تحولت إلى مراكز للعلاج بالقرآن وتفسير الأحلام
إيلاف تستعرض أزمة الأحزاب في مصر (2 من 2)

إقرأ أيضا

(إيلاف) تستعرض أزمة الأحزاب في مصر (1 من 2)
الفوضى تضرب مؤسسة المعارضة التقليدية


نبيل شرف الدين من القاهرة : كلما أجريت انتخابات عامة تجدد الحديث عن أزمة الأحزاب السياسية في مصر، سواء القديمة التي تتآكل داخلياً بفعل الزمن، وتعاني أمراض السلطة ذاتها، أو تحت التأسيس التي رفضت لجنة شؤون الأحزاب السماح لها بمزاولة العمل السياسي، غير أن حكومة مصر وجدت في ما يبدو سبيلاً جديداً يقطع الطريق على اتهامها بالوقوف في سبيل تأسيس الأحزاب السياسية، بالسماح لأحزاب لا تستند إلى قواعد شعبية معروفة، ومن هنا فقد وافقت لجنة شؤون الأحزاب على تأسيس حزمة أحزاب ورقية ليصل عدد الأحزاب السياسية في مصر إلى 22 حزباً، نشأت معظمها بأحكام قضائية، بعد أن وافقت قبل أقل من عام على قيام حزبين جديدين وهما quot;حزب الغدquot;، وquot;الحزب الدستوري الاجتماعيquot;، وهو ما قد يشير للوهلة الأولى إلى quot;تحول ماquot; بعد أعوام طويلة ظلت خلالها اللجنة التي تهيمن عليها شخصيات حكومية ترفض قيام أي أحزاب جديدة، لكن هذا التحول يصب بتقدير كثير من المراقبين في الاتجاه الخاطئ تماماً، إذ أنه في الوقت الذي يسمح فيه بأحزاب تفتقد إلى التراث السياسي، فإن هناك قوى وتيارات ذات وجود فعلي في الشارع السياسي المصري، لكنها ما زالت محجوبة عن الشرعية، ولا يبدو أن هناك ثمة أملا لها بتأسيس حزب، بينما وصلت المأساة إلى حد العبث، حين تحولت بعض الأحزاب عن العمل السياسي إلى فتح مقارها لجلسات لقراءة الكف والطالع أو العلاج بالقرآن الكريم، أو حتى التدريب على الحرف المهنية وتلميع الأحذية، والعودة لارتداء الطرابيش، كما يدعو إلى ذلك صراحة رئيس حزب اشتهر بأفكاره المثيرة للسخرية، وغير ذلك من الأنشطة التي لا صلة لها بالعمل السياسي كما هو معروف في شتى أنحاء العالم .

لجنة منع الأحزاب

وشهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة غياب رؤساء الأحزاب السياسية من ساحة المشاركة باستثناء ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري الذي فشل في جولة الإعادة بالمرحلة الأخيرة، وقد تعرض للضرب والإيذاء البدني، وأيمن نور رئيس حزب quot;الغدquot;، الذي خسر في الجولة الأولى من المرحلة الأولى من الاحتفاظ بمقعده البرلماني، بعد أسابيع من حصوله على نصف مليون صوت في انتخابات الرئاسة، وأخيراً فقد اكتملت بقية خسائره الفادحة بتمزيق صفوف حزبه وصدور حكم بسجنه . وفي المقابل فقد توارى رؤساء بقية الأحزاب، والمثير هنا أن من بينهم ثمانية سبق لهم خوض انتخابات الرئاسة، بمعنى أنهم رأوا بأنفسهم القدرة على المنافسة في مستوى رئاسة البلاد، بينما لا يستحق quot;شرف تمثيل الشعبquot; في البرلمان أن quot;يهبطوا من عليائهمquot; لأجله، وأبرز هؤلاء هم كل من: نعمان جمعة رئيس حزب quot;الوفدquot;، وأحمد الصباحي رئيس حزب quot;الأمةquot;، ورفعت العجرودي رئيس حزب quot;الوفاق القوميquot;، وممدوح قناوي رئيس حزب quot;الدستوريquot;، وإبراهيم ترك رئيس حزب quot;الاتحادي الديمقراطيquot;، وفوزي غزال رئيس حزب quot;مصر 2000quot;، ووحيد الاقصري رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي واسامة شلتوت رئيس حزب quot;التكافلquot; .

وتعج الساحة السياسية في مصر بعشرين حزباً ونيف , بعضها مجمدة بقرارات من لجنة الأحزاب، ومنذ عودة التعددية والحياة الحزبية في مصر، رفضت اللجنة الحكومية المعروفة بلجنة شؤون الأحزاب، والتي تتبع مجلس الشورى 95% من الطلبات المقدمة إليها، ما دفع مراقبين وصحف معارضة إلى تسميتها بـquot;لجنة تجميد الأحزابquot;، وتعكس هذه التسمية الساخرة نظرة الرأي العام لتلك اللجنة، باعتبارها ليست أكثر من مجرد إحدى أدوات الحكومات المصرية المتعاقبة لتحجيم المعارضة، وترسيخ حضور الحزب الأوحد على الساحة، مع الإبقاء على هامش يحول ـ نظرياً ـ دون تصنيف النظام على لائحة الأنظمة الشمولية بشكل صريح .

