دمشق: مشهد سوريالي تتابعه وانت تقف تنتظر في احد شوارع دمشق سيارة اجرة لتقلك الى مقصدك..صافرة ممطوطة جدا من شرطي يرتدي خوذة لامعة في هذا الجو الحارق.. الهدف بالطبع سائق التاكسي الذي اومأت له... ركبت دون ان اعير انتباها الى ان الشرطي يريد ان يسجل مخالفة للسائق ولكن لشد ما ذهلت عندما شاهدت الرجلين يتبادلان الابتسامات مع مصافحة.
سألت السائق الاربعيني:لماذا اوقفك؟
قال من أين انت؟ هل انت سائحة؟ قلت لا.. انا من الشام..اجابني اذا لماذا تسألين؟...لاعرف اجبت بتجاهل العارف... يقول السائق لقد اخذ المقسوم الذي ارتفع لم يعد احد من شرطة السير يقبل بخمسة وعشرين ليرة الجميع يريد خمسين "منيح عم تنفك هيك" وان كان السائح عربيا فلاادري ان كانت المئة ليرة تكفي ليضع سيارته في مكان ممنوع وهو يتسوق في الزحام.
دارت الدنيا في عيني عندما سمعت هذا المنطق الاعوج الذي يبرر الرشوة في عز الظهر وفي مدينة يناهز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة.
قصة السائقين والشرطة قصة حزينة وطريفة في آن واحد عندما تنخرط فيها وتتشعب في تفاصيلها تدرك كم هما "الشرطي والسائق "ضروريان لبعضهما البعض.
استوقفت شرطيا كان يؤشر لسيارة تمر امامه ويكتب ضبطا وسألته لماذا تفعل هذا ربما هم غير مخالفين؟ اجاب من قال انني اكتب لغير المخالفين ثم مادخلك انت..دفتر المخالفات معي منذ عشرة ايام ويجب ان "يخلص"؟
اذن هكذا تدار المخالفات المرورية في دمشق..لم اصدق السائق الذي جلست الى جانبه في احدى رحلاته الى لبنان قصدا عندما سرد لي قصصا من كل لون وشكل عن "فصول الشرطة معه" يقول السائق الذي اشار الى ان اسمه ابو اكرم الرز انه في احد المرات صادف دورية مرور على المحلق الجنوبي لمدينة دمشق وكان يقود فان لشركة اجنبية والفان يعمل على البنزين فما كان من الدورية الا ان اشارت له بالوقوف وكتبته ضبطا بسبب تصاعد الدخان الناجم عن المازوت وعندما اخبرهم ان سيارته تعمل على البنزين وان لا اثر للمازوت فيه اعتقدوا انه يمزح ولم يكن من بد ان يدفع الغرامة المقررة رغم انه عرض عليهم كما قال مبلغ "حرزان ليتركوه بحاله " ولكنهم رفضوا بشدة "استشرفوا علينا هالمرة "يقولها بحسرة.
اما سائق التاكسي الشاب الملتحي الذي يبدو من طريقة حديثه انه متدين ولكن يختلس نظرات من المراة كلما سمح الامر وخفت الزجام فيقول انه لم ولن يعطي في حياته رشوة لشرطي رغم انه يعمل في المصلحة منذ ست سنوات وحجته بالطبع ان الرشوة حرام وهو كما يؤكد مستعد لان يدفع مخالفة تبلغ اكثر من الفي ليرة دون ان يعطي الشرطي رشوة لاتساوي عشر هذا المبلغ.
بالطبع افكار الشاب الملتحي لم تلاق اي صدى عند زميل له في نفس المهنة فهو يقول ان العملة اذا مادخلت في تطبيق اي قانون فانه سيضيع وعلى الدنيا السلام وتفاخر امامي " نمير"بان اي دورية مرور او شرطي لم تخالفه منذ ثلاث سنوات فهو كما قال "يعرف كيف يدبرالشرطي "الذي يصفه بانه مسكين يقف في الحر و البرد تسع ساعات متواصلة دون ان يكون دخله الشهري متناسب مع هذا الجهد لذلك لابد وان يمد يده.
اما مناسبة الكلام فكان صدور قانون السير الجديد في سورية والذي بات نافذا اعتبارا من الاول من الشهر الجاري ويتمنى القائمون على شرطة المرور في سورية ان يكون القانون حافزا على تخفيف الفوضى المرورية التي لابد وان يلاحظها اي زائر الى دمشق،والقانون الجديد شدد الغرامات المالية على المخالفين وطالب السائقين بالتزام اصول صارمة في التعامل مع الاشارات الضوئية وممرات المشاة والا فصفارات الشرطة القوية التي تعني امران لاثالث لهما اما المخالفة واما ان ترضي الشرطي بالطريقة الملائمة.
وبالطبع سيكون لرجال الشرطة الذين يرغبون الاصطياد في الماء العكر ضالتهم في بعض مواد القانون الجديد خصوصا وانها تنص على السجن في بغض المخالفات مثل قيادة سيارة دون الحصول على اجازة سوق نظامية والتي تعرض مرتكبتها للحبس من شهر الى ثلاثة اشهر والغرامة بقيمة الفي ليرة سورية.
يقول سائق سيارة خاصة اوقفته عرضا لاساله عن رأيه في الشرطة وقانون السير الجديد: ماهمنا من القوانين؟ المهم التطبيق امس وصلتني مخالفة الى البيت تقول انني قطعت اشارة مرور في طرطوس رغم انني منذ ثلاثة اعوام لم اذهب الى طرطوس فما هو العمل؟ يجب اولا تدريب الشرطة على ان القانون هو لتطبيق النظام وليس لجلد الناس..هذه ثقافة هذه حضارة نحتاج الى وقت انشاء الله لايكون طويلا؟.
- آخر تحديث :
التعليقات