدير المخدرات ، فهي اكبر منتج للافيون في العالم. ومنذ نحو شهر فقط اكتشفت الشرطة الأفغانية في منطقة واحدة 6 مختبرات مزودة بمعدات حديثة لاعداد المخدرات، وتحوي ما مجموعه تسعة اطنان من الافيون في اقليم باداخشان وحده. والامر ذاته ينطبق على عدة اقاليم اخرى حيث تزرع المخدرات بشكل واسع وتدار صناعتها باحكام ، بعيدة عن رقابة الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي، ولم يجد الرئيس الافغانيي حميد كرزاي ما يرد به على تلك النداءات المتكررة التي تطالب افغانستان بوضع حد لهذه الآفة ، سوى التعهد بشن حرب حقيقية ضد تجارة المخدرات، ووضع هذه الحرب ضمن اولاويات حكومته. وتتداخل المخدرات بمرض الايدز، اذ ان الاصابات بفيروس (اتش.اي.في)، قد تزايدت بسرعة هائلة بين مستخدمي حقن المخدرات. وعلى اي حال فان الأمم المتحدة ، ولأول مرة تقرع أجراس الخطر بقوة اذا لم تتكاتف جهود مختلف دول العالم في وضع سياسات جادة وحكيمة على المدى الطويل لمواجهة هذه الاخطار. وجعلت الامم المتحدة من عام 2005 عاما لجمع 12 مليار دولار للحد من انتشار الايدز في العالم.