ويرى مراقبون أنه رغم كل الانتقادات التي توجه لهذه اللجنة الحكومية، غير أنها لعبت دوراً إيجابياً للحيلولة دون وصول عدد الأحزاب في مصر إلى مثيله في بنغلاديش مثلاً، وحالت دون وصول مزيد من الأحزاب الورقية إلى خشبة المسرح السياسي في مصر، الذي يرون أنه ليس في حاجة إلى مزيد من العبث، بقدر ما يتطلب قوى حقيقية وفاعلة في الساحة، ولعل السماح بتأسيس هذه الأحزاب الجديدة التي تفتقد للزخم الشعبي والتراث السياسي ما يؤيد أصحاب هذا الرأي .
ويذكر في هذا السياق أن دائرة الأحزاب في مجلس الدولة المصري هي البوابة الوحيدة للحصول على شرعية تأسيس أحزاب سياسية جديدة في البلاد، من خلال أحكام قضائية، وقد لجأ طالبو تأسيس الأحزاب السياسية الجديدة إلى هذه الدائرة، وحصلت منها عشرة أحزاب قائمة حاليا على أحكام قضائية بتأسيسها، بينما رفضت عشرات الطلبات المقدمة .

أحزاب وبرامج

ووافقت لجنة شؤون الأحزاب عبر تاريخها على أربعة أحزاب فقط، هي الوطني (الحاكم) والعمل (المجمد) والأحرار (المجمد) والتجمع، حيث تحولت من منابر إلى أحزاب باستثناء حزب العمل بسبب رغبة الرئيس الراحل أنور السادات في تدشين معارضة، أو حتى لغرض ما في نفسه، إذ طلب حينذاك من بعض أعضاء حزبه أن ينضموا الى العمل، الذي بدأ اشتراكياً وانتهى إسلامياً سيطرت عليه مجموعة من نشطاء الإخوان والمتعاطفين مع الجماعة، طوال عقد التسعينات من القرن المنصرم حتى صدر قرار بتجميده .

كما وافقت اللجنة على حزب quot;الوفاق الوطنيquot;، ثم عادت وجمدت نشاطه, وكانت الموافقة عليه في تصور البعض موازنة سياسية لخلق حزب آخر للناصريين يصنع قدرا من الشقاق بين قيادات التيار الناصري, ورفضت بقية الأحزاب التي قامت بعدها بحكم من القضاء. وباستعراض برامج بعض الأحزاب ـ تحت التأسيس ـ التي رفضت اللجنة الموافقة على تأسيسها خلال الفترة الماضية يتضح التالي:

أن برنامج حزب النيل يدعو إلى إنشاء قناة تمتد من بحيرة السد العالي للبحر الأحمر من الصحراء الشرقية، وحفر قناة من بحيرة السد العالي وحتى بعد خزان أسوان لاستخدامها إبان دورة الفيضان، لجلب الطمي لمجرى النيل بعد السد لتفادي السلبيات التي ترتبت على انشاء السد العالي.
ويصف برنامج حزب quot;مصر السلامquot; نفسه بأنه أول حزب يدعو إلى عولمة السلام، وحقوق الانسان من خلال السمو والارتقاء بالضمير الانساني وسيادة القيم ومكارم الأخلاق.. ويتضمن برنامجه رفض امتلاك كل أسلحة الدمار الشامل والأسلحة المحرمة دولياً.. ورفض قيام القوات المسلحة بأي مهام قتالية خارج الوطن، ورفض إقامة قواعد عسكرية أو الانضمام الى أي أحلاف عسكرية، وضرورة معالجة الاثار السلبية لاتفاقية الجات ونبذ صراع الحضارات .
ويطالب برنامج حزب الجماهير المصري بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية وانشاء عاصمة جديدة خارج القاهرة للحد من الازدحام والكثافة المرورية وحدد موضعها بالصحراء الغربية .
وأخيراً يأتي حزب quot;شباب مصرquot; الذي جرى السماح بتأسيسه مؤخراً، ويعتمد برنامجه على عصر quot;مابعد إنترنتquot; وإعداد الشباب وتنشئتهم سياسيا بتوسيع مجال المشاركة ويحذر الحزب في برنامجه مما أسماه عملية الحصار المفروضة على المشاركة السياسية للطلاب في الجامعات والاتحادات الطلابية، ويطالب الحزب في برنامجه بتغليظ عقوبة الاتجار في المخدرات للحد منها ولحماية الشباب من الوقوع في الإدمان

خلفية تاريخية

وبعد حركة الضباط عام 1952 ألغيت التعددية الحزبية في مصر، وعادت مرة أخرى في عهد الرئيس الراحل أنور السادات rlm;1977,rlm; لكن الحق في تأسيس الأحزاب السياسية لم يستمد دستوريته إلا بعد تعديل المادة الخامسة من الدستورrlm;1971rlm; في أيار (مايو)rlm;1980,rlm; التي كانت تنص على أن الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي الوحيدrlm;,rlm; وتم التعديل بموجب الاستفتاء الذي جرى فيrlm;19rlm; نيسان (إبريل) rlm;1979,rlm; ونصت المادة الخامسة من الدستور بعد تعديلها على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزابrlm;,rlm; وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، ومن ثم فإن هذا التعديل الدستوري استعاض عن التنظيم السياسي الوحيد ممثلا في الاتحاد الاشتراكي العربي بنظام تعدد الأحزاب .
وكان المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكيrlm; قد اجتمع في تموز (يوليو) rlm; من العام 1972rlm;,rlm; وأصدر وثيقة سياسية أكد فيها أن غالبية الجماهير استبعدت فكرة تعدد الأحزابrlm;,rlm; كما استبعدت فكرة الحزب الواحدrlm;,rlm; إلا أنها أجمعت على ضرورة تمكين الاتجاهات المختلفة من التعبير عن آرائها والدعوة إليهاrlm;,rlm; ومن هنا ولدت صيغة المنابر التي كانت بمثابة نواة للأحزاب السياسية في مصر